من المألوف عربيا وإسلاميا تفاوت أول أيام صيام رمضان وأول أيام الفطر مهما أثير الجدل حولها..
ينسحب الأمر على الدول التي تشهد انقسامات داخلية تبعا للحروب أو التي توجد بها جماعات وأقليات دينية لها رؤيتها الخاصة لتلك المناسبات..
ليست المرة الأولى التي يتفاوت فيها موعد العيد في رمضان في اليمن..
من لديه أصدقاء من الاسماعيليين سيدرك أنهم يصومون ويفطرون بتقويمهم الخاص الذي يعمم على أبناء الطائفة بهدوء دون أن يستفزوا أحدا او يمنعهم أحد..
كذلك الحال في بعض الدول العربية التي لديها أقليات من مذاهب مختلفة..
لكن الأمر مختلف بالنسبة لميليشيات الحوثي المراهقة..
فبعدما تعقلنت -او بالاصح لم تهتم- قبل عامين او عام تقريبا لتعلن أنه من شاء فليفطر ومن شاء فليصم أصرت هذه المرة على اختبار سلطتها وسطوتها وتأثيرها على الناس دينيا..
وفيما أعلنت السلطات الشرعية بيانا مهزوزا بخصوص رؤية الهلال من منطقة ساحلية لا تعرف أين هي، لكنها ألقت به ومضت بثقة لا تدري من سيفطر ومن سيصوم ولا يعنيها الامر في شيء او هكذا اعتقد انها تصرفت كدولة.
لكن الامر مختلف بالنسبة لميليشيا طائفية انقضت على السلطة لحظة سذاجة من أغلب الخلق الذين ثاروا ضدها لاحقا.
لم يكن الأمر بالنسبة لها مجرد إعلان للجهات المعنية أيا كانت بل قامرت لتعتبره مرسوما مقدسا يعتد به لقياس مسألة التزام وطاعة للأخ الأكبر،الذي تحدث عنه جورج اورويل في رواية 1984، إذ العلاقة بينها وبين المحكومين المستكينين بسطوة الإرهاب في مناطق سيطرتها محكومة بالشك والريبة وانعدام الثقة المتبادلة.
تدرك أنها أن تركت الأمر للناس وشأنهم ليقرروا كما فعلت سابقا لخالف الغالبية وبسخرية عارمة بياناتها التي قد تكون طبيعية لولا سعيها المألوف لإمضائها بنزعة طائفية واستعلائية وقحة بقوة السلاح والإرهاب.
لاحق مرتزقة الجماعة الدنيئة "عباد الله" في كثير من المحافظات والارياف الخاضعة لسيطرتها وهددوهم واعتقلوهم في أمر لا يعنيهم شيئا اذ هو بين الناس وخالقهم ودولتهم - التي لا يمثلونها قطعا مهما حاولوا فرض أنفسهم بالقوة-، ولا علاقة للجماعة بمستوى الالتزام به بدليل موقفها السابق من ذات الأمر.
حمل الحوثيون الأمر أكثر مما يحتمل واعتبروه استفتاء على شعبيتهم ومدى قبول الناس بهم وسعوا لإثباته بالإرهاب، إذ حاولوا منع مظاهر العيد بالقوة وهددوا وتوعدوا ونشروا أوباشهم لحصر المفطرين ولابسي ثياب العيد والمحتفلين والمصلين.
لكنهم رغم ذلك لم يستطيعوا إرهاب الناس في عدد من المناطق التي جاهرت وصدحتة بتكبيرات العيد رغما عن إرهاب أذناب الميليشيا الهوجاء.
في معظم المناطق أفطر غالبية اليمنيين في بيوتهم دون مجاهرة حذرا من استفزاز الجماعة البربرية وإرهابها.
وفيما ارادها الحوثي علامة على قبول فتواه وموقفه في الجانب الديني تفاجأ بأن الناس يخالفونه في معظم مناطق سيطرته بما فيها بعض معاقله المفترضة في شأن ظنه مضمونا إذ لا عبء فيه ولا كلفة سوى تطبيق فتوى بصيام يوم ملحق ب29 أخرى مضت..
أرادها الحوثي متاجرة واستغلالا رخيصا واستعراضا زائفا لشعبية مدفوعة بالارهاب - وفي مناسبة دينية عظيمة لم يعرف اليمنيون هذا الانقسام المقيت حولها منذ عقود سواء أخطأ المعنيون بتقديرها أو أصابوا- ليعوض انعدام ثقة طافحة في إدارة شؤون العباد والبلاد والعلاقة مع الناس وبسلطة الإرهاب لا الدولة.
لكن النتيجة كانت عكسية..
ما بات معلوما بالضرورة وأدركه الحوثيون يقينا - رغم أنهم سيتغاضون ويعوضون الحقيقة بالإرهاب والزيف والهراء المألوف- أن اليمنيين في مناطق سيطرتهم لا يثقون بهذه الجماعة الطائفية لا على أمور دنيا ولا على دين.
هذا ما اثبتته تجاربهم المدفوعة بالإرهاب والعربدة الهمجية..
بقي عليهم إن كانوا يمتلكون بعض الثقة والقوة بالجماعة و"الأخ الأكبر" حقا أن يجربوا حظهم بالديمقراطية والاحترام لنتأكد فقط من مدى التزام القطيع المسلم الهتاف بالموت واللعنة باعتبارهم أكثر المدركين للإرهاب الحوثي والخائفين منه.
كل عام واليمنيون بخير.
كل عام واليمنيون المعيدون والمفطرون سرا وجهرا في مناطق سلطة ميليشيات الحوثي بخير عشر مرات بقدر عظمة موقفهم وإن كان في حدود أضعف الإيمان..
وتهانينا للصائمين لله هناك أيضا ومبارك إفطارهم المؤجل..
تهانينا للجميع..
*من صفحة الكاتب على الفيسبوك
اقراء أيضاً
أيام في معتقل "الصالح"