هناك عدد من الأفكار والصور والمقولات المغلوطة عن الحوثيين والحرب في اليمن لدى الخارج العربي والإسلامي والمجتمع الدولي، مع أنه من السهولة بمكان تفكيك تلك المنظومة النمطية التي دأبت آلة إعلامية ضخمة على تكريسها لأهداف محددة.
يأتي في مقدمة تلك الصور والأفكار أن الحوثيين يمثلون أقلية طائفية مهمشة ومضطهدة، وسط أغلبية سياسية ومذهبية ومجتمعية تسعى لاجتثاثها، ومع أن الحوثيين في اليمن يمثلون أقلية مذهبية لكنهم ليسوا ـ ولم يكونوا في يوم من الأيام ـ مضطهدين، بل إنهم اليوم يمثلون «دكتاتورية الأقلية» إن جاز أن يتم استعمال التوصيفات السياسية في حق الميليشيات المسلحة.
أما بالنسبة للاضطهاد المزعوم فالواقع أن الحوثيين على مستوى الأسرة كانوا يحظون بمكانة محترمة وسط مجتمعهم المحلي، حيث كان والدهم بدر الدين الحوثي جابياً لأموال الزكاة وغيرها من الواجبات التي كان يعمل على تحصيلها بسبب مكانته الدينية والاجتماعية، إذ لم يكن الكثير من المواطنين يدفعون زكاة أموالهم للدولة، على اعتبار أن الدولة اليمنية لا مشروعية دينية لها، لأنها دولة «ظالمة» وأن زكاة «شيعة أهل البيت يجب أن تدفع لرجل منهم».
أما من الناحية السياسية فقد كان حسين الحوثي زعيم الحوثيين السابق وشقيق زعيمهم الحالي عضواً في البرلمان اليمني، وكان أخوه يحيى ـ ولا يزال ـ عضواً نيابياً كذلك، ورغم كل ذلك فإن طموح العائلة السياسي جعلها تتسبب في أكثر حروب اليمنيين دموية على الإطلاق. ومما يدعو للسخرية أن هذه العائلة كانت تؤسس لمشروعية حروبها ضد نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي تحالفت معه فيما بعد قبل أن تقتله إثر انقضاء غرضها من التحالف معه.
هذه العائلة كانت في البداية تؤسس لمشروعية «جهادها» ضد النظام ـ ضمن مبررات أخرى ـ على أساس أنه نظام عائلي، قبل أن تسيطر هي على كل مقدرات البلاد في مناطق سيطرتها، فعبدالملك الحوثي يحمل لقب قائد الثورة، وهو لقب يعطيه صلاحيات عسكرية وأمنية واقتصادية ودينية غير متناهية وفوق الجميع، بمن فيهم رئيس جمهورية الحوثيين.
وقد خلف عبدالملك أخاه حسين، بعد أن هيأ له والده تولي قيادة الحركة، وهناك محمد الحوثي رئيس اللجنة الثورية العليا، وغول النفط والسوق السوداء المعروف، ويحيى الحوثي وزير التربية والتعليم في حكومة الحوثيين، وعبدالكريم الحوثي وزير الداخلية، وعبدالخالق الحوثي قائد قوات الاحتياط، وقائد المنطقة العسكرية المركزية، وعلي حسين الحوثي وكيل وزارة الداخلية، ويحيى حسن الحوثي مسؤول مركز نزع الألغام التي لا تزرعها في اليمن إلا الجماعة، وبلال الحوثي المشرف على بنك التسليف التعاوني الزراعي، وحسن الحوثي رئيس مجلس إدارة شركة الخطوط الجوية اليمني، وقاسم الحوثي رئيس دائرة الإدارة المحلية في مجلس حكمهم، وعبدالله عبدالكريم الحوثي رئيس دائرة الأشغال العسكرية.
وقائمة طويلة من أعضاء الأسرة وأبنائهم في مناصب مختلفة تعيد إنتاج ما كانوا يسمونه نظاماً عائلياً، ناهيك عن تفاصيل كثيرة لا يمكن حصرها هنا عن الأقارب والأصهار وأبناء الأسر المرتبطة بالحوثيين بروابط سلالية، ضمن سلطة الحوثيين الذين يعاد إنتاجهم على أساس أنهم يمثلون «أقلية مضطهدة وسط أغلبية تريد اجتثاثها مذهبياً واجتماعياً» والذين – مع أقلويتهم – تمكنوا من السلطة بفعل عدة عوامل، في مقدمتها المكايدات السياسية بين المكونات اليمنية المختلفة.
ومن الأفكار المغلوطة ـ في هذا السياق ـ أن الحكومة اليمنية والتحالف العربي يرفضون وقف الحرب في اليمن، مع أن الحوثيين منذ اتفاق استوكهولم الذي وقعت عليه الحكومة اليمنية والحوثيون في السويد نهاية 2018 هم الذين يهاجمون المدن والقرى اليمنية، ويرفضون جميع المبادرات لوقف الحرب، وآخرها المبادرة السعودية التي حاول العمانيون إقناع الحوثيين بها قبل أن ترفضها الميليشيات بشكل قاطع، واليوم تدعو الأمم المتحدة والأوربيون والأمريكيون والجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي إلى وقف إطلاق النار، والذهاب إلى مفاوضات للحل السياسي، ووحدهم الحوثيون يرفضون كل تلك الدعوات والمبادرات، ومع ذلك يردد الحوثيون أن «العدوان» هو من يرفض وقف إطلاق النار.
ومن المقولات المغلوطة أن الحرب في اليمن اليوم جاءت بسبب عدوان خارجي على اليمن وأنها حرب على اليمن وليست – في الأساس ـ حرباً في اليمن لها أسبابها الداخلية، والحقيقة أن الحرب لم تبدأ عام 2015 وهو عام تدخل التحالف العربي، ولكن الحوثيين بدؤوها قبل ذلك بأكثر من عشر سنوات في 2004، عندما سفك مسلحون حوثيون دماء رجال الأمن في إحدى النقاط في محافظة صعدة، ومن هنا اشتعلت ست حروب بين الجيش اليمني وجماعة الحوثي، التي كانت ترفع لكل مرحلة شعاراً مناسباً لحروبها وعدوانها على اليمنيين.
الحرب في اليمن سببها العدوان الداخلي الذي جاء بالانقلاب على خيارات اليمنيين التي مثلتها نتائج مؤتمر الحوار الوطني الذي شارك فيه الحوثيون، وهو الانقلاب الذي يعد امتداداً لأكثر من عشر سنوات من التمرد الحوثي منذ 2004 وحتى اليوم.
ومن المقولات المغلوطة كذلك أن الحوثيين أقل تسليحاً من قوات الجيش اليمني، وأنهم يواجهون تحالفاً من سبع عشرة دولة على رأسها أمريكا وإسرائيل، وهذه المقولة روج لها الإعلام المرتبط بإيران وميليشياتها الطائفية، كي يقولوا إن الحوثيين يواجهون احتلال قوى دولية، وفي حقيقة الأمر أن تسليح الحوثيين كان ولا يزال أقوى من تسليح الجيش اليمني، فلديهم الصاروخ البالستي والحراري والطائرات المسيّرة والدبابات والدروع، وترسانة ضخمة متراكمة من سلاح شطري اليمن سابقاً، وسلاح الجيش اليمني بعد الوحدة، علاوة على ما يتم تهريبه لهم بشكل مستمر من أنواع الأسلحة النوعية المختلفة، في وقت يقاتل فيها الجيش بأسلحة متوسطة وخفيفة. صحيح أن طيران التحالف يقوم بدور في المعركة، لكن عدم وجود السلاح النوعي والقوة البرية الكافية كان له دور في مكاسب الحوثيين الأخيرة، لأن المعارك إنما تحسمها القوات على الأرض، مهما كانت ضربات الطيران كثيفة ومركزة.
ومن المقولات غير الدقيقة عن الحوثيين أنهم جماعة سياسية يمكن الوصول معها إلى حل، والواقع أنهم إلى اليوم يرفضون تشكيل حزب سياسي، على اعتبار أنهم «أمة» والأمة لا يمكن حصرها في حزب. الحوثيون في الأصل جماعة دينية طائفيه تطلق على نفسها تسمية «أنصار الله» وهذه الجماعة الدينية ترى أنها هي الحق وما عداها باطل الأباطيل، بل إن مؤسسها كان عضواً في تنظيم سياسي سابق اسمه «حزب الحق» بما تعنيه هذه التسمية من إشارات إلى الحق المقابل للباطل، والحق الذي ينفتح على دلالات التملك والتحكم – بتفويض إلهي – في السلطة والثروة، ومع ذلك ترك الزعيم السابق ووالده حزب الحق، لتأسيس ميليشيا مسلحة بعد أن أدرك أن التنظيمات السياسية لا يمكن أن تصل به إلى السلطة، بعد حصول حزبه على مقعدين نيابيين فقط من أصل 301 من المقاعد.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن من أهم أسباب رفض الحوثيين للمسار السياسي ما يكمن في التراث الفقهي الديني لهذه الجماعة التي تؤمن بشرطين أساسيين يجب توفرهما – ضمن شروط أخرى – فيمن يستحق أن يكون «إماما» للمسلمين: الأول يسمونه «حصر الإمامة في البطنين» الذي يعني أن منصب «الإمامة العظمى» لا يجوز أن يكون إلا في رجل من البطنين، أي من نسل الحسن أو الحسين سبطي النبي محمد، وهذه وصفة حرب حقيقية، حيث لا يمكن أن يسلم أحد بحصر السلطة والثروة في سلالة، والثاني يسمونه «شرط الخروج بالسيف» بما يقتضيه تركيز مشروعية السلطة على أساس الوصول إليها بالسلاح، وهذا الشرط يلغي مسألة التداول السلمي ويؤسس لمشروعية العنف سبيلاً وحيداً للوصول إلى السلطة.
شاركت مرة مع بعض مسؤولي الخارجية الألمانية في برلين في حلقات نقاش عن الحوثيين، وكان بعض الباحثين يرددون كثيراً من الكليشيهات الجاهزة عن الحرب في اليمن، وكان ردي أن الحوثيين يسعون لتقمص صورة «حزب الخضر» في الخارج، ولكن صورتهم الداخلية أقرب إلى «حزب البديل العنصري الألماني».
ومع الزمن يبدو أن الكثيرين حول العالم بدؤوا يقتنعون أن الصورة النمطية للحوثيين بعيدة كل البعد عن حقيقتهم في الداخل اليمني.
*نقلا عن صحيفة القدس العربي
اقراء أيضاً
عن المقاومة «الإرهابية» والاحتلال «الديمقراطي»!
كذبة فصل الدين عن الدولة
عدالة بيضاء.. لتذهب المحكمة إلى الجحيم