قبل كل شيء، علينا أن نعلم ونتعلم، أن ما ينتج عنا من أقوال وأفعال وتصرفات، هو البطاقة التعريفية الأكيدة التي تصوغ هويتنا للآخرين، وبالتالي نصنّف من خلالها، فحين تكون شخصا ذا قيمة، يعني أن كل ما يصدر عنك ذو قيمة، ولا يمكن لغير ذلك أن يحدث إلا في إطار المصالح والعلاقات المزيفة والغير ممتدة.
بمعنى، لا تنتظر أن تكون بذيئا ويصفق لك الآخرون، لا تنتظر أن تقوم بدور الزجاج الخادش، وتنسى أن الزجاج أكثر عرضة للكسر من غيره. في الوقت الذي لا ننتظر من أي حمّام أن يفوح بالعطر ورائحة الورد والاقحوان، يكفي أن تفوح منه رائحة منظفاته الخاصة عقب كل عملية تنظيف، مع ذلك هل سيتغير من كونه حماما؟ لا. يبقى الحمام حماما، رغم كل ذلك، يجب أن لا ننسى الحلم المنشود الذي نناضل من أجله منذ سنين، حلم الدولة المدنية، المواطنة المتساوية، دولة العدل والقانون.. الخ.
إن الانجرار وراء تصرفات هذه الفئة المنحطّة، والتفاعل معها بردود أفعال سريعة وعشوائية، يقض من مضجع الحلم، ويحول دون تحقيقة، بل ويؤسس لخرابه بلا شك. إذ أن من المفترض أن يأخذ من يتعدى على أعراض الآخرين، حقه من العقاب كاملا؛ لا بمجرد صفعة تدر له التعاطف والإدانات الخ.
كنا ومازلنا نحلم بتفعيل القانون، ولو بعد حين، ولا يعني تأخير المقاضاة إلغاء الحقوق إنما ضمانها، والقانون والقضاء له أصحابه، وإنما الأجدر والأصح أن توكل الأمور لأصحابها، فإذا ما حاول كل شخص أن يقاضي بنفسه من أراد، عمّت الفوضى، وزاد عمقها، وتصدّع جدار الحلم، وتكسرت أعمدته، ليخر سقفه على رؤوس الجميع.
ينبغي علينا أن لا نصنع من هذه الأفعال بطولات؛ لأنها مضيعة للحقوق، ومجلبة للمصائب والأخطار، وتخفيف للعقوبات، وتشجيع غير معلن على الفوضى وحكم اللادولة. نعم اللادولة، التي مازلنا جاهدين نحاول رفع أركانها، ومساعدتها على النهوض.
إن ما يتعرض له البعض من البعض سيئ جدا ومستفز، ولكن كما أسلفت، علينا مواجهة هذه الظاهرة والحد منها، لا تشجيعها وتوسيع قطرها بالرد بالمثل، والتجاوب معها.
فكل إناء بما فيه ينضح، فلا غرابة أن تأتي مثل تلك الألفاظ والتصرفات من شخص رأى أن يجعل من نفسه مرحاضا لمن يحب. لكن الغريب والغير متوقع، أن يأتي شاب نبيل يرضى ليده بأن تتسخ.
لا نريد أن ننشئ جيلا قلقا مرتبكا، لا يأخذ حقا ولا يزيح باطلا. والترويج لمثل هذه التصرفات يكوّن ثقافة جديدة لم يعدها الشعب اليمني، فمثلما لم يعهد اليمنيون الأخلاق المنحدرة، التي نتجت من بعض الأشخاص، لم يعهد أيضا معالجة الأمور بهذه الطريقة أيضا.
إننا نعمل منذ زمن على إطفاء فتيل الثأر، ولا ينبغي أن نعود إليه بصورة أو بأخرى، وهذا ما حدث ويحدث للأسف، جراء الانتكاسة التي أحدثها الحوثيون، الانقلابيون، في كل مفصل من مفاصل الحياة، سياسيا، واقتصاديا، واجتماعيا ،وتعليميا، وووو وحدث ولا حرج.
رغم التأييد الشديد الذي لقيه ما حدث؛ إلا أننا نحذر من شيوع مثل هذه الظاهرة والترويج لها. علينا أن نحافظ على شرف الخصومة، ومحاولة لمّ الشمل، لا توسيع الشق بيننا البين، كما يحدث أثناء التعاطي مع الأحداث والمجريات والأخذ والرد فيها.
إن هذا الشخص المدعو بالعذري، أحد الظواهر الغريبة على مجتمعنا وأخلاقياته، وبالتالي علينا محاصرة مثل هذه الظواهر المؤذية، حتى تتلاشى دون أن تترك خلفها أثرا.
أيها الرائعون كونوا قمما دائما ولا تنحدروا ..
اقراء أيضاً
26 سبتمبر.. وحدك سيّدُ اليمن
رهينُ المِخْلَبَين
الحرث في تضاريس الخيبة