بالتوازي مع المشهد المأساوي في غزة والذي يزداد سوءًا يومًا بعد آخر وفشل كل الجهود الدولية في وقف العدوان الإسرائيلي الهمجي غير المسبوق على القطاع المحاصر منذ سنوات، يتراجع الحديث في اليمن عن السلام وتتلاشى تباشيره التي كانت قد لاحت نهاية العام المنصرم.
أزمة مالية خانقة
وتنتظر اليمنيين أيامٌ صعبة ستزيد من معاناتهم الإنسانية، وسط مخاوف من اندلاع مواجهات عسكرية في مختلف الجبهات وانهيار الهدنة الهشة التي كان من المفترض أن تمهّد لاتفاق وقف إطلاق نار شامل برعاية أممية يعقبه صرف مرتبات الموظفين الحكوميين، وفتح الطرقات وتسهيل مرور وتنقل اليمنيين بين مدنهم التي تباعدت وتعقد الوصول إليها بفعل الحرب الممتدة منذ نحو عشر سنوات.
تفاجأ اليمنيون قبل نحو شهر بإعلان البنك المركزي الخاضع لسيطرة الحوثيين وفي خطوة غير مسبوقة إصدار عملة معدنية فئة 100 ريال؛ في محاولة منه للتغلب على مشاكل السيولة وتعويض العملة الورقية التالفة من نفس الفئة، وتوقعات بأن يعقب هذا الإعلانَ إعلاناتٌ أخرى مشابهة، الأمر الذي يعقد الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعصف بالبلاد ويؤدي إلى تعميق الانقسام المالي بين البنك المركزي في عدن التابع للحكومة المعترف بها دوليًا، وبنك صنعاء الواقع تحت سيطرة الحوثيين، ويحدِث شرخًا جديدًا في جدار الوحدة الوطنية المتصدع، وما لذلك من تبعات يدفع ثمنَها الشعب اليمني الذي يتوق للخروج من هذه الحرب والأزمات الناجمة عنها.
حكومة عاجزة
وكان لافتًا توصيف الحوثي في خطاباته مؤخرًا الهدنة الهشة بأنّها مجرد اتفاق على خفض التصعيد في محاولة منه للتهرّب من أي التزامات سابقة كون الوضع تغير والحوثي ما بعد حرب غزة يختلف عما قبلها، وأنه حان وقت جني ثمار تضامنه مع أهل غزّة، خصوصًا بعد الإشادة الشعبية الواسعة التي حظي بها عربيًا وإسلاميًا وظهوره كلاعب إقليمي في المنطقة، فيما تبدو الحكومة الشرعية بكل المكونات المنضوية تحت يافطتها في حالة تخبّط وتوهان، وردود فعلها تكاد تنحصر في البيانات والتصريحات الصحفية الرنانة، فيما مؤسساتها عاجزة عن اتخاذ قرارات صارمة تخفف من معاناة اليمنيين، وتفتح لهم آفاقًا واعدة ومبشرة.
مشهد قاتم ومعقد
عسكريًا ورغم الهدنة لم تتوقّف التّصريحات النارية من الطرفَين وإن كانت الجبهات شهدت خلال الفترة الماضية مناوشات واشتباكات سقط خلالها قتلى وجرحى، فإنّها مازالت محدودة، ومن المتوقع أن تتصاعد في ظلّ اندفاع الحوثي نحو الحسم العسكريّ، ورغبته الجامحة في إخضاع الجغرافيا اليمنية كاملة لسيطرته تحت مبررات كثيرة، يتصدّرها خلال الفترة الحالية القضاء على من يسمّيهم بعملاء ومرتزقة العدوان الأميركي البريطاني الذي يقصف مواقع تقعُ تحت سيطرة جماعته منذ بداية عملياتها التضامنية مع غزة في البحر الأحمر، وخليج عدن.
ويبدو أنّ الشرعية تدرك تمامًا أن الخيارات العسكرية هي الأرجح للتعامل مع الحوثي، وأكّد ذلك رئيس مجلس القيادة الرئاسي في تصريحاته مطلع أبريل/نيسان الحالي بمناسبة الذكرى السنوية الثانية لتعيين المجلس وتفويضه بمهامّ رئيس الجمهورية بقوله الصريح: "إنّ المسافة أو الطريق إلى السلام سوف يحسمها الجيش الوطني والتشكيلات العسكرية".
هكذا يبدو المشهد في اليمن قاتمًا ومعقدًا أقرب للحرب منه للسلام ومن المؤسف القول؛ إن الشعب اليمني قد لا يتمكن من طي سنوات الحرب وأوجاعها قريبًا.
*نقلاً عن الجزيرة نت
اقراء أيضاً
تحالف "حارس الأزهار".. البحر الأحمر ومعركة الملاحة العالمية
الحوثيون من الداخل.. ما لا تعرفه عنهم!