يمتلك اليمن تاريخاً طويلاً مع المشاورات التي تفضي إلى حروب، لكن أن تكون التحضيرات لمشاورات الرياض المقرر انعقادها أواخر الشهر الحالي، بالصواريخ البالستية والطائرات المسيرة، فهذا أمر لا يبعث على الاطمئنان إطلاقاً.
ما حدث يومي السبت والأحد الماضيين، عندما أمطر الحوثيون المنشآت السعودية بعشرات الصواريخ، يجعل المشاورات اليمنية التي دعا إليها مجلس التعاون الخليجي في مقر الأمانة العامة بالرياض، تُقرأ من عنوانها. مشاورات بدأت بشكل تسريبات وتم التحضير لها بالهجمات وستنتهي بحشد يفوق 500 شخص في الرياض يصفقون لبيان ختامي لا تُعرف حتى الآن ماهية الطبخة التي يحتويها.
بغض النظر عن المُسمى، وما إذا كانت مشاورات يمنية ـ يمنية، أو مشاورات أو مؤتمر حوار وطني، إرسال هذا العدد الضخم من القوى والمكونات إلى الرياض ومن لون واحد مؤيد للحكومة الشرعية والتحالف الذي تقوده السعودية لا معنى له في ظل غياب الحوثيين أو جناح حزب المؤتمر بصنعاء وجناح حزب المؤتمر في الجنوب.
كانت الآمال قد ارتفعت عندما بدأت التسريبات والموافقة الحوثية المشروطة، وخصوصاً أن هذه التحركات تأتي بالتزامن مع دخول الحرب عامها الثامن. لكن المؤسف أن المصائب لا تأتي فرادى، فالطموحات بإنهاء الحرب تبخرت، وتمويلات المانحين للخطة الأممية نضبت هذا العام، والتحضيرات الحوثية للعام الجديد من الحرب على أعلى مستوياتها.
الآن، تبدو السعودية في ورطة حقيقية، فهي لا تتعظ من دروسها السابقة، خصوصاً أن أول تجربة سياسية لها في اليمن، والمتمثلة باتفاق الرياض الموقع بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، لم تثمر سوى حكومة محاصصة مشلولة.
أرادت السعودية جس نبض الحوثيين من خلال التسريبات وكانت المفاجأة موافقتهم على المشاركة، بل كانوا السباقين للترحيب المشروط، خصوصاً أن الأحزاب السياسية لم تعلن أي موقف رسمي تجاه مشاورات الرياض.
من الواضح أن الهدف السعودي من وراء هذا هو تأليب الرأي العام الدولي على جماعة الحوثيين باعتبارها معرقلة للسلام، وهي كذلك فعلاً، وفوق هذا ستكون المليشيا هي السبب في ارتفاع أسعار النفط، وخصوصاً بعدما أخلت السعودية مسؤوليتها عن أي انخفاض في حصص الإنتاج جراء الهجمات على منشآت أرامكو.
بالنسبة لجماعة مثل الحوثيين، فإن هذه الخطط غير مجدية مثلها مثل ردود الفعل الدولية والعقوبات. وفي ظل تعثر أي حسم عسكري، يبقى خيار الدبلوماسية وسحب الجماعة تدريجياً إلى مشاورات أولية ستجعلها تتنازل عن بعض الشروط التعجيزية، وخصوصاً في حال لمست تحسناً في الجانب الإنساني الذي بات يخنقها حالياً جراء أزمات الوقود والغاز والسيولة النقدية.
الأوضاع المعيشية في كافة المدن اليمنية بلا استثناء بلغت الحضيض، وأي تفاهمات عاجلة لإنقاذ الوضع كانت ستمثل هدية ثمينة لملايين اليمنيين مع حلول شهر رمضان، أما الحديث الأممي عن هدنة للقتال، فالجبهات خاملة أصلاً، وإذا تم التوقيع على وقف إطلاق نار، فإن ذلك سيشعل الجبهات فقط كما تفعل المشاورات في العادة.
*نقلاً عن العربي الجديد
اقراء أيضاً
مجلس رئاسي في اليمن... ماذا بعد؟
اليمن.. هدنة طيبة
اليمن مقبرة المبادرات