قبل فترة وقف الشاعر الإيراني المعاصر مصطفى بادكوبه اي في أمسية شعرية نظمتها هيئة تتبع الحكومة الإسلامية في إيران، وأخذ يلقي قصيدته «إله العرب»، التي صفق الجمهور طويلاً لكل مقطع فيها يهاجم العرب والإسلام.
يقول الشاعر في أحد مقاطع القصيدة: «خذني إلى أسفل السافلين أيها الإله العربي شريطة ألا أجد عربياً هناك». ثم يكمل الشاعر بالسخرية من القرآن بالمقطع: «أنا لست بحاجة لِجَنَّة الفردوس لأني وليد الحب، فجنة حور العين والغلمان هدية للعرب».
كثير من المواقع العربية تناقلت القصيدة أو مقاطع منها باستنكار، خاصة أن تلك النظرة العنصرية تصدر من قامة ثقافية في حجم مصطفى بادكوبه اي، ومن على أحد المنابر التابعة للحكومة الإسلامية. والواقع أن ما قاله الشاعر الحديث ليس إلا ترجيعاً لآلاف القصائد والمقطوعات الأدبية والمؤلفات والكتب، التي كتبها شعراء ومؤلفون فرس، وكلها تصب في دائرة العداء الشديد للعرب، لغة وعرقاً وديناً وثقافة وطريقة حياة.
وعند العودة إلى الجذور الثقافية والتاريخية لمثل الشاعر بادكوبه سنقف على كم مهول من التراث الإيراني (الفارسي) المليء بالعداء والحقد والكراهية للعرب.
ويمثل كتاب «شاهنامه»، قمة ما وصل إليه الأداء الثقافي الفارسي في حربه الشعواء على العرب، والثقافة واللغة العربية والإسلام كذلك. ذلك أن ملحمة «شاهنامه» تنتهي مع الفتح الإسلامي لبلاد فارس، وهو الأمر الذي حفر حفرة لم تردم حتى اليوم في الوجدان الفارسي، على الرغم من دخول بلاد فارس في الإسلام، وقد سجل الفردوسي بكائيات الفرس على ضياع ملكهم، بشكل لا يتطابق مع ما هو ظاهر من تحول إيران إلى الإسلام.
ومن الأشعار العدائية التي تطفح بالكراهية ضد العرب، ما أورده الفردوسي في «شاهنامة» من أبيات تقول: «العرب شراب لبن الإبل وأكَلَة الضَّباب، بَلَغَ بهم الأمرُ أن يطمعوا في تاجِ المُلك، تبَّاً لك أيها الزمن، وسحقاً». وقد جاءت ملحمة الفرس «شاهنامه» لتستعيد الكتابة باللغة الفارسية، مع محاولات الفرس زمن الفردوسي التخلص من الثقافة العربية الإسلامية، التي انتشرت في إيران منذ وقت مبكر لدخول الإسلام هناك.
ولا تعدو صورة العربي في الأدب والكتابات الفارسية القديمة في إيران كونه «خشناً، بدوياً يشرب لبن الناقة، ويأكل الضَّب»، وغير تلك من الصفات العنصرية. يقول الشاعر الرحالة الفارسي ناصر خسرو في «سفر نامة» عن العرب الذين يسميهم «البدو» إنهم «لا دين لهم، ومنهم أناس لم يمسهم الماء لمدة سنة، ولم أكن أستطيع أن أشرب اللبن الذي كانوا يقدمونه إليَّ كلما طلبت ماء لأشرب»، ويسخر بأنهم «لم يروا الحمامات».
ولقد كانت «الشعوبية» – قديماً – إحدى الوسائل الثقافية التي سعى عن طريقها الفرس إلى النيل من العرب بالسخرية، والطعن في ثقافتهم ولغتهم، والنيل من الإسلام على اعتبار أنه «دين العرب»، على حد تعبير بادكوبه في المقطع المذكور أعلاه، وهو ترجيع لكلام الشاعر الفارسي في العصر العباسي مهيار الديلمي.
وكعادة الإيرانيين في تغطية أهدافهم الحقيقية من إنشاء الحركات التي تخدمهم داخل المجتمعات العربية، فإنهم يجعلون شعار هذه الحركات شعاراً إنسانياً براقاً لتغطية الأهداف الحقيقية لها. وقد رفعت الشعوبية شعار «المساواة» بين الفرس والعرب، انطلاقاً من مبادئ الإسلام.
وهذا مبدأ لا يمكن لمسلم أن يناوئه أو يرفضه، غير أن هذه الحركة كما هو معروف من تاريخها كانت تتخذ هذا الشعار لتغطي به كمَّاً هائلاً من الحقد والكراهية والعداء للعرب، والتخطيط الثقافي لتدمير معتقداتهم الدينية الإسلامية، وإحياء معتقدات فارسية قديمة كالعودة إلى المزدكية والمجوسية، في حركة امتدت على مدى فترات طويلة في العصر العباسي لتعرف تاريخياً باسم «الزندقة».
وقد أنتجت الحركة الشعوبية عدداً من الأدباء والكتاب والشعراء ألفوا العديد من المؤلفات والأشعار للنيل من العرب. فعلى المستوى الأدبي كان أبو نواس يقود حركة قوية للنيل من طريقة الشعراء العرب في الوقوف على الأطلال، وكان ينال من العرب الباكين على الخرائب والدِمَن، والذين يسكنون بيوت الشَّعر، ويشربون ألبان الإبل. وهي الصور التي لا تزال تتردد لدى كثير من الشعراء والكتاب والصحافيين الإيرانيين في كتاباتهم اليوم عن العرب المعاصرين.
وعلى الرغم من أن الإسلام هو الدين الرسمي للدولة الإيرانية، وعلى الرغم من أن النظام الحالي في إيران يرفع شعارات إسلامية، إلا أن اسم فاتح بلاد إيران – وهو عمر بن الخطاب – من الأسماء المحظورة اليوم هناك، فهناك رزنامة للأسماء التي يمكن للآباء أن يختاروا منها أسماء أولادهم، حيث يمنع تماماً إطلاق اسم عمر على المواليد الذكور في إيران، رغم أن عمر هو فاتح البلاد للإسلام.
وأكثر من ذلك يقول ميرزا حسن الحائري، أحد كبار فقهاء «التشيع الصفوي» الإيراني عن العرب الفاتحين الذي أوصلوا الإسلام إلى إيران إنهم «أعراب بدائيون، أوباش خشنون، عباد شهوات، وعطاشى إلى عفة الفارسيات، ألحقوا الدمار بالمدن الجميلة والأراضي العامرة».
والأجيال الإيرانية – اليوم – لا تدرس في المناهج الدراسية في إيران كيف وصل الإسلام إلى إيران بالتفاصيل، لأن ذلك سيجعل هذه المناهج تتطرق لحقيقة أن الإسلام وصل البلاد على يد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، وهو ما لا يريد له النظام الإسلامي في طهران أن يترسخ لدى أجيال «الثورة الثقافية»، تلك الثورة التي يمكن أن تكون هي النسخة المنقحة من الحركة الشعوبية القديمة، التي تريد إنتاج «نسخة إسلامية» معادية للعرب، تتكئ على التراث القومي الفارسي أكثر من اتكائها على البعد الديني الإسلامي.
وقد تفتق «المخيال الفارسي» في هذه الزاوية عن حيلة مهمة للتوفيق بين التناقض الحاصل بين «مظاهر حب الإسلام»، و «كراهية حملته»، هذه الحيلة تقوم على أساس أن الإسلام وصل إلى إيران عن طريق «البدو (العرب) الذين كانوا يشكلون أكثرية جيش المسلمين، ولهذا السبب كانوا يوصلون الدين بشكل ناقص إلى البلاد المفتوحة».
من هنا يأتي التبرير لحقيقة الإضافات التي أدخلها «التشيع القومي الفارسي»، لإنتاج نسخة إسلامية قومية فارسية»، يكون في الصلب من معتقداتها العداء للعرب، الذين هم أصل الإسلام، وحملة رسالته الأولون.
ونحن اليوم ندرس الهجمة الإيرانية الشرسة على بلادنا ومجتمعاتنا العربية، علينا أن ندرك أن الهجمة المعاصرة ما هي إلا ترجيع تاريخي لهجمات سابقة ثقافية وعسكرية وشعوبية ضد العرب على مدار التاريخ. فما تقوم به ما تسمى بـ»الثورة الثقافية» الإسلامية، هو عين ما قامت به «الشعوبية» في العصر العباسي».
وشعار «الوحدة الإسلامية» الذي يرفعه نظام «الولي الفقيه « في طهران – اليوم – هو شعار «المساواة الإسلامية» نفسه الذي رفعه الشعوبيون قديماً.
وما قاله الفردوسي وناصر خسرو عن العرب قديما من أنهم «شراب ألبان الإبل» يردده الإيرانيون ووكلاؤهم الشعوبيون الجدد اليوم بالقول إنهم العرب «شراب بول البعير»، وما تقوم به جماعات مثل «حزب الله، وأنصار الله، وثأر الله»، من قتل للجسد العربي من داخله، هو عين الدور الذي قام به أبو لؤلؤة من اختراق عظيم للمسلمين من داخلهم، عندما طعن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب وهو قائم يصلي في المحراب.
كل تلك المتواليات التاريخية التي تظهر العداء للعرب، إنما تغطي على العداء الحقيقي للإسلام الذي يرى فيه القوميون الإيرانيون العامل الوحيد الذي أدى إلى غروب شمس حضارة فارس القديمة.
«لعلكم تذكرون»
*القدس العربي
اقراء أيضاً
بين الموت الثقافي والموت الحقيقي