كوني امرأة لا أدري إن كان يتوجب علي أن أفرح أم أحزن في هذا اليوم، اليوم الذي يفرتض به أن يكون موسماً للفرح ولتكريم المرأة على انجازاتها، لكن مهلاً ؟!
هل حققت المرأة حقاً حقاً نجاحات تفرض على العالم أن يقف لها اجلالاً في يوم أو في عام؟! قد يبدو السؤال جدلي لأول وهلة، لكني أتبنى الإجابة التي تشير إلى أن المرأة حققت انجازات لا يمكن أن توفيها حقها، المرأة التي هي في الأساس أم وصانعة للأجيال ليست بحاجة لأن يتم الاعتراف بها في يوم وتنسى بقية العام.
المرأة التي لا يتحدثون عنها وعن انجازاتها، أو حتى عن معاناتها غنية عن هذا اليوم الذي يختصر وجودها بأربعة وعشرين ساعة! وهل يوجد يوم للاعتراف بالرجل ؟!
المرأة التي يتغنون بها في مواسم الاحتفلات العالمية تضطهد في مزارع الشاي والقطن وهي تمزق أصابعها النحيلة من أجل الشركات الكبرى العابرة للقارات، والمرأة التي يتحدثون عنها لا زالت حتى اللحظة تحاول أن تلم شعث رأسها وخوف أطفالها تحت قصف المدن السورية، أو تلك المرأة التي تنتهك كرامتها في حواري القدس، أو تلك المرأة التي تلملم جوع صغارها في أحياء صعدة وتعز وأبين، أو تلك المرأة التي انسحقت كرامتها بعد تقنين تجارة الجنس، أو تلك التي لا زالت تناضل حتى الآن فقط حتى تحصل على أجرها كاملاً مثل الرجل ! أو تلك التي فقدت أنوثتها مبكراً في دوامات المصانع أو تلك التي تغتال حريتها باسم الدين أو العرف والتقاليد، أو تلك التي يخلع عليها لباس المدنية كشكل قبل أن تحصل على حقها في المعرفة لتقرر أي نوع من المدنية يناسبها...
المرأة التي نحتفل بها ونبتسم لها اليوم خلال الأربعة وعشرين ساعة نطعنها بقية أيام العام ونحن نلوك قضاياها في المؤتمرات وفي الأبحاث والبرامج والاحتفلات وبروتوكولات الامم المتحدة والخطط الوطنية والاقليمية والعالمية.
المرأة فقدت قيمتها منذ أن أصبح تعريفها يرتبط بكلمة (مشكلة) ولم تكن المرأة أبداً مشكلة وإنما المشكلة في عقل المجتمع الذي يتعامل معها كعورة أو كشيء إضافي للزينة، أو مجرد آلة للتصنيع والتطور.
حالياً لا يوجد أي طرف ينصف المرأة، طرف يتعامل معها بتطرف ويدعي أن الدين يأمر بذلك، وطرف يتعامل معها وفق المنطق الاستهلاكي المريض، وفي الحالتين لا تجد المرأة حقها ولا تتمكن من الحصول على مساحة حقيقية تمارس فيه كيانها ووجودها، وبمرور الوقت تصدق أنها بالفعل (مشكلة).
الجميع يتحدث عن مصلحة المرأة، والجميع يتحدث عن ما تريده المرأة وعن ما يصلح لها وما لايصلح لها، من الأسرة وحتى مؤسسات الدولة إلى المؤسسات الإقليمية ومن ثم الدولية الجميع ينظر للمرأة من الخارج، ولم تتمكن المرأة ولا للحظة في التاريخ أن تعبر عن صوتها الحقيقي، ولم تتمكن من الخروج من قوقعة الصورة الذهنية التي رسمت لها، وبهذا بقيت احتياجاتها دائماً وأبداً مقتصرة على النظر من الخارج ولم تنفذ أبداً الى احتياجاتها الحقيقية.
المرأة التي يدافعون عن حقوقها اليوم ويطالبون بحقوقها السياسية والاقتصاية تحتاج أولاً إلى حقوقها التعليمية، فقبل أن تطبق الكوتا ينبغي تأهيل النساء على أن يكن على قدر المسؤولية حينها لن يحتجن لا إلى كوتا ولا غيرها ليثبتن جدارتهن على أرض الواقع، أما الإصلاح الذي ينظر له العالم المتقدم أثبت أكثر من مرة أنه كلمة حق يراد بها باطل، يراد بها أن تواصل الشعوب المتخلفة ركوعها، يراد لهذه للشعوب أن تبقى متخلفة وحتى يتم ذلك ينبغي تجهيل دور المرأة.
في هذا اليوم وفي كل يوم وفي كل أسبوع وفي كل شهر وفي كل عام لا تتوقف المرأة عن معاناتها، ليس المرأة العربية أو المسلمة فقط بل كل نساء العالمين، لأن ثقافة الرأسمالية والليبرالية لم تهدف أبداً لاحترام الإنسان رجلاً كان أو امرأة، ولو قدر للنساء أن يطالبن بشيء في هذا اليوم ربما ستتركز أصواتهن في المطالبة برؤية قضاياهن من الداخل وليس وفق الصور الذهنية الراسخة.
اقراء أيضاً
الذاكرة المترهلة والتدوين