لنتفاءل، وإن كان وهمًا، إنما دعونا نمضي معًا.. تخيلوا أن يوقع الحوثيون الذين هرعوا إلى الرياض عقب التفاهمات السعودية – الإيرانية على كل البنود الأساسية للملفات السياسية والعسكرية والاقتصادية بمنطق مثالي، وسط فرحة اليمانيين بحقن الدم وصفاء النفوس، سيبقى عائق كبير ووحيد لإتمام السلام، اسمه : عبدالملك الحوثي !
كيف؟ سأقول لكم ذلك:
استحدث عبدالملك الحوثي لنفسه منصبًا يشابه ما أحدثه خميني في إيران "المرشد الأعلى". في اليمن يطلق على الحوثي لقب: السيد العلم وقائد الثورة، ذلك يعني أنه رئيس الرئيس – وفي كل خطابات القيادات الحوثية – بمن فيهم رئيس ما يسمى المجلس السياسي الأعلى - يحضون الجماهير على حُسن الإتباع لسيدهم، اشتباهًا بإنحداره من سُلالة يُعتقد أنها تنتسب إلى الهاشمية، رغم شكوك الكثير من المؤلفين في ذلك، ويقينهم أنه من عائلة فارسية سكنت اليمن قبل عدة قرون، ورفضت على مدى أجيال انتمائها العضوي للجنسية اليمنية.
هذا المنصب، وتلك الصفة التي يستحلي أتباع ميليشيا الحوثي تعميمها على سيدهم، تلقى رفضًا قاطعًا يشبه المسلمات اليقينية من فئة كبيرة من الشعب اليمني، بمن فيهم القيادات السياسية والعسكرية والاجتماعية في الحكومة الشرعية الدستورية الممثلة بمجلس القيادة الرئاسي اليمني.
عبدالملك الحوثي، وجماعته المتهمة بالتخلف والعنصرية سيرفضون أيضًا عدم الخوض في هذا الجدل، وسيبقى اسم وصفة سيدهم غير مقبولًا للنقاش، وبهذا تصل التفاهمات السياسية الممكنة حد القطيعة، وإعادة الجميع إلى نقطة الصفر.
في الواقع بعيدًا عن التفاؤل المعسوج بالأعلى، أثق أن التفاهمات المستمرة بين الحكومة الشرعية والمتمردين الحوثيين لن تتقدم بخطوات ملموسة في بدايتها الأولى، لأن هاجس السلام في حد ذاته سيلزم الجميع على تقديم تنازلات مؤلمة، ولن تجد الحكومة الشرعية غضاضة في ذلك مقابل استعادة الدولة، وتأمين حرية الانتخابات، والمواطنة المتساوية، وتفعيل مؤسسات إنفاذ القانون - وإن جاء ذلك على حسابهم مواقعهم الرسمية - وهو ما ستجده الميليشيا المسيطرة على العاصمة اليمنية صنعاء تهديدًا وجوديًا لمكاسبها التي حرصت على تثبيتها طوال سنين الحرب.
طريق السلام في اليمن أصعب بمئات المرات من طريق الحرب، وعلى اليمانيين القابعين في مناطق سيطرة الحوثي انتظار معجزة لتحقيقه، إما بسواعدهم، وإما بطريقة أخرى ليست معلومة لأحد حتى الآن.
(من صفحة الكاتب)
اقراء أيضاً
من المنفى إلى المنفيّ !
وداعًا الشيخ البكّاء!
رسالة إلى كل مبعوث في اليمن