مما سجلته الذاكرة عن الشهيد اللواء جواس، أنه في عام ١٩٩١، أي بعد الوحدة بسنة واحدة تقريباً، كنت في مكتبي في مجلس النواب مع رؤساء بعض اللجان نحضر لمناقشة ما تبقى من قوانين مؤجلة من قبل لجان الوحدة حين دخل علينا مدير المكتب يقول لي إن قائد اللواء (على ما أذكر لواء باصهيب) في ذمار "جواس" يريد التحدث إليك.
استغربت الاتصال، رفعت سماعة التلفون، وبعد السلام، والسؤال عن الحال، قال لي: أنا اتصلت عليك لأنني حاولت أتواصل مع الاخ نائب الرئيس (علي البيض) ولم يوصلوني به، سألته: إيش المشكلة؟ أجاب، صدرت لـ (اللواء) في ذمار أوامر بالتوجه الى مشرق عنس لمواجهة تمرد قبلي هناك، وهذه ليست مسئولية اللواء، سألته ممن صدرت الأوامر؟ قال من وزارة الدفاع وبتوجيهات من الرئيس.
قلت له، لماذا لا تتصل بالأخ هيثم وزير الدفاع أو رئاسة الاركان؟ قال: اتصلت بوزير الدفاع وقال لي إنه لا يستطيع التدخل في أمر أصدره الرئيس، القائد الاعلى للقوات المسلحة، وطلب مني التواصل مع نائب الرئيس ليعالجوا الموضوع فيما بينهم. ثم أضاف جواس قائلاً: الموضوع خطير وأنا لا أستطيع أن أزج باللواء في مواجهة قبلية هي في الأساس من مهمة الأمن، وفي نفس الوقت من الصعب أن أكسر الأوامر.
قلت له سأتوجه الان الى مسكن النائب، وكان يسكن في القصر الجمهوري وعلى مسافة لا تستغرق أكثر من خمس دقائق بالسيارة من مقر مجلس النواب الذي كان في نادي ضباط الشرطة.
تحركت الى منزل النائب، وصادفت عند مدخل باب المجلس عضو البرلمان يومذاك المرحوم الشيخ أحمد عباد شريف وطلبت منه أن يرافقني، ووافق مشكوراً.. وفي السيارة شرحت له الأمر، فقال موقف قائد اللواء صحيح لأن إقحام اللواء في مواجهة مسلحة قبلية في غاية الخطورة، وقد يكون وراء هذا التوجيه فخ أو سوء تقدير.
وصلنا إلى مسكن النائب، وكان أول من قابلنا محمود الجنيد مساعد مراسم النائب، وكان شاباً صغيراً جاء به أحمد الشامي الى عند النائب وطلب منه أن يوظفه في مكتبه كمراسيم وقال له إنه سيكون مفيداً له لأنه من ابناء صنعاء.
سألنا الجنيد، من عند النائب، أجاب، عنده اجتماع موسع لمشائخ من حجة من أصحاب عبس ومن المحويت ومن عيال سريح والغولة، طلبنا منه أن يخبره أننا نريده في مسألة مهمة وعاجلة، خرج إلينا النائب وشرحنا له المشكلة، وغادرنا.
لا ندري بعد ذلك ما الذي تم، لكن الذي عرفته في نفس اليوم من بعض أعضاء مجلس النواب في عنس أنه تم الاتفاق على ارسال كتيبة من لواء جواس وكتيبة من الحرس الجمهوري لاحتواء الموقف وليس للمواجهة، وفعلاً تم احتواء الموقف بدون أي خسائر، وكان قائد كتيبة الحرس الجمهوري شخص عاقل من بلاد الروس، قال لقائد الكتيبة التي من لواء جواس، إذا باشروا بالضرب أطلقوا في الجو بعيد وهذه علامة تفهمها القبائل
رفض جواس الزج باللواء في مواجهة قبلية في تلك المرحلة المبكرة كان دليلاً على حنكة القائد في قراءة المشهد وما يخفيه من ألغام ونتائج، ناهيك عن معرفته لوظيفة الجيش، وفوق هذا وذاك حساسية أن يقوم لواء جنوبي بمواجهة قبيلة في الشمال في تلك المرحلة المبكرة من الوحدة.
*من صفحة الكاتب على فيسبوك
اقراء أيضاً
لا تراجع.. بل المزيد من فرض قيم وسيادة الدولة
البنك المركزي اليمني.. وقرار توسيع وترشيد المعركة
هل تعلمنا من الدرس؟!