أولويات الإنقاذ الوطني (3)
قبل قليل وقعت عيني على حكمة بالغة الأثر، وجدت أنها تلخص كل ما سيأتي هنا، تقول الحكمة أو القول المأثور: "العقل أغبى من المعدة، لأنه لا يمكنه تقيء السموم"، وبعيدا عن طرح القول السابق للتفكيك والنقد، فإنه يمكننا الاستدلال به على مسؤولية كل فرد منا في تحصين عقله ومنع السموم والشائعات والخداع والأكاذيب والمغالطات والتدليس وتقليب الحقائق وزلزلة الثقة منعها من تلويث عقله، حيث أنها مسؤولية كبيرة وحمل ثقيل وأهم أولوياتنا على مستوى الفرد والمجتمع.
وتتعاظم هذه المسؤولية بتعاظم الوسائل التي تسعى لتحويل عقول البعض إلى "اسفنج" تشرب كل سائل، أكان حلوا أو حامضا، حتى لو كانت مياه نتنة للاسف الشديد، وهنا التحدي الحقيقي لذواتنا في رفع درجة النباهة والتحقق والتحصين المتين وفقه كل الظروف وطبيعة المعركة ونوعية المرحلة التي نعيشها.
كان لا بد من المقدمة السابقة، لخطورة موضوع هذه السطور، ويجب التنبيه إلى أنه لا كاتب هذه السطور ولا غيره يدعي أنه أكثر فهما واعلى وعيا من غيره، ولكنها ككل موضوع يطرحه أي كاتب، محاولة لترميم الفجوة وسد الثغرات والسعي للوصول بالذهنية الجمعية إلى المستوى المطلوب وبالذات في هذا الزمن الصعب.
ولو عدنا إلى اواخر 2016م، وربما هي اللحظة التي أتذكر أنها كانت من أكثر معارك "الواتس" التي حصدت ضحايا كثر ونشرت اشاعات شربتها عقول عديدة، أتذكر أن أحدهم اتصل بي من داخل المجمع في مدينة مأرب يسألني حينها : هل حقا سقطت الفرضة؟!
والمؤسف أن السائل نفسه كان قد عاد لتوه من جبهة نهم وكان ضمن الابطال الذين سيطروا وسطروا أروع وأعظم الملاحم البطولية في تاريخ اليمن على الاطلاق، وعندما عاد إلى بيته انهزم في معركة "الواتس" وشرب إشاعة انتشرت حينها بقوة في اعلام الانقلابيين بأنهم دخلوا مأرب!، كانت تلك الحادثة مثالا استدعيه في مناسبات وأحاديث متنوعة طيلة هذه الفترة.
والسؤال الذي كان يستدعي هذه الحكاية ويغوص بنا في لجج "معارك الواتس" كان يبدأ ويتوسط نقاشاتنا، ويأتي على سبيل الاتهام: ماذا صنع اعلامكم؟!
ومع انني هنا لست بصدد نقاش الأداء الإعلامي ، وقد اتناوله في مقالة لاحقة، إلا أنني كنت أرد على السائل بالآتي:
يوم انتصرت كتائب الجيش الوطني والمقاومة الباسلة آنذاك في اقتحام معسكر الفرضة وتحصيناتها الشامخة والعملاقة كان الاعلام المؤيد للشرعية يرافق الجيش خطوة خطوة، ونشر عشرات التقارير ومقاطع الفيديو والبث المباشر ومئات الصور والأخبار والمقالات والمنشورات حول هذا الانتصار العظيم، ومع ذلك انهزمت العقول "الاسفنجية" من منشور واحد في "جبهة الواتس اب" وكان من الصعوبة بمكان تقيء ذلك السم من تلك العقول، مع أن التغطية المرافقة لهذا الانتصار العظيم أسطورية وفوق المستوى، فهل الخلل هنا في ثقتكم بالإعلام الموالي للجيش الوطني أم أنه ناتج عن خلل فيما يوصف ب" النفسية الانهزامية" التي سرعان ما تشرب سموم الواتس وتضطرب وتهتز مع اول ريح هبوب!
ذوي النفوس الانهزامية كثيرا ما يتعبوننا هذه الأيام بالذات، ينقل لنا ما يتناوله اعلام مليشيا الانقلاب على شكل منشور في الواتس، منشور حاف مجهول المصدر، ويطلب منا تطمينه، نبعث له بالاخبار فيطالبنا بالصور، نرسل له الصور مع تاريخ التقاطها مع مقاطع فيديوهات فيقول يا منعاه لا تهولوا؟!، وانت تنقل له فقط الحقيقة ليس الا!
غريب يا صاحبي، نقلت لنا منشور في الواتس ولم تطلب من الجهة التي هزمتك لا دليل ولا صورة ولا فيديو ولا حتى قلبت الأسئلة في ذهنك، ولا حاولت تتوقف مع الإشاعة وتعيد قراءتها ولو فعلت لاكتشفت في صياغتها الف ثغرة تقول لك أن عقلك يجب أن يبتعد عن شرب السموم لأن المعدة ربما أذكى من العقول فهي تتقيء السم فور تناوله، بينما قد تنكسر همة مهزوم في معركة الواتس ولا حقيقة لما حدث.
العتب اليوم يجب أن نسجله على جمهور إعلامنا الكريم، ونحن نسعى بكل جهد ونتغلب على كل الصعوبات وربما نكسر المستحيل لننقل لك خبرا حقيقيا من منطلق مسؤوليتنا نحوك وواجبنا الوطني والأخلاقي والمهني وتجد أحدهم قد اخترق عقله منشور واتس كتبه مرجف فيرمي كل جهود الزملاء المثابرين ويضع نتاج ما يكتبون بمسؤولية وامانه وضمير، يضعه مثار جدل ونقاش وتشكيك ويقارنه بإعلام مضاد يهدف إلى فت عضدكم وبث الرعب في نفوسكم، وهذا ظلم بالغ وخذلان مؤسف لأنفسنا ولابطال المهنة الإعلامية ورواد معركة الصورة والكلمة والحرف.
نحن نمر بمعركة خطيرة للغاية، وكلنا اكتوينا بنار الانقلاب وهدفنا جميعا اليوم الانتصار في هذا الظرف الوطني الحساس، والنصر يأتي استحقاق لمن يريد أن ينتصر، وإرادة النصر تتطلب تحصين العقول، والثقة بجبهة الإعلام الذي هو شريكنا في معركة استعادة الدولة والدفاع عن الوطن والهوية والذات اليمنية.
وكما بدأنا المقالة بحكمة مهمة لا ضير أن نعيد التذكير بها وهي ملخص مهم ومقتضب لكل ما مضى، "فالمعدة (قد تكون) أذكى من العقل لأنها تتقيء السموم".
كونوا بألف خير.
اقراء أيضاً
ماذا فعلت حماس؟
حينما يغسل "الطوفان" ندمك!
سووا صفوفكم.. إنه سبتمبر المجيد!