الأشهر المقبلة حبلى بأحداثٍ جسام، قد تضع حملها المخيف على أرض الخليج العربي. "معاهدة السلام" المعلنة من البيت الأبيض بين الإمارات وإسرائيل عمل مخيف. ليس المقصود بالمعاهدة "إحلال السلام"، وإنما أغراض أخرى، سعيا إلى تحقيق غاياتٍ يخطط لتنفيذها ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، في المنطقة. يعد خطة لم تعد سرّية لبناء جيشٍ قويٍّ مدرّبٍ ومجهّز بأحدث أنواع الأسلحة. وللإمارات وحداتٌ عسكريةٌ ميدانيةٌ تعمل في أفغانستان، ووحداتٌ عسكريةٌ مقاتلةٌ مشتبكةٌ في حربٍ حية منذ أكثر من خمس سنين في اليمن، ولها قوات مقاتلة في ليبيا. وهي تشارك عمليا في الحرب الدائرة بين الأكراد وتركيا.
وأحدث صرعة إماراتية إرسال بعض أسراب القوات الجوية إلى المنطقة المضطربة عسكريا في شرق البحر الأبيض المتوسط، للاشتراك في مناورة جوية وبحرية مع فرنسا وإيطاليا واليونان وقبرص، موجّهة بالضرورة ضد تركيا التي تجري، في الوقت ذاته، تدريبات عسكرية بحرية، تشارك مع سفن تركية فيها قوات بحرية من دول حليفة، وذلك ردّا على تلك المناورات. ويوحي هذا كله أن منطقة شرق المتوسط توحي بمواجهاتٍ مسلحةٍ ستكون شرسة، وستمتد آثارها إلى كل منطقة الشرق الأوسط إن وقعت.
(2)
تعمل الإمارات، بقيادة محمد بن زايد، على السيطرة على الممرات التجارية والمضائق المائية، كما فعل البرتغاليون والإنكليز من بعدهم في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، للهيمنة على تلك الممرّات، لتقوية مكانتهم والتحكّم في طرق التجارة العالمية. تلك أيام خلت، وأُخرج البرتغاليون على أسنة الرماح والإنكليز خرجوا مكرهين عام 1971، فهل يعتقد محمد بن زايد أن الأمر سيستتب له، ولو على أسنّة الرماح، وبالتعاون مع العدو الإسرائيلي؟ من أهدافه التي يعمل على تحقيقها، بكل ثقة وقوة، أن يكون الرجل الأول والأقوى في الوطن العربي، فالعراق أخرج من دائرة القوة في المنطقة عام 2003، وكان يُحسب له حساب، ومصر لم تعد فاعلة بعد تولى العسكر السلطة منذ 2013، وسورية العروبة تُنهش أطرافها، وقلبها ينزف دما، ولم تعد لاعبا في الساحة العربية، فإيران وروسيا تسيطران على الأرض والسلطة والموارد في هذا البلد. ويعمل محمد بن زايد على إخراج السعودية من دائرة الضوء الدولية، ويجعلها دولة هامشية في المنطقة، ويعمل على تمزيقها من الداخل بطرائق متعدّدة.
معاهدة الاستسلام المعلنة في 13 الشهر الماضي (أغسطس/ آب) هي، إلى جوانب أخرى، بغرض استقواء الإمارات بها في واشنطن، وكذلك في المنطقة. وتفيد التقارير الموثوق بها بأن القيادة العسكرية الإماراتية اصطحبت خبراء وقيادات عسكرية إسرائيلية إلى جزيرة سقطرى اليمنية في بحر العرب، على تخوم باب المندب، والغرض من تلك الزيارة المهمة وغير القانونية وضع المخططات النهائية لإقامة قواعد عسكرية جوية وبحرية لدولة الإمارات.
وستكون إقامة قاعدة عسكرية إماراتية، بالتعاون مع إسرائيل، في جزيرة سقطرى، أخطر قرار على المنطقة، إذ ستهدد تلك القاعدة أمن الممرات المائية من مضيق هرمز وباب المندب، وبالضرورة قناة السويس، إلى جانب الهيمنة على القرن الأفريقي، ويعد ذلك كله تهديدا للسلم والأمن في هذه المنطقة. إنها خطوة متقدمة في إلحاق الأضرار السياسية والاقتصادية والاستراتيجية بالدولة السعودية، بقيادة محمد بن سلمان. ولن يقبل محمد بن زايد إلا أن يكون الرجل الأول في المنطقة، وأن يكون السعوديون خلفه، وبلدهم الأكبر في الجزيرة العربية.
(3)
أصبح الجنوب اليمني من سقطرى إلى الحديدة، مرورا بكل موانئ اليمن، منطقةً تحت الاحتلال الإماراتي من دون منازع، يُدخل إليها من يشاء من البشر والقوى، ويمنع أهل اليمن عنها، وذلك تحت سمع الدولة السعودية وبصرها، في عهد الملك سلمان وولي عهده، والمملكة هي قائدة التحالف العربي من أجل استعادة الشرعية في اليمن، وتحاول أن تستولي على محافظة المهرة وما جاورها، نصيبها من تقسيم أرض اليمن الذي مزّقته دول التحالف التي ألحقت بالأرض والشعب الدمار والهلاك. وفي الأثناء، لم يترك محمد بن زايد ومحمد بن سلمان لدولتيهما نصيرا ولا حليفا إلا إسرائيل وأميركا.
وقريبا سيأفل نجم الرئيس الأميركي، ترامب، ولو بعد أربع سنوات أخرى، وسيتعرّى المحمدان، ولن يجدا لهما نصيرا إلا إسرائيل التي ستعصف بهما، لأن مصالحها فوق الجميع، والتاريخ مملوء بالعبر والسوابق. تعادي السعودية والإمارات قطر علانية، وعُمان والكويت سرا، وكذلك إيران وتركيا في المحيط العربي. تعاديان ماليزيا وباكستان، ومعظم الدول الغربية ليست راضية عن سلوكهما السياسي، وهما تحت مقصلة منظمات حقوق الإنسان العالمية. تعاديان قيادات الفكر الديني الإسلامي، وأصحاب الرأي منهم، وقادة الفكر القومي العربي. يحقدان أشد الحقد على قطر، شعبا وقيادة، وكذلك الكويت وعُمان، وليس مستبعدا أن يعبثا بأمنهما في مقبل الأيام.
آخر القول: لا يمكن التنبؤ بسلوك المحمدين، بن زايد وبن سلمان، السياسي والعسكري والتآمري، وبما سيفعلان تجاه دول الخليج العربية، فاحذروا كيد الحاقدين.
*نقلا عن العربي الجديد
اقراء أيضاً
حرب مأرب فاتحة نصر أو انكسار
السعوديون والحوثيون ومعارك نجران
الرئيس اليمني ونائبه وخطة الأمم المتحدة