نسيان الماضي ليست صفةٌ عربية، لكن الاستفادة من مجريات أحداثه لم تكن ضمن أبجديات العقلية الناشئه لدول المنطقة عربياً وإسلامياً على السواء. تحتوي الذاكرةُ العربية على المئات من السّير والقصص الناجحة عبر التأريخ للعديد من الأبطال المسلمين وبالإمكان أن تجد الكثير من الأطفال والشباب وكبار السن من يستطيع أن يسرد أحداث الماضي بسيناريو مميز وجميل بطريقة تضفى عليها العاطفة الجياشة ولغة الجسد المُعبرة، في المقابل هناك صعوبة يواجهها كثير ممن يتفننون في سرد تلك السير عندما ينتابك الفضول في طرح سؤال واحد هل للتأريخ غاية كي يخبرك لتخبرنا بمثل هذه السير، لن تجد الإجابة الشافية وإن أمّلت فيه.
للتأريخ غاية كان لها الدور البارز في رسم الخطوات لأحداث اليوم بكل تفاصيلها. استفاد منها القليل دون أن تحتفظ ذاكرتهم بمجريات الحكاية، بينما تذكر الكثير الحكاية كاملة، لكنهم لم يستفيدوا شيئاً من ذكرها وتدوينها عبر التأريخ.
ترجم الغرب الأفكار إلى واقع دون خوف من فساد الأصل فسادوا الأرض، بينما نقل العرب الفكرة بين دفتيّ التأريخ دون تعديل أو تحريف حتى وصلت إلى الأجيال الحاضره دون تطوير، لذلك تأخر العرب قروناً على باقي الحضارات، والسبب الحقيقي في ذلك هي المعايير التي يتّبعها المسلمون في تقييم الأفكار، لم يكن أديسون كذلك نيوتن من أرباب الكنائس وقسيسيها، بل لعل أحدهم لم يعرف الكنيسة أو المعبد، لكنهما كانا يعرفان طريق العلم جيداً، وعبر هذا الطريق استطاعوا تغيير مجريات الحياة وأساليبها وتحولت الحياه من الرتابة إلى مرحلة الدينامو الشيق الذي لا تتوقف مفاجآته المتتالية عبر الزمن حتى اليوم، إذاً المعيار الديني في الأمور الدنيوية يجب أن تخضع للتجربة، وعلية تتحقق عالمية الإسلام ومرونته عبر الزمان والمكان، فبقاء الأصل في الماضي واستمراره للحاضر يخلُق عبئا تتحمل نتائجه أجيال متلاحقة كما هو جلي الآن.
بناء جيل قادر على التفكير هي الخطوة التي يستلزم علينا جميعاً التمعن فيها والعمل سريعاً على الإسراع في رسم بدايتها، وتعقد الآمال على جيل قادر على خلق الفكرة وتطويرها دون وضع أسس تحرم تحريفها.
الخوف من الخوض في الدين لدى عامة المسلمين ومفكريهم يُعتبر من الأشياء التي أدت إلى تراجع مستوى الترتيب الحضاري للعرب خاصة، وللمسلمين عامة بين باقي الأمم، لم يكن الدين يوماً عائقاً أمام التطور كما يدعي البعض، في المقابل الخوف من تصحيح الأفكار السائدة لدى كثير بقدسية الأقوال والأفعال الماضية والحاضرة لرجال الدين يُعتبر العبء الثقيل الذي تحملته الأجيال السابقة والحاضرة، والذي يجب العمل على تصحيح مساره في الوسط الإسلامي حالياً دون شك بمكانة علمائنا.
نقول ذلك وهم أول من يجب عليهم العمل على دعم ظاهرة التفكر والتدبر والاستنباط وتغيير معايير تقييم الأفكار بعيداً عن نظام الجرح والتعديل، ووضع معايير تتناسب مع جنون العصر وسرعة مجرياته، حيث تعتبر الأفكار مكمن السر في تسيير مجريات الحياة وتيسير أمورها.
زمهرير الفكر رفيق ملازم للتخلف والغياب عن الساحة الدولية، وصفاء الذهن قرين للقفزة النوعية في محيط الكون الواسع وفهم جزئياته الدقيقة. بناء جيل قادر على التفكير هي الخطوة التي يستلزم علينا جميعاً التمعن فيها والعمل سريعاً على الإسراع في رسم بدايتها، وعلى جيل قادر على خلق الفكرة وتطويرها دون وضع أسس تحرم تحريفها، تُعقد الأمال في الانتشال من مستنقع التخلف الفكري والإداري لكثير من دول العالم العربي والإسلامي.
اقراء أيضاً
الأقطار العربية وصناعة اليأس!