بعض البشر تخونهم تركيباتهم النفسية والفكرية أمام الأحداث والمستجدات المتسارعة على الساحة، والتي يتوحد فيها هدف الجميع بمقاومة الطغاة ودحر المعتدين.
فتجدهم يتعاملون معها وفقا لإجابات أسئلةٍ أعدوها مسبقا ! تتعلق بالانتماء والجغرافية , أو بالمنهجية والمرجعية.
أسئلة كان من الأولى عدم الالتفات إليها ، مادام خطر العدو وشره يعم الجميع.
ولكنهم ـ للأسف ـ يبنون على تلك الإجابات موقفهم من الحدث . فيتحكم تعصب الهوى في أقوالهم وكتاباتهم ! دعما ومدحا وتأييدا، أو ذما وسخرية وخذلانا.
وكان عليهم ـ إنسانيا وأخلاقيا ـ أن ينزعوا كل عوامل التشاكس الكامنة في نفوسهم , وأن يقفوا مناصرين عظمة الموقف وسمو الهدف، دون النظر إلى مرجعية من يحققه، أو انتماء من يعاني من أجله.
ففي اليمن أمام أحداث مدنية وعسكرية يتعلق بها تحقق خير وحرية للوطن والمواطن ، كان يكفي بعض المشوهين عقليا ونفسيا أن يعلموا فقط أن تجمع الإصلاح هو من يقف وراء هذه المنجزات، حتى يبادروا لمزا وسخرية إلى تحجيم دورهم وتشويه مقاصدهم . حسدا من عند أنفسهم , دون أدنى تدبر في ما يلحق الوطن والشعب من دمار وقهر وهوان.
وفي مصر تعجب حين تجد بعض أبنائها من المسلمين والأقباط فرحين بما لحق جماعة الإخوان من سجن وإقصاء، بينما يعاني الشعب وضعا سيئا للغاية . واتضح لهم جليا اليوم أن السيسي قد أورد مصر وشعبها تدنيا في كل مجال.
ومع ذلك يرددون أراجيف أهل الإفك : " ياعم كده أحسن بكثير من اللي كان حيحصل ! دا الإخوان كانوا حيجيبوا عاليها واطيها".
بعض البشر ! ليتهم يتحلون بشيء يسير من شهامة أعراب الجاهلية، كي يعوضوا ما عدِموه من مكارم أخلاق المسلمين .
فالعرب في الجاهلية أمام الخطر الماحق الذي يهدد مجتمعهم وتاريخهم ، يسارعون إلى التناصر والنجدة فيما بينهم ، فتراهم ينبذون بإخلاص وتجرد كل عوامل الفرقة ودواعي الانتقام ، التي فرضتها عليهم أحداث وفتن جرت بينهم من قبل.
فهاهم كفار بني هاشم يشاركون مسلمي قومهم الحصار المفروض عليهم من كفار قريش، واليوم يخذل بعض المسلمين إخوانهم الذين يصدون المعتدين أو يضطهدهم الطغاة ،ولا ينصرونهم حتى بكلمة طيبة !.
وهاهي قبائل العرب يوم ذي قار قد تناست ما بينها البين من قتال وخلاف ، فتوافدت رجالا وركبانا لتشارك خصمها بالأمس ( بني شيبان ) في الدفاع عن الكرامة والعزة.
حتى أن أسرى قبائل العرب لدى بني شيبان طلبوا من سجانيهم أن يمنحوهم شرف القتال في صفهم.
وكل ذلك من أجل وديعة ( مال وسلاح ) أستودعها النعمان إياهم , وجاء كسرى يطلبها ظلما وعدوانا . فكان النصر لهم.
واليوم ما بال أحرار ـ غير مسجونين ـ لا ينصرون إخوانا لهم ـ ليسوا بسجانين ـ ولو بأضعف الإيمان . وما بال تكتلات سياسية وشعبية وقبلية، ومنظمات حقوقية وإنسانية وإعلامية , تقف موقف العدو أو المتفرج السلبي ، أمام جراح أمة تسعى بهمة وصبر من أجل حرية وطن وكرامة إنسان وعزة رسالة , وليس من أجل غاية شخصية أو منفعة خاصة.
متى سيتغلب هؤلاء على حاجة في أنفسهم ، ويظنون أنهم بغير التثبيط والخذلان ! لن يدركوها. عليهم أن يظنوا بأنفسهم خيرا , وليسعوا بكل إخلاص ووفاء ، نحو بناء وطن يسع الجميع بعدل وإخاء، دون إقصاء ودون تأثر بعصبية الانتماء.
اقراء أيضاً
بصراحة.. مع انتقالي صريح
الجنوب العربي.. حرية وانفصال؟ أم تبعية واستئصال؟
الإمارات بين روح ( الأباء ) وجسد ( الأبناء )