في ذكراها الثالثة عشرةَ ما زالت (ثورة الشباب السملية) التي انطقلت في العام 2011 تثير جدلاً واسعاً وتتباين حولها الرؤى والتفسيرات والتقييمات المختلفة وهذا أمر طبيعي..
لكن غير الطبيعي هو احتداد بعض الألسنة والأقلام لمهاجمة فبراير ومحاكمة الشباب وتحميلهم مسئولية ما آلت إليه الأحداث في صورة تعكس تجاهل الحقائق والقفز على الواقع واتهام الضحية والتهرّب من المسئولية بدلاً من امتلاك الشجاعة لمراجعة الذات وإعادة قراءة المشهد بكل تفاصيله ومآلاته، والاعتراف بالخطأ في حق الوطن وكشف مكامن القصور والخلل لدى كل طرف..
ولعل المراقب يرى أن كثيرا ممن متصدري هذه الحملة والمتحاملين على شباب 11 فبراير إما يحملون توجّهات سياسية معينة لم تكن على وفاق مع الثورة منذ البداية أو ليسوا سوى أصحاب مصالح ونفوذ وتضررت مصالحهم واعتباراتهم الشخصية والسياسية.
والسؤال الذي ينبغي طرحه هو لماذا لا يزال البعض مُصراً على موقفه في محاكمة شباب فبراير وتحملبهم مسؤولية كل الأحداث التي لحقت بالثورة وما تلاها من تداعيات ومآلات خطيرة لم يكن للشباب علاقة بها بقدر ما وجدوا أنفسهم في معمعتها وضحيتها الأكبر.. ثم لماذا تثار حفيظة البعض إذا ذكرت عنده فبراير أو يرى الشباب وهم يحتفلون بذكرى حدثٍ كانوا هم صانعوه، ويرونه في أعينهم مهماً ويستحق الاحتفاء..؟!!
لماذا لا يتحرّك أولئك هم وأقلامهم -في المقابل- لمهاجمة احتفاء الحوثيين مثلاً بيوم الانقلاب المشؤوم أو بيوم الغدير أو بيوم الصرخة وغيرها من الأيام والمناسبات التي تحمل دلالاتٍ سيئة وثقافة دخيلة تهدد "الصف الوطني" أكثر من هتافات الشباب؟!
الغريب أن أولئك الموتورين يشددون على ضرورة اعتراف الشباب بأخطائهم والنظر إلى عملهم الثوري كجريمة ارتكبوها في حق الوطن.. فيما لايريدون هم مراجعة موقفهم المتصلّب وإعادة النظر في قرائتهم وتقييمهم للحدث وأسبابه وموضوعيته، وما تلاه من أحداث وتداعيات ساهمت في انحراف المشهد برمته والخروج إلى مسارات أخرى لا تعبر عن مطالب الشباب وطموحاتهم المحقة والمشروعة..
قد يقول البعض إن الثورة كانت سببا في كل هذا البلاء الذي نعيشه اليوم.. وهذه لعمري أسطوانة مشروخة يرددها أولئك المتسترون، ومغالطةٌ يرمي بها أولئك الهاربون من قول الحقيقة وتوجيه أصابع الاتهام إلى المتسبب الحقيقي.
صحيح أن الأوضاع صارت في الأعوام اللاحقة أكثر بؤساً وتدهوراً مما كانت عليه قبل 2011 لكن وضع البلاد لم يكن فردوساً في ظل النظام السابق الذي وصلت البلاد في ظل حكمه إلى نفق مسدود واشتكى الجميع من سياسة التهميش والحرمان.
ولم تكن ثورة الشباب سوى صوت النذير الذي تحول في ظل مكابرة الحاكم إلى هدير ثوري في أكثر من ساحة ومدينة.
ولعل من المنصف القول أن 11 فبراير كانت تمثل مخرجا للشعب وللأحزاب السياسية ولـ "الزعيم المكابر" نفسه الذي كان أجدر به الاستجابة الجادة لمطالب التغيير بدلا من التعالي واللجوء إلى تشكيل العصابات وإشهار الجنابي والسلاح في وجوه الشباب والصدور العارية.
هناك أسطوانة أو تهمة أخرى يوجهها البعض وهي أن الشباب هم من رَحَّب بالحوثي وقبل به في ساحة الثورة.. والجواب بسيط وهو أن الساحة وقتها كانت مفتوحة أمام الجميع ولم يكن لا للشباب ولا لغيرهم حق في إلغاء الآخرين واحتكار مثل هذا العمل الجماعي الذي أطلق عليه (ثورة شعبية) ولم يكن الحوثيون سوى إحدى القوى التي انخرطت في الثورة بشكل ذاتي أو لحاجة في نفس "يعقوب" وعلى أي فإن وجودهم في الساحة كغيرهم من المكونات، ثم إن دخول الحوثة للساحة لم يكسبهم شرعية ولم يرفع عنهم صفة التمرد ضد الدولة فقد دخلوا الساحة وهم "متمردون" في نظر الشباب وخرجوا منها وهم متمرودن كذلك...ناهيك عن المصادمات والمواجهات الدامية التي كانت تدور بين الثوار وبين المليشيا بشكل شبه يومي، وتكسرت فيها عصي ورؤوس كثيرة.. على أنه ينبغي الإشارة أيضاً إلى أن رفد الساحة المتعمد بالحوثة وتعزيز حضورهم خصوصاً في الفترة الأخيرة كان بإيعاز من طرف النظام وضمن سياسته التي ارتأت في الحوثة أداة انتقامية لتأديب شباب الثورة والقوى المؤيدة لها.
وإذا سلمنا بصحة دعوى أولئك في ترحيب "الساحة" بالحوثي كمبررٍ لهم لمهاجمة الشباب ومغالطة الشارع.. فمن حقنا أن نتساءل: من الذي أدخل الحوثيين إلى القصر الجمهوري، وتواطأ معهم على إسقاط البلاد وسَلّمهم سلاح ومؤسسات الدولة؟
من هو المجرم الحقيقي إذاً... ومن فعلته أكثر جرما وبشاعة في حق الوطن والدولة؟ لا أظن أولئك المتحاملين يمتلكون الشجاعة الكافية للإجابة على هذا السؤال التاريخي الذي سيظل لعنة تلاحقهم وتكشف زيفهم.!
الغريب العجيب أن ينشغل أولئك بمحاكمة شباب فبراير الذين حملوا سلاحهم وتوجهوا إلى جبهات الكرامة للدفاع عن الجمهورية ومقارعة الإمامة الحوثية العائدة بوجوه مستعارة و"مطعّمة" من أولئك المتحاملين في الوقت الذي يغضون فيه الطرف عن اختفاء كثير من أركان النظام البائد وعتاولته ممن أشبعتهم الجمهورية "أوسمة" و"ألقاب" و"نياشين" لكنهم رموها في اللحظة الحرجة واستبدلوها بالعمامة والصرخة والشعارات السُلالية.. هذا إذا لم يتحول بعضهم إلى مقاتلين في صف الإمامة الجديدة فيما يشحذ بعضهم لسانه وقلمه ضد شباب فبراير الأنقياء الأحرار.
أختتم بالقول إن محاكمة شباب 11 فبراير بعد كل هذه السنوات ومهاجمتهم بهذه الطريقة الاعتسافية والملتوية إنما يعكس طبيعة المهمة المشاكسة والفراغ الذي يعيش اولئك بقدر ما يعكس اللحظة العبثية التي نعيشها اليوم، وليس أدل على عبثيتها من مهاجمة شباب فبراير الذين وجدوا أنفسهم في مهمة وطنية لتغطية الفراغ الكبير الذي تركه الكبار في الدفاع عن الجمهورية واستعادة الدولة
تلك المعركة الوطنية التي لم يعد لرموز النظام البائد فيها من وجود اليوم إلا فيما يمثله (يحيى صالح) من حضور بطولي ليس في قطع الطريق على الإمامة ولكن في مهاجمة حائط الصد الأخير، ليبقى مشهد (الانتقام الجماعي) الذي رسمه الزعيم قبل رحيله هو سيد الموقف منذ إعلان الشراكة والتحالف مع المليشيا.. في ليلة غادرة شهدتها صنعاء.. أقول هذا فقط تذكيرا لأصحاب ذاكرة السمك، ولخصوم الثورة الشبابية التي كانت فرصة للنجاة.
اقراء أيضاً