لم تمر سويعات بعد إعلان الخطوط الجوية اليمنية قرب تدشين التشغيل للطائرة من طراز إيرباص A320 التي انضمت إلى أسطول اليمنية، حتى بدأت المنشورات المعارضة لهذه الصفقة وهناك من ذكر أنها قديمة وأنها خرجت عن الخدمة عدة مرات وأنها استخدمت لنقل الحيوانات وما إلى ذلك، وعلى الرغم أنه لا يوجد مرجع يثبت أن هذه الطائرة كانت مخصصة لنقل الخيول فليس هناك مشكلة عظيمة في موضوع نقل الحيوانات خصوصاً أن عمليات النقل من هذا النوع تتم في الجزء الخاص بالشحن وكل الشركات تنقل حيوانات وأسماك ولحوم وهذا جزء أصيل من طبيعة نشاط الشحن لدى شركات الطيران .
كما لا توجد مشكلة كبيرة من موضوع أن الطائرة دخلت في خدمة عدة شركات كان أولها شركة سلفادورية وشركتين من إيطاليا ومن ثم شركة دنماركية قبل أن تصل لخدمة الخطوط الجوية اليمنية بعد حوالي خمسة عشر سنة طيران بحكم أن الطائرة بدأت أولى رحلاتها في العام 2003م. هذا كله لا يزال في نطاق المعقول في صناعة الطيران، خصوصاً أن اليمنية لديها طائرات أقدم وأسوأ حالاً من هذه الطائرة بكثير، وحتى الطائرات التي تستخدمها شركتا السعيدة وبلقيس ربما يكونوا الأسوأ في المنطقة إن لم يكن في العالم.
المشكلة الحقيقية تكمن وراء فقدان ثقة المواطن اليمني بالمسؤولين اليمنيين ومن ضمنهم وربما في مقدمتهم قيادة الخطوط الجوية اليمنية بإدارة أحمد مسعود العلواني الذي لم يستطع التفوق على سلفه عبد الخالق القاضي إلا بتحقيق مستويات فساد إداري ومالي أعلى. بحكم قرب العلواني من الدائرة المحيطة بالرئيس هادي وبحكم أنه من أبناء منطقته، تماما ً كما كان عبد الخالق القاضي في قربه من عفاش. الأمر الذي أعطى لكليهما الصلاحيات والإمكانيات لنهب مقدرات الشركة وأصولها دون محاسبة أو عقاب.
أدى هذا كله إلى تحويل الخطوط الجوية اليمنية إلى منظومة فاسدة بشكل سرطاني تكونت منذ أيام رئاسة القاضي لها واستمرت تحت سيطرة العلواني. وأصبح من الطبيعي أن تتكرر معاناة المواطنين المسافرين على متن الخطوط اليمنية بحيث لا تكاد تخلوا أي رحلة من مشكلة أو شكوى أو أحيانا أعطال فنية تدمر ما تبقى من معايير السلامة التي يفترض على أي شركة طيران تطبيقها.
على الرغم من أن الخطوط الجوية اليمنية تنقل ما يزيد عن نصف مليون راكب خلال العام، كل راكب من هؤلاء يدفع ما لا يقل عن خمسمائة دولار أمريكي، بإجمالي إيرادات ربما يتجاوز الثلاثمائة مليون دولار. إلا أن مسؤولي اليمنية يشتكون دائماً أن الشركة تعاني من مشاكل مالية لا تمكنها من الإيفاء بما تحتاجه الشركة من نفقات. مع العلم أن اليمنية في قمة مجدها التشغيلي كانت تنفق ما لا يتجاوز سبعين مليون دولار على وقود الطائرات الذي يمثل ثلث موازنة تشغيل أي شركة طيران.
فهل من المعقول أن الشركة لا تتوفر لديها ميزانية الصيانة التي تحافظ على الطائرات والعمليات في الجو وعلى الأرض ضمن أدنى معايير السلامة المتعارف عليها ولا يسمح بتجاوزها مطلقاً. بحكم أن اليمنية عجزت في استعادة ثقة الاتحاد الدولي للنقل الجوي (الاياتا) منذ أكثر من ثلاث سنوات مما يجعل الشركة تعمل خارج المعايير والشروط المطلوبة في صناعة الطيران.
هل يا ترى لا توجد لدى اليمنية إمكانيات لتفعيل موقع إلكتروني وتطبيق لشراء التذاكر عبر الانترنت وعمل الحجوزات وتغييرها ودفع رسومها والاطلاع على حالة الرحلات، لترحم المسافرين من الازدحام والتكدس لأيام طويلة في مكتب اليمنية بالزمالك. أو أن الهدف هو إبقاء الركاب تحت رحمة السماسرة وموظفي الشركة الفاسدين ممن يقتاتون على معاناة الناس وابتزازهم. هل ليس لدى اليمنية حتى موازنة للقيام بعمليات النظافة الدورية للطائرات من الداخل بعد كل رحلة أو على الأقل بعد كل يوم تشغيل لتجنيب المسافرين السفر في طائرات هي أشبه بحاويات قمامة طائرة.
ختاماً، لوضع حل جذري لموضوع فساد اليمنية وشركات الطيران اليمنية المشغلة حاليا ً بشكل عام. وبحكم أن كل هذه الشركات المحلية لا تجني منها الحكومة اليمنية أية أرباح في ختام كل سنة مالية باستثناء الضرائب المفروضة على كل تذكرة ويدفعها المسافر في نهاية الأمر.
فاليمنية ومنذ أيام عبد الخالق القاضي لا تحقق أي أرباح بخلاف أن ملكيتها أساساً تعود نصفها إلى صندوق الاستثمارات العامة السعودي. فقد أصبح من الضروري والحتمي التفاهم بين الحكومة اليمنية وقيادة التحالف للسماح لشركات طيران أخرى للعمل وتشغيل رحلات من وإلى المطارات في اليمن. وتخليص المواطنين اليمنيين من احتكار وبلطجة شركات الطيران المحلية وإجبار هذه الشركات على العودة للمنافسة بتحسين خدماتها وأسعارها، والذي لن يتأتى لليمنية مثلا ً قبل إقالة أحمد مسعود العلواني من رئاسة مجلس إدارة الخطوط الجوية اليمنية.
كما يجب وضع حد لنفوذ أحمد العيسى لدى الرئاسة وجلال هادي وإلزامه بتنفيذ أعلى مواصفات التشغيل في شركة طيران بلقيس أو استبعادها فوراً من الخدمة. هذا كله سيكون فرصة سانحة للحكومة لزيادة إيراداتها من الضرائب والرسوم المفروضة على كل تذكرة بسبب ارتفاع عدد المسافرين.
*من صفحة الكاتب على فيسبوك
اقراء أيضاً
الاقتصاد اليمني في زمن "كورونا"
"الفاو".. استمرار الفساد دون رادع
وين الفلوس