1. النهاية المأساوية لحياة مرسي، رئيس مصر السابق، تعطينا صورة قاتمة عن نظام العدالة، نظام السياسة، ونظام الصحة في مصر. إن دولة ضربت في أنظمتها الثلاثة هذه هي دولة على الحافة.
2. وصفت الإيكونوميست سنواته في السجن بالمصير الكافكاوي، حيث يخرج الشخص من محاكمة ويدخل في أخرى، في كل يوم قصة، وفي كل قصة فوضى. تذكر الإيكونوميست قراءها: لقد مثل الرئيس مرارا أمام الحكمة بتهمة سرقته للأبقار والماشية في فترة رئاسته.
3. هناك الرئيس المنتخب مرسي، وهناك القائد الإخواني مرسي. فتك الجيش المصري بالديموقراطية أولا، ثم بالرئيس المنتخب ديموقراطيا. الموقف من هذه المسألة منفصل عن الموقف من جماعة الإخوان المسلمين. عندما دفعت الجماعة بمرسي للرئاسة، بإمكاناته المحدودة وكارزميته المتواضعة، كان واضحا أن الجماعة تنظر إلى منصب الرئاسة باستخفاف، وربما اعتبرته مجرد دائرة وظيفية في حوزة المرشد، كما يجري في إيران. وحتى الإطاحة بالرجل كانت أحاديث المرشد وخطاباته الأسبوعية هي التي تؤخذ على محمل الجد لا خطابات مرسي.
4. حصل مرسي على أغلبية ضئيلة، 1%. بعد وقت قصير تبين التالي: انهيار تلك الأغلبية من خلال تبدل مواقف شرائح وفئات كثيرة إلى النقيض. كما تبين للإخوان أنهم وقعوا في فخ كبير. في تلك اللحظة كان موقف القوى المدنية، وقد انشرخ المجتمع المصري على نحو غير مسبوق، هو الدعوة لانتخابات مبكرة.
كانت تلك الدعوة مخرجا ديموقراطيا، فقد حدث مرات بلا عدد أن استقال نظام ديموقراطي قبل انتهاء فترته بسبب اضطرابات داخلية أو تغير المزاج العام. هنا شاهدنا الطبيعة الدينية المحضة لجماعة قدمت نفسها بوصفها سياسية، فقد رفضت كل تلك الدعوات وتعاملت مع "التصويت" كما لو أنه بيعة لا رجعة فيها.
ومع الانتخابات المبكرة بوصفها دعوة إلى الفرار من الزحف، قد تعرض فاعلها إلى غضب الله. قال مرسي مرارا إنه سيقدم عنقه دفاعا عن الشرعية، في حين كانت المقترحات تذهب إلى انتخابات مبكرة قد تفضي إلى تشكيل نظام حكم ائتلافي، وربما إلى عودته كرئيس. ما من شيء استدعى الحديث عن (العنق) فالانتخابات المبكرة هي أيضا ممارسة ديموقراطية وفي صميم المشروعيات السياسية. لم يكن مرسي هو الشرعية، بل نظام المؤسسات نفسه.
لو أنه تخلى عن الوظيفة الأهم وأعادها إلى المؤسسات لكان قد جنب الديموقراطية ذاك المصير المشؤوم. إن ما كان يهم هو تفعيل دولة القانون من خلال البرلمان بحيث تصبح المؤسسة قادرة على حماية نفسها، بصرف النظر عن عقل النظام الحاكم. الجماعة الدينية لا تفهم الديموقراطية على ذلك النحو. هنا كانت الأزمة، وبدا واضحا أن الرجل وجماعته يخاطرون بأكبر ديموقراطية عربية آنذاك، ومن خلفهم يخاطرون بكل الربيع العربي، وقد رأينا الآلات.
5. مات مرسي مظلوما، فلم يكن هو الرئيس الوحيد منخفض الذكاء وفقير الكاريزما. فقد كان بوش الإبن أسوأ منه، وهناك أمثلة كثيرة لرؤساء بلا عقل صعدوا ديموقراطيا. غير أن استقرار دولة القانون في تلك البلدان حال دون أن تذهب الدولة إلى الهاوية.
6. من المؤكد أن نظام مرسي مسؤول على نحو مباشر وغير مباشر عن المأساة اليمنية. فابنهيار الديموقراطية المصرية انهارت الدولة في اليمن، وقديما قيل إن أعراض الحمى في مصر سرعان ما تضرب عظام أهل اليمن. ها هو الرئيس مرسي يموت مظلوما، ونحن نتساءل عن كيف وصل إلى هذا المصير.
ينفجر الإخوان غضبا إذا قلت إن الرجل جنت عليه جماعته وأوقعته سذاجته. يقولون من العيب أن تدلي بهذا الشرح السياسي أمام جثة رجل ميت. لكنهم في الوقت نفسه يسوقون ارتالا من الحديث في السياسة، عن المجرمين والمتآمرين والفاعلين، ولا يعتبرون مثل هذا الحديث السياسي وقاحة أمام جلال الموت! الوقاحة والخسة محصورة فقط في القول إن الجماعة هي من حفرت مصير الرجل، كما فعلت مع مصيرها ومصير الديموقراطية. نصف الحديث في السياسة عيب، ونصفه واجب! لن يتعلم الإخوان المسلمون من الأيام في الوقت القريب.
7. قليلون شمتوا من موت مرسي. الإخوان يدخلون كل ملاحظة في خانة الشماتة. حصلوا على قميص مليء بالدم يريدون استخدامه. العالم يتحدث عن موت الرئيس، وهم يتحدثون عن موت حافظ القرآن. الصحف الناطقة بالألمانية والإنجليزية تتحدث عن موت أول وآخر رئيس ديموقراطي لمصر، بينما يتحدث الإخوان عن (الشهيد مرسي)، يتعاطف العالم مع الشعب المصري في هذه اللحظة فقد كشف موت مرسي المأزق التاريخي الذي انحشر فيه شعب مصر بأجمعه، أما الإخوان ففي واد آخر: يهيمون في بكاء البطل.
لم يمت مرسي وهو يدافع عن الديموقراطية بل مات لأنه انتخب ديموقراطيا. المسافة بين الأمرين واسعة. كان يدافع عن شكل للديموقراطية تخيله من تجربته الدينية ودفعه لمصادمة كل الناس، ديموقراطية ينزلق فيها الرجل مباشرة للحديث عن قطع العنق!
رحم الله مرسي، العربي المسكين.
*من صفحة الكاتب على فيسبوك "العنوان اجتهاد المحرر"
اقراء أيضاً
تفكك اليمن إلى مستعمرات ثلاث
العودة إلى تفاهة الشر
معضلات لا تستطيع القبة الحديدية حلّها