بكل ما تحمله كلمة التحدي من معنى، يمكن القول إن عدن اليوم في قلب هذا التحدي الذي يتوقف على تجاوزه مستقبل اليمن والمنطقة بأكملها.
لا نقول ذلك مبالغة في قياس حجم التحدي الذي يحمله المشروع الايراني- الحوثي الطائفي الى المنطقة بكل ما يبثه من نزاعات وصراعات وانقسامات وحروب، وبكل ما ينشئه من جماعات لا وظيفة لها سوى تخريب الدولة الوطنية، والتمسك بتكوينات ما قبل الدولة لتبقى الحاضنة التي تفرخ فيها عبثها بالدولة ومقدرات الشعوب.
كانت الزيارة التي قام بها وفد من الاتحاد الأوربي لعدن منذ أيام قليلة ولقائه بالحكومة وعدد من الفعاليات السياسية قد تفاعلت مع هذا التحدي على نحو أخذت معه عدن تستعيد دورها ومكانتها فيما ينتظر البلاد من تطورات سياسية وعسكرية في مواجهة تمدد هذا المشروع.
وأياً كانت النتائج التي تمخضت عنها هذه الزيارة إلا أنها جاءت لتؤكد دعم المجتمع الدولي لعودة الحكومة إلى عدن وتأثيرها الإيجابي في تصحيح المعادلة المختلة التي ظل الكثيرون يوظفونها من منطلقات مختلفة للانتقاص من منظومة الشرعية وأهليتها في مقاومة وكسر هذا المشروع الذي يضمر الشر لليمن وأهله.
لقد ظلت عودة الحكومة للعمل من داخل العاصمة المؤقتة عدن هاجساً يؤرق الحوثيين، ولذلك فقد عملوا دوماً على عرقلة العودة كي تبقى معزوفة" حكومة الفنادق" التي أطلقها إعلامهم منصة لكل من يريد أن يدلي ببيان يكرس اليأس ويشيع الإحباط، ولنتذكر الصواريخ التي أطلقوها على مطار عدن يوم عودة الحكومة منذ عام، وأودت بحياة العشرات من المدنيين في عمل إرهابي لا يمكن وصفه إلا بأنه جريمة حرب ترتكبها هذه الجماعة الإرهابية لمنع عودة الحكومة الى اليمن لمعرفتها بما تحمله هذه العودة من دلالات.
الرسالة التي يحملها التفجير الارهابي في مدخل مطار عدن منذ يومين، والذي راح ضحيته أطفال ومدنيون، وأحدث دماراً كبيراً في ممتلكات خاصة لمواطنين تصب في نفس المجرى الذي يستهدف عدن للمرة الثانية والثالثة والرابعة لإحداث انكسار أكثر عمقاً في النفوس التي تفاءلت بتصحيح مسار المعركة، وهنا تكمن حقيقة أن هذا المشروع الخبيث إنما يحاول أن يعيد بناء نفسه في الاراضي المحررة بتوظيف قدراته في الاختراق المباشر بهذه الأعمال الإرهابية، وباستخدام الشروخ التي كفلت تغطية الأعمال الإرهابية لهذا المشروع بسبب حسابات لا يرى أصحابها من المشكلة غير ما تسمح برؤيته هذه الشروخ من حجم المشهد.
وفي حين لا يزال قسم من قوة ومقدرات مقاومة هذا المشرع الطارئ تواجه بعضها البعض في أكثر من مكان، فإن من يستخدمون لتغطية عبث نظام إيران وجماعته، من غير المنتسبين لهذه الجماعة، يعملون على تحجيم خيانتهم بتضخيم " انتصارات" الحوثي لإحداث انكسار في الوعي المجتمعي يساعدهم على التخفي داخل دخان من الكآبة التي تحدثها مسارات الحرب، والأعمال الارهابية، والمواجهات المؤسفة بين أجنحة المقاومة على أكثر من صعيد.
لبنان نموذج لما ينتظر اليمن في حالة أن تمكن المشروع الايراني من التمدد على ترابه، فإذا كان لبنان بتواضعه في ميزان المعادلة الإقليمية، قد عمل حزب الله على تعطيل اختياراته القومية والوطنية، و تحويله إلى منصة نفوذ للنظام الايراني ودوره في ارباك مستقبل المنطقة العربية، فإن اليمن بحجمه ومكانته سيكون قاعدة انطلاق أضخم لهذا النظام الذي أخذ على عاتقه مهمة تدمير المشروع الوطني والقومي العربي لاعتبارات لا يمكن البحث عنها في إضبارات التاريخ فحسب ، ولكن في معطيات العصر أيضاً، حيث يقوم هذا النظام على قاعدة منظومة من مرجعيات الأيديولوجية الطائفية التي يعمل بواسطتها على تمزيق النسيج الوطني للمجتمعات العربية ، وتوظيف ما يتمخض عن ذلك من صراع خدمة لمصالحه التي تتجذر في قلب هذه البنى الطائفية الممزقة.
لقد سخر الحوثيون، ومن ورائهم إيران وقوى الإرهاب التي تتسلل من بين الشروخ التي يمتلئ بها جسم المقاومة، كل أدواتهم وما وفرته لهم الحرب من امكانيات وظروف لتوسيع رقعة العنف والتدمير بهدف انتاج شروط تسوية تجعل منهم القوة المسلحة والأكثر نفوذاً لتلعب نفس دور حزب الله في لبنان؛ تمسك بالقرار، أو تعطله، وتضع مستقبل اليمن في نفس المسار الذي يضع فيه حزب الله لبنان اليوم، وعند أي مشكلة يخرج عبد الملك الحوثي ليتحدى الجميع بأن لديه مائتين ألف مقاتل جاهزين لحسم الخلاف وحمل " القضية".
اليوم، لا خيار سوى أن تواصل الحكومة عملها من داخل عدن، ليجسد ذلك موقفاً متماسكاً ومصيريا مما ينتظر اليمن من مخاطر حقيقية، ولا بد هنا من الاشارة إلى أن كل القوى السياسية والأطراف المختلفة المنضوية في إطار مقاومة هذا المشروع الطائفي التدميري أن تتفق على أن كل ما يفرقها قابل للحل بالمقارنة مع ما تواجهه البلاد من مخاطر وقوعه تحت النفوذ الإيراني.
وما يمكن أن يتسبب فيه ذلك من تحويل اليمن إلى قاعدة مواجهة مع محيطه العربي، وهو فخ لا يمكن لليمن أن تقع مهما تفنن المرجفون في ترديد عبارة عبثية الحرب التي لا يقصد بها هؤلاء سوى تبرير انقلاب الحوثي وخيانته للتوافق الوطني.
فالحرب عبثية فعلاً حينما نتتبعها منذ نشوئها مقترنة بذلك الانقلاب المشئوم الذي وضع البلاد بقوة السلاح على مسار مختلف للمسار الذي توافقت عليه القوى السياسية، وحينما نتتبع رفض الحوثيين لمشروع السلام في تساوق مع حاجة النظام الايراني الذي يوظف حروب المنطقة لصالح مشروعه.
ثقوا أن عدن ستكون في مستوى التحدي، كما كانت دائماً، المهم هو أن يتخطى الجميع الخلافات بروح تتساوق مع ما توفره هذه المدينة من فرصة لاستعادة المبادرة.
*نقلا عن صفحة الكاتب في "فيسبوك"
اقراء أيضاً
لا تراجع.. بل المزيد من فرض قيم وسيادة الدولة
البنك المركزي اليمني.. وقرار توسيع وترشيد المعركة
هل تعلمنا من الدرس؟!