تصاعدت مع نهاية الحرب العالمية الأولى عند الشعوب المستعمرة مطالب الاستقلال من هيمنة النظم المُستعمِرة، ومن إمبراطوريات لا تغيب عنها الشمس، وبعد الحرب العالمية الثانية ولأسباب عديدة تحولت المطالب إلى ثورات اجتثت النظم الاستعمارية في آسيا وإفريقيا، وأمريكا اللاتينية.
عجزت الدول الاستعمارية عن تبرير وجودها، فلجأت للقمع والعنف ونهب المزيد من الثروات كما بدأته عندما احتلت هذه البلدان، وعندما بلغ عنف المستعمرين ذروته، ردت شعوب المستعمرات بالعنف الثوري التحرري الاستقلالي، الواعي والمتحصن بمطالب عادلة، أن قانون الفعل ورد الفعل ليس قانونًا للحركة الميكانيكية فحسب، بل هو أحد قوانين الحركة في المجتمعات.
هذا ما حدث في عدن، مستعمرة بريطانيا السابقة المحتلة عنوة، والمحميات البريطانية الشرقية والغربية، فقد وصل العنف منتهاه، وبلغ السيل الزبى في الأربعينيات والخمسينات، وكان على عدن والمحميات أن تتجاوز بنضالها التحرري الانتفاضات المحلية العفوية التي مهدت لقيام الثورة، كانت مظاهر الغضب تجتاح عدن، وكانت أشكال التنظيم المقاوم تنمو وتتطور على نحو ثوري مختلف عن السائد.
وكان اليمن، شماله وجنوبه يعيش حالة تحول، فقد أسقطت الثورة في سبتمبر النظام الإمامي الرجعي العنصري المتخلف في الشمال، فهبَّ الجنوب يقاتل مع الشمال دفاعًا عن الجمهورية، وفي صنعاء تبلور تنظيم الجبهة القومية، كان من أبرز رجاله الذين حضروا اجتماعاته الأولى، قحطان محمد الشعبي، أول رئيس لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، وراجح بن غالب لبوزة أول شهيد للثورة.
تبنت الجبهة القومية إسلوب الكفاح المسلح، وأخذت به جبهة التحرير فيما بعد، ووقف الشمال الجمهوري يسند الجنوب المناضل والطامح للحرية، شعب ارتقى بوعية الثوري، وأسلوبه الكفاحي لمستوى عنف المُستعمِر، لقد تحرر الجنوب اليمني بإرادة وطنية جامعة، وباستثناء تلك الأيام سوداء الوقائع بين "التحرير والقومية" قبيل الاستقلال، فإن الجنوب حقق وحدته دون إراقة.
وبالتوازي مع هدف التحرر والحرية اعتنق قادة الثورة وأحزاب ومنظمات عديدة هدف الوحدة، ولم يكن هدف الوحدة اختيارًا نخبويًا، الأمر هنا يتعلق بوعي أصيل في المجتمع اليمني شماله وجنوبه، كانت ولازالت الوحدة أمل كل اليمنيين، وإن اختلفنا اليوم حول شكلها ومضمونها، مركزيتها، أو اتحاديتها.
في ذكرى أكتوبر، كما كان حالنا بالأمس القريب في ذكرى توأمها سبتمبر، نبحث عن مخرج لأزمتنا الراهنة، وفي بحثنا الدؤوب يميل بعضنا فكرًا وسلوكًا لإجابات مغايرة وحادة، لكن الغالبية من أبناء شعبنا اليمني وهم يخوضون المواجهة مع الحوثيين لازالوا يؤمنون بأن الوحدة في دولة اتحادية تبقى هي المخرج الآمن، والنظام السياسي الذي يقدم حلولًا ناجعة لأزمات مركبة تعيشها اليمن.
أن دحر الانقلاب الحوثي الكهنوتي العنصري، واستعادة الدولة، ومواجهة إيران وهزيمتها في اليمن، يتوقف على وحدة الموقف الوطني إزاء هذه القضية المركزية (دولة اتحادية) إنها جوهر العدالة وهي الضامن للحرية الاقتصادية والسياسية، كما تمنح المجتمع وسيلة موضوعية محتملة لديمقراطية مكثفة.
إن رفض الانقلابيين الشديد لفكرة الدولة الاتحادية نابع من شعور ووعي قادة الانقلاب وكهنته بأنها تشكل النقيض الجوهري لنظام الحكم الاستبدادي العبودي الذي تقدمه نظرية الحكم الثيوقراطية، هم يدركون أنها تؤدي إلى تحرير الوعي الوطني من خرافاته، الأمر إلى يفضي إلى تقويض نظرية الإمامة من جذورها.
في عمق الأزمة في بلادنا تبرز عوامل إقليمية ودولية متزاحمة، نحن نواجه تدخلًا إيرانيًا سافرًا، تدخلًا مدفوعًا بمطامح توسعية وعنصرية هي الأخرى، الأمر الذي لا ينفع معه سوى مزيد من التضامن الوطني والعمل المشترك وعلى كل المستويات مع الأشقاء في المملكة العربية السعودية ودول التحالف العربي الأخرى، وكل أنصار العدالة والحق في العالم.
*من صفحة الكاتب على فيسبوك
اقراء أيضاً
غزة ضمير الأمة.. وفلسطين جرحها الغائر
خواطر أكتوبرية
سبتمبر .. لحظة التحول الكبير