سألتُ أدونيس الشاعر الكبير وكنا معاً في رحلة طويلة إلى مدينة تعز ذات يوم.. ماذا عن أم كلثوم وفيروز؟
أجابني باقتضاب.. فيروز مغارةٌ في جبل أم كلثوم!
وعند الحديث اليوم عن الفنانَين الكبيرين أبوبكر سالم ومحمد عبده فإنني لا أجد أدق من عبارة أدونيس.. محمد عبده مغارةٌ في جبل أبوبكر سالم!
رغم ذلك كلاهما فنانٌ كبير
ثمة مذيع سأل محمد عبده قبل يومين عن إبداع الفنانَين الراحلَين أبوبكر سالم وطلال مداح وأثر رحيلهما.. فأجاب بأنهما لم يغنّيا للوطن كما غنّى هو! .. جواب بعيد جداً عن السؤال!
وحين ذكّره المذيع بأغنية وطنية لأبوبكر تهكّم محمد عبده ساخراً وشبّه اللحن بسيارة معطلة تزحف وعندما ذكّره المذيع بأغنية أخرى قال بأنها مسروقة منه!
تلك سقطةٌ منك ووقعة ما كان لك أن تقع فيها أيها الفنان الكبير!
كان يمكن للمذيع أن يرد عليك:
ألم تسرق أنت مئات الألحان اليمنية وتنسبها لنفسك أو لتراث الجزيرة والخليج كما تقول دون أي ذكر لليمن!
صوتُ محمد عبده صوتٌ صحراويٌ رائع بصهيل خيلها وحرارة يبابها وجفاف هوائها.. لصوته طبقةٌ واحدة فحسب وبالكاد يلامس طبقةً أخرى بعد لأْيٍ وتنطّع!
صوتٌ حار فرض نفسه على الوطن العربي منذ نصف قرن على الأقل!
صوتٌ وراءه أذكى شخصية فنية عرفها الغناء العربي هي شخصية محمد عبده نفسه!
ذكيٌ ودائبٌ ومُلِح ويغني للأمراء وفي قنواتهم منذ نصف قرن!
وفي فترة كنتَ تفتح عدة قنوات فتجده واقفاً يغني في جميعها.. وكأنه صاحب هذه القنوات!
صوتٌ ذكي وراءه شخصية ذكية وشخصيات نافذة ومؤسسات.
محمد عبده شخصية مُلِحّة! غنّى كثيراً وكثيراً حتى أنه لايحفظ معظم أغانيه! فهو يقرأ ويغني نصوص أغانيه من أوراق يتم وضعها أمامه على المسرح وأمام الجمهور بعد أن يقف مباعداً بين قدميه متسمراً ومركّزاً بعينيه على أوراقه!
صوتُ أبوبكرسالم صوتُ له قرارةُ الوادي العريض وترجيعُ الجبل العالي وتهادي الساحل المتماوج.
صوتٌ بطبقاتٍ سماويةٍ متعددة..
صوتٌ بدويٌ خارقٌ حارقٌ حُرقة عسل دوعن ولوعة شِعابه إذا أردت، وهو على ذلك أيضاً، صوتٌ مدنيٌ رائقٌ شائق يتقطّر بصباباتِ عدن ويتفطّر بعذابات عشاق كريتر وتهدجات وتسابيح تريم!
صوتٌ يضحك ويبكي.. صوتٌ يغضب ويرضى، صوتٌ يعاتب ويعاقب.. صوتٌ يعلو مثل أُفُق وينخفض مثل نبْتة الوادي ورفرفات حنينها!
قال لي الملحّن السعودي الكبير طارق عبد الحكيم أن محمد عبده لايخشى منافساً سوى أبوبكر سالم! وأضاف بأن محمد عبده ركّز على منافسة طلال مدّاح ولم يكد يتفوق عليه حتى ظهر له جنّيٌ منافس أصبح شغله الشاغل وهو عبد المجيد عبد الله!
في رأيي، يجب ألاّ تغضبوا أو تعتبوا على أحد من هؤلاء الأربعة فنانين راحلين وأحياء عندما يتكلم أو تكلّم أحدهم عن الآخر، وتحديداً مثير الزوابع محمد عبده!
ففي النهاية، يكفينا وهو الأهم في ذلك كله أن الفنانين الأربعة يمنيون أقحاح حتى لو لبسوا العقالات والعالم كله يعرف ذلك:
أبوبكر سالم، وطلال المداح من محافظة حضرموت ومحمد عبده من محافظة الحديدة، وعبد المجيد عبد الله من محافظة حَجّة!
لكنهم في النهاية جبلٌ واحد وثلاث مغارات!
*من صفحة الكاتب على فيسبوك
اقراء أيضاً
رحيل الشيخ الزنداني.. محاولة لرؤية نصف الكوب المملوء!
مع أردوغان في أزقّة صنعاء القديمة!
تراث البردوني.. شهادة للتأريخ