حسمت الأمم المتحدة مسألة تعيين الدبلوماسي السويدي هانس غروندبرغ مبعوثاً رابعاً إلى اليمن، بعد حصولها على الضوء الأخضر الصيني، ورحبت جميع أطراف النزاع وحلفائهم الإقليميين واللاعبين الدوليين، بقرار التعيين، وهذا أمر جيد، لكن ماذا بعد؟ منصب المبعوث الأممي ليس مجرد مقعد شاغر، ولا تكمن العقدة في كيفية التوافق على تعيين الرجل المناسب له فحسب. وطريق الألف ميل لم يبدأ بعد بأي خطوة، والرسائل المفخخة التي حملتها غالبية بيانات الترحيب، لا تبعث على الطمأنينة.
فالبيانات الصادرة عن الأطراف الداخلية، والتي حرصت فيها على إظهار نوع من الدبلوماسية في الترحيب بالمبعوث الجديد وإبداء الاستعداد، ولو شكلياً، للتعاون معه، كان لافتاً فيها حضور الغطرسة الحوثية، واستخدام الخطاب المتعالي مع المبعوث الجديد منذ اللحظة الأولى.
غداة تحديد "أولى أولوياته" والتي تم حصرها برفع الحظر عن دخول سفن الوقود إلى ميناء الحديدة وعن الرحلات إلى مطار صنعاء، قال كبير المفاوضين الحوثيين، محمد عبد السلام، إن تعيين مبعوث جديد "لا يعني شيئاً"، ما لم يكن هناك إعلان صريح بوقف الحرب ورفع الحصار، وإنه لا جدوى من أي حوار قبل فتح المطارات والموانئ.
إذاً، لا يزال التعنت الحوثي الذي أفشل مهمة المبعوثين السابقين، يتربّص بالمبعوث الجديد. الإصرار الحوثي على جرّ اليمن إلى نفق مظلم ومجاعة وشيكة بعد انهيار الريال إلى 1050 أمام الدولار الواحد في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية، ليس مستغرباً بالنسبة للمواطن اليمني. ما يكون غريباً، هو أنّ تعلن جماعة تعشق العنف، تغليب مصلحة اليمنيين على مصالح إيران، وتقرر الدخول في عملية سلام من دون شروط مسبقة.
في مقابل الصلف المتوقع من الحوثيين، كانت الحكومة الشرعية تبعث برسائل مبطنة للمبعوث الجديد، ولكن عبر قنوات غير رسمية، إذ ظهر رئيس مجلس الشورى، أحمد عبيد بن دغر، يحذر المجتمع الدولي من المساس بـ"الشرعية" المتمثلة بشخص الرئيس عبدربه منصور هادي.
يبدو أن الشرعية متوجسة مما يُحاك في كواليس المجتمع الدولي من طبخة واحتمال إطاحة القرار 2216 (2015) وطي صفحة الرئيس هادي، ولذلك سارعت لإطلاق تحذيرات تقول إن "المساس بالشرعية أو إطاحتها قبل الوصول إلى توافقات وطنية، هي دعوة للذهاب باليمن إلى المجهول والانتهاء بالبلاد إلى دولتين أو أكثر". لذلك، وأمام كل هذه الكمائن التي يرسمها الحوثيون والحكومة الشرعية للمبعوث الجديد، لا يمكن أن يرى اليمنيون عجلة السلام تدور في بلادهم على المدى القريب، في ظلّ المؤشرات الأولية من طرفي الصراع.
المجتمع الدولي والأمم المتحدة، أمام اختبار حقيقي. إما تغيير الآليات في التعاطي مع الأزمة اليمنية وعدم مهادنة الأطراف والرضوخ لشروطهم المسبقة، أو المشاركة في تشييع اليمن رسمياً إلى مثواه الأخير.
*نقلاً عن "العربي الجديد"
اقراء أيضاً
مجلس رئاسي في اليمن... ماذا بعد؟
اليمن.. هدنة طيبة
اليمن مقبرة المبادرات