من المتوقع أن حالة كوفيد ١٩ (كورونا) التي اكتشفت في شرق اليمن (حضرموت، الشحر) ليست هي الحالة صفر.
رسميا هي الحالة رقم واحد، فليس بمقدور السلطات هناك الوصول إلى الحالة صفر. المحافظ قال إن العدوى جاءت عن طريق الميناء.
الميناء؟
لنلاحظ أن الكهل المصاب اكتملت لديه الصورة الإكلينيكية. الاشتباه هنا يعني أن الرجل ينتمي إلى ال ٥% الذين يعانون من أعراض شديدة تستدعي إبقاءهم في المستشفى، وهو اشتباه متأخر جدا.
من هو المريض؟ هناك معلومات متضاربة. لنأخذ السيناريو الأسوأ، وهو أن المريض مواطن من حضرموت عائد من الخارج.
أتوقع أن تبادر الجهات المسؤولة إلى احتجاز كل من اتصل به، منذ لحظة وصوله، لمدة أسبوعين. إذا ما افترصنا أنها حالة قادمة من الخارج، وأنها الحالة صفر (لنفترض ذلك)، فبالإمكان حصار البؤرة. قد تصل دائرة الاشتباه إلى المئات، بمن فيهم موظفو الميناء ووسيلة/ وسائل النقل. فضلا عن التمريض، والأطباء الذين اتصلوا به قبل التشخيص.
البؤرة، كما نتوقع، ستكون كبيرة. نحن أمام Super spreader أو ناقل عملاق. مجتمع تقليدي متزاور ومتقارب، رجل قادم من سفر، دائرة انتظار اجتماعية، استرخاء جماعي (ارتكبت السلطات خطأ قاتلا في الأيام الماضية عندما أعلنت الحظر ثم طمأنت الناس وسمحت لهم بالخروج. ما كان لها أن تجري هذه المناورات الخطرة في لحظة كهذه).
لنتذكر:
بدأ الوباء العالمي بحالة.
لنتذكر:
عاد رجل إلى شمال إيطاليا من رحلة تزلج. أحس بحمى وسعال وذهب إلى المشفى فطلب منه الأطباء الاسترخاء في منزله. عاد بعد قليل وقد اشتدت أعراضه. كانت الفحوصات موجبة.
قال للأطباء إنه ذهب في الأيام الماضية مع أصدقائه إلى المقهى، لعب الكرة، زار أقاربه، التقى زملاءه. كان نشطا للغاية، وتكاسلت السلطات في حصار تلك البؤرة التي وصفها الرجل. كان ناقلا عملاقا.
ثم صارت لومباردي مركز الوباء في أوروبا، ثم العالم.
بعد ذلك تزايدت الحالات المرضية، وارتكبت السلطات اليمينية الحاكمة لإقليم لومباردي خطأ مدمرا (حزب الليغا بقيادة سالفيني). اكتفت بالشعارات عن قوة إيطاليا وعن تفاهة الوباء. قررت: إذا كانت الأعراض خفيفة فيجب تحويل المرضى إلى دار للمسنين لحين التحسن. في دار واحدة مات ٧٠ مسنا خلال أيام، فهم الأكثر هشاشة. مارس الليغا ترهيبا على الجميع، وأقيل موظفون احتجوا على سياسة السلطات. غطيت الحقائق لوقت كاف، كان كافيا لتراكم الوباء وخروج الصورة الموحشة التي رأيناها في إيطاليا.
إن الشعبوية وكورونا، الاثنين معا، خلطة قاتلة كما يقول فيلدن كيرشن في تقرير مقلق على دير شبيغل. الحديث المباشر لمحافظ حضرموت حول "الحالة" كان مليئا بالإشارات الشعبوية: نحن أقوى، أكبر، أشجع، سننتصر، وسنفعل، وقالت عنا قناة دولية، إلى آخر تلك الرومانسيات الخارجة عن الموضوع.
تتبع البؤرة، خط سير "الحالة"، منذ اللحظة صفر وعزلها لمدة أسبوعين حتى لو بلغت مئات الأفراد. لا ينبغي التلاعب بحياة الناس من خلال الخطابات الفارغة. هذا الوباء لا علاج له سوى العزل والعزلة.
ثبت عمليا أن الكلمات لا تفعل شيئا.
دعوا صنعاء وشأنها. سلطات حضرموت طالبت رسميا من سلطات صنعاء التزام الشفافية. صنعاء لن تلتزم بالشفافية. الفاشيات لا تحترم الحقيقة ولا تكترث لحياة الناس. قال الناطق الرسمي لوزارة الصحة، لسبوتنيك، إن مطالبة صنعاء بالكشف عن حالات كوفيد ١٩ هي حيلة هدفها إحباط التحشيد إلى الجبهات. استعانت صنعاء، في خداعها، بواحدة من أكثر المؤسسات الدولية فسادا: منظمة الصحة العالمية.
عليكم فقط أن تعرفوا عن تلك المنظمة هذه المعلومة: في العام ٢٠١٧ اختارت هذه المنظمة "موغابي"، أسوأ ديكتاتور في العالم الثالث، سفيرا للنوايا الحسنة. لم يقف الأمر عند ذلك فقد قال تيدروس، رئيس المنظمة، في مؤتمر صحفي إن موغابي أنجز لبلاده وضعا طبيا فريدا يوافق كل المعايير العالمية! يتذكر المنشغلون بقضايا الصحة في العالم تلك الفضيحة! ويتذكرون من حياة موغابي مثالا: كيف يمكن لجنرال مسلح أن يخسف بأمته، ثم يصير سفيرا لأفضل النوايا.
لندع كل ذلك جانبا، ولنعد إلى أول الحديث:
على السلطات في حضرموت حصار البؤرة والوصول إلى أبعد شخص ممكن في دائرة اتصال "الحالة"، وعزلهم جميعا بلا تلكؤ ولا استثناءات.
*من صفحة الكاتب على فيسبوك "العنوان اجتهاد المحرر"
اقراء أيضاً
تفكك اليمن إلى مستعمرات ثلاث
العودة إلى تفاهة الشر
معضلات لا تستطيع القبة الحديدية حلّها