صرّح وزيرا الخارجية والدفاع (السابق) الأميركيان، مايك بومبيو وجيمس ماتيس، في العام الماضي، عن ضرورة إنهاء الحرب في اليمن، وكان ماتيس حادّاً، حين قال إن الأطراف يجب أن تتوقف عن إطلاق النار فوراً، وإن مباحثات سلام يجب أن تبدأ خلال شهر. مضت سنة كاملة فيما أطراف كثيرة مسلحة في اليمن ما زالت تطلق النار، واستمرّت أميركا بتزويد الطائرات السعودية بالوقود، وبإحداثيات خاصة لإلقاء القنابل، واتخذت المعركة أشكالاً جديدة باستعادة إرث التقسيم اليمني، وتشكّلت مليشيات جديدة، وظهر كفلاء جدد، وانتشرت المعارك في اليمن شمالاً جنوباً.
يمكن أن يكون اهتمام الوزيرين الأميركيين وحدّتهما تجاه الأوضاع اليمينة في ذلك الوقت جاء في سياق مقتل الصحافي جمال خاشقجي، فقد بدت تلك التصريحات كأنها مقايضة إعلامية للاستهلاك في الداخل الأميركي خصوصاً، فماتيس كان يتحدّث، في منتدى محلي في واشنطن. ولكن ما جرى في اليمن هو تحوّل "التحالف" العربي الذي دخل لإعادة السلطة الشرعية إلى تناقضات داخل التحالف نفسه، فأصبحت أرض اليمن ميداناً للحوار العنيف بين أطراف النزاع.
عندما نشبت حرب العراق في العام 2003، أوكِل أمر الجنوب العراقي، ومنطقة البصرة تحديداً، إلى القوات البريطانية ضمن تحالفٍ أكبر تقوده الولايات المتحدة، وعلى غرار هذا التحالف الذي أطاح صدام حسين والعراق كله، أوكل أمر الجنوب اليمني إلى القوات الإماراتية، فيما كان الوجود الرئيسي للقوات السعودية في الشمال، وكأن قادة القوات الإماراتية يكتشفون أول مرة أن الجنوب اليمني كان دولة مستقلة حتى العام 1990، وما زال كثيرون من أبناء الجنوب يشعرون بالغبن من معاهدة الوحدة التي عُقدت على عجل، نتيجةً جانبيةً لانهيار الاتحاد السوفياتي.
وكمن وجد كنزاً عملت الإمارات بشكل منفرد، بعيداً عن عين الأخ الأكبر في التحالف، وبعيداً عن أهداف التحالف، أنشأت قيادة القوات الإماراتية مناطق نفوذ قوية في الجنوب، مستغلة مشاعر الغبن والشعور بالتفرّد الذي يحس به أبناء اليمن الجنوبيون، فتشكلت مليشيات محلية تابعة لها، تنفذ أوامرها، وتعمل بخلاف الحكومة التي يدعمها التحالف علناً، وهي حكومة عبد ربه منصور هادي، فنشب تحت الطاولات صراعٌ لاهب بين قطبي التحالف، كانت آخر محاولات إطفائه في زيارة ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، إلى السعودية في الثاني عشر من أغسطس/ آب الماضي.
لم تنفع محاولات الإعلام بإخفاء الخلاف، فالعمل الذي تقوم به الإمارات بدأب، وبشكل منفصل، في الجنوب، لتجد لها موطئ قدم على مضيق باب المندب الذي يمكن أن يشكل لها منفذاً بعيداً عن عواصف الخليج، يقابله عملٌ أكثر دأباً ومنفصلٌ أيضاً في الشمال، تقوم به السعودية، وهي راغبةٌ، في المقام الأول، بتأمين حدودها الجنوبية، ووقف سيل الطائرات المسيّرة التي يطلقها الحوثيون. لا يؤثر هذا التناقض والعمل المنفصل على الإنجازات النهائية للتحالف فحسب، ولكنه يؤثر أيضاً على العلاقة بين البلدين، وعلى حملةٍ أكبر تشترك فيها الولايات المتحدة بشكل رئيس مع هذين البلدين، موجهةٍ ضد إيران في الخليج.
اندلعت الحلقة الأخيرة من هذا الصراع الخفي منذ السابع من أغسطس/ آب الماضي، في معارك بين قوات هادي والانفصاليين الجنوبيين في عدن، المدينة الساحلية والحيوية بالنسبة للقيادة الإماراتية. دخلت القوات الانفصالية المدينة، وسيطرت على أهم نقاطها، وما لبثت أن خرجت من بعضها بموجب اتفاقاتٍ عقدت على عجل، وتعرّضت قوات هادي لقصف جوي أوقع قتلى في أمكنة أخرى من اليمن.
لا تستطيع الإمارات التخلّي عن مدينة عدن، فهي عصب خطتها في السيطرة على السواحل اليمنية المحاذية لخليج عدن، وهي المدخل الطبيعي والوحيد إلى مضيق باب المندب، حيث ممر البحر الأحمر الآمن. وإذا أصرت قوات هادي على السيطرة على عدن، فإن فترات الصراع قد تأخذ أشكالاً عديدة، ومنافسة الحليفين ستتحوّل إلى صراع مكشوف.
*العربي الجديد
اقراء أيضاً