رغم الإجراءات التي تزعم قيادة البنك المركزي اليمني القيام بها للحيلولة دون تدهور القيمة الشرائية للريال اليمني وبالتالي انخفاض سعر الصرف أمام العملات الأجنبية، إلا أن الريال تجاوز حاجز 560 ريال أمام الدولار و160 ريال أمام الريال السعودي.
هذه الإجراءات لم تكن سوى ممارسات شكلية لمحاولة السيطرة على محلات الصرافة، بإغلاقها حينا واحتجاز أصحابها حينا آخر، متجاهلين في ذلك أن الصرافين يخضعون لعوامل السوق من عرض وطلب، ومتناسين الاحتياجات المستمرة للمواطنين من غذاء ودواء وأدوات استهلاكية لا يمكن الحصول عليها إلا عبر الاستيراد.
الاستيراد الذي يحتاج بدوره إلى العملة الصعبة لتغطية الاعتمادات المستندية والتحويلات إلى الموردين. مثل هذه الإجراءات كانت لتكون ناجعة في بلد يكتفي ذاتياً من مأكله وملبسه. أما في الوضع اليمني فيعرف معظم الناس أن التركيز على تقييد عمل محلات الصرافة سيؤدي إلى الاتجاه نحو السوق السوداء كما هو الحال مع المشتقات النفطية.
وبالعودة إلى أصل الحكاية، نجد أن التدهور بدأ عندما قامت ميليشيا الحوثي الانقلابية بالاستيلاء على البلد في أواخر العام 2014م وشروعها بالسطو على الصناديق السيادية والمؤسسات العامة والخاصة ونهب الأموال التي كانت في حسابات تلك الجهات.
بالإضافة إلى السطو على البنك المركزي اليمني ونقل المبالغ المالية إلى خزائنهم الخاصة. بخلاف ممارسات الجباية من القطاع الخاص والتجار تحت مسميات مجهود حربي ودعم الجبهات وما إلى ذلك، الأمر الذي أدى إلى تكدس كميات مهولة من الأموال لدى هذه الميليشيا. وبمجرد دخول التحالف العربي الحرب في نهاية مارس 2015م، هذا الامر جعل الانقلابيين يهرعون إلى شراء العملة الاجنبية بغرض تهريبها إلى الخارج والقيام بما يلزم من عمليات تبييض الأموال وبالتالي استثمارها خارج البلد. أدى ذلك إلى تزايد الطلب على العملة الصعبة وزيادة العرض للريال اليمني مما تسبب في استمرار انخفاض سعر الصرف.
بعد ذلك أكملت الحكومة الشرعية مسيرة الميليشيا بأن قامت بممارسات مشابهة لما قام به الحوثيون. فبدلا من محاولة التخفيف على الاقتصاد اليمني، بالغت الحكومة في الضغط على الخزينة العامة للدولة بتضخيم النفقات المتمثلة في مصاريف بقاء الحكومة اليمنية في الخارج واعتماد مرتبات بالدولار الأمريكي لعدد مهول من المسؤولين من وزراء ونواب ووكلاء لا يقومون بأي مهام فعلية.
هذا بخلاف التضخم الحاصل في البعثات الدبلوماسية وزيادة عدد الموظفين في سفاراتنا حول العالم دون حاجة حقيقية سوى توفير مصادر دخل لمنتفعي ضمن معايير فساد ومحسوبية. طبعاً كل هذه المبالغ يتم أخذها من ميزانية اليمن ويتم إنفاقها خارجه، سواء لمواجهة مصاريفهم اليومية أو لشراء عقارات وأصول.
ولنا أن نقيس مقدار حجم هذه الأموال عندما نعرف أن ما اشتراه اليمنيون من عقارات في كل من مصر وتركيا وماليزيا وغيرها من البلدان يصل إلى عشرات الآلاف. بخلاف الاستثمارات والأموال السائلة المودعة في البنوك. وفي الداخل نجد هناك الثقب الاسود الذي يلتهم السيولة تحت مسميات الطاقة المشتراه تارة وتارة الألوية الحربية الوهمية التي لا يوجد فيها غير قائد اللواء الذي يتقاضى رواتب كل جنوده الأشباح، وما إلى ذلك من نفقات غير مبررة في وقت حرج وظروف صعبة لا تحتمل بسببها البلد أعباء ً إضافية.
كان ما سبق جانباً من أسباب انهيار الريال المتعلقة بالإنفاق إلا أن الأسباب الأكثر أهمية هي تلك المتعلقة بالإيرادات. خصوصاً أن الحكومة اليمنية بدأت العام 2018م بالإعلان عن خطوط عريضة لموازنة تقشفية لا تتضمن إيرادات النفط والغاز. على الرغم أن من المفترض أن تشكل إيرادات النفط والغاز ما يساوي 70% من إجمالي إيرادات الدولة؟
وعلى الرغم من أن عدة شركات نفطية استأنفت الإنتاج وبكميات تصل إلى ما يزيد عن أربعين ألف برميل يوميا من النفط الخام بخلاف الغاز البترولي، وهذه كميات قادرة أن تصنع فارقاً لضخ سيولة للميزانية العامة للدولة وبالتالي تدعيم الاقتصاد.
هذا ناهيك أن هذه الكميات بالإمكان زيادتها 200%، عبر زيادة الإنتاج في الشركات الحالية واستعادة العمليات لبقية الشركات، ومن ضمنها إعادة تصدير الغاز المسال. والأهم من ذلك كله هو التأكد من أن كل إيرادات النفط والغاز تدخل المنظومة المصرفية للحكومة اليمنية بحيث تودع مبالغ مبيعات النفط في حسابات البنك المركزي اليمني. لأن ما يحدث حالياً هو أن مبالغ المبيعات يتم إيداعها في بنوك تجارية والتصرف فيها خارج إدارة أو سيطرة البنك المركزي. الأمر الذي يؤدي أن عدم استفادة الاقتصاد الوطني من هذا الدخل وذهاب عوائده إلى جيوب من يديرون العملية بهذه الطريقة.
وبالتالي، لوقف التدهور في قيمة العملة اليمنية، يجب أولا قبل كل شيء التأكد من توريد كل إيرادات النفط والغاز إلى حسابات البنك المركزي اليمني وفروعه في المحافظات، ووقف النهب والتسريب العبثي للكميات المهدرة من النفط الخام وإعادة الإنتاج في الحقول المتوقفة لإعادة التصدير، سواء للنفط أو للغاز الطبيعي المسال، لأن مثل هذا الدخل سيؤدي إلى توريد عملة صعبة إلى النظام المصرفي وبالتالي دعم موقف الريال اليمني أمام بقية العملات.
ومن ناحية النفقات يجب إيجاد حلول لاستبدال استهلاك الديزل في توليد الطاقة الكهربائية والاستعاضة عنه بالغاز الطبيعي المسال والمتوفر بكثرة من محافظة مأرب دون الاستفادة منه. بالإضافة إلى تحويل كل المبالغ التي يتقاضاها مسؤولو الحكومة اليمنية إلى الريال اليمني وحسب كادر الموظفين في القطاع العام، لأن بقاء رواتب مسؤولينا في الخارج بالدولار الأمريكي يعني أنهم سيظلوا حريصين على استمرار الحرب أكثر من الانقلابين أنفسهم. كما يجب تقليص عدد أفراد البعثات الدبلوماسية لليمن حول العالم والاستعاضة عنهم بالتقنيات الحديثة التي تستلزم عدداً أقل من الموظفين. وبالتالي إيقاف نزيف المال العام والضغط لطلب العملات الأجنبية على حساب الريال اليمني.
ختاما، هذي ليست إلا جزء من المقترحات العملية لإنقاذ الريال اليمني من التدهور والوصول الوشيك إلى مرحلة التضخم الحاد الذي تصبح فيه العملة مجرد حبر على ورق دون قيمة.
*من صفحة الكاتب على فيسبوك
اقراء أيضاً
الاقتصاد اليمني في زمن "كورونا"
"الفاو".. استمرار الفساد دون رادع
وين الفلوس