كنت في جامعة صنعاء طالباً، وكان لي زملاء وأصدقاء من صعده، كانوا نماذج في الشهامة والكرم والصداقة الرائعة، همدان بن زيد وخولان بن عامر قبائل عربية خالصة، ومن المعيب أن ينظر إليها من خلال منظور الصراع مع الحوثيين.
لا تنسوا أن أكثر من قاوم الحوثيين هم أهل صعده، لكن الخذلان الذي كانت تتعرض له بعد توقيع أية هدنة خلال الحروب الست، جعل الكثير من أبنائها يقبل بالأمر الواقع.
تذكروا جيداً: أهل صعدة وصنعاء ليسوا فرساً، ولا مجوساً، الآيديولوجيا تحاول أن تعيد إنتاجهم على هذه الصورة، وستفشل.
أهل تعز – كذلك- بسطاء كرماء، أهل حس وشعور وكفاح في الحياة، أهل تعز أهل إبداع وفنون ومعارف، هذه صورتهم الحقيقية. ما يوصفون به اليوم من أوصاف تكفيرية وداعشية ليس الحقيقة، ليس الأصل، ليس الجوهر. هذه هي الصورة التي أراد مخرج "فلم الرعب" أن ينتجها ليستمر الفلم.
الشأن ذاته يمكن أن يقال عن مأرب وأهلها، والبيضاء وصنعاء وأبين وحضرموت وعدن وغيرها، ما ترونه من صور لليمنيين اليوم هي صور مزيفة، صور أعيد إنتاجها لتستمر الحرب، بين "الدواعش التكفيريين" و"الفرس المجوس".
الحرب كريهة قسمت عرب اليمن إلى "فسطاطين"، والمستفيد من الحرب هم الدواعش الحقيقيون والفرس الحقيقيون، واليمن مسرح لصراع هذه الصور المزيفة التي أعيد إنتاجها في بلادنا، وصدقها بعض الذين لا يميزون كيف تعمل السينما لإخراج أبطال أفلام الرعب على صورة دراماتيكية، يتقافرون –فيها - أمام الرصاص، بينما هم في الحقيقة يتكئون على أريكة وثيرة.
لا تنخدعوا بالانطباع الأولى للصورة، أكثر من ترونهم دواعش تكفيريين هم يمنيون بسطاء غير مؤدلجين، يدافعون عن وطنهم ضد مليشيات أسقطت الدولة، واستعملت السلاح والدين لبسط سيطرتها، وأكثر من ترونهم فرساً مجوساً هم يمنيون بسطاء يرون أنهم يدافعون عن وطنهم ضد "العدوان".
ستذهب الحرب، وسترون معدن اليمني الأصيل، اليمني الذي مثلته ذات يوم عجوز ضالعية في عدن، لا أنسى وجهها الجميل وهي تمد لي كل صباح "القُراع" قبل أن أخرج من البيت عندما كنت ذات زمان في عدن.
اليمني الأصيل، الذي لم تجر عليه عمليات منتجة أيديولوجية، هو صاحب صعده الذي يمكن أن يعزمك على وجبة غداء دسمة، قبل أن تكتشف أنه استدان قيمة الغداء. هو الصنعاني في سوق الملح الذي يتناول فطوره أمام متجره ليشاركه المتسوقون.
هؤلاء هم اليمنيون الحقيقيون، وهذا هو معدنهم الأصيل قبل أن تغزونا الأيديولوجيات المعقدة، التي لم تجلب لنا إلا تهتك النسيج الاجتماعي، والحقد والعداوة والحروب الداخلية والخارجية.
عودوا إلى الأصل، اتركوا الصور المزيفة، غادروا غبار الحروب، غبار الأيديولوجيات الفاسدة، اتركوا كل انتماء إلا انتماءكم لليمن، اخلعوا صوركم المزيفة، وعودوا إلى الأصل، إلى الأرض، فهي أمكم وأبوكم لو تعلمون.
*من صفحة الكاتب على فيسبوك
اقراء أيضاً
عن المقاومة «الإرهابية» والاحتلال «الديمقراطي»!
كذبة فصل الدين عن الدولة
عدالة بيضاء.. لتذهب المحكمة إلى الجحيم