أدخلوا في الموضوع مباشرة، لا تتوهوا في مقدمات شهرزاد لشهريار، قولوا إن هذا «الرجل ذا الملامح الشرق أوسطية» هو صداع في رأس هذا العالم.
هو الذي جلب الإرهاب إلى «العالم المتحضر»، لأنه رجل شرير يكره الحياة ويعادي المرأة والغرب، ويحقد على نجاح دونالد ترامب، ولا يرى جمال ساقي كونداليزا رايس، أو بريق عيني مارين لوبان، ويسعى لإفساد نمط حياة نيكولا ساركوزي وتوني بلير.
المشكلة فيه، في ملامحه الشرق أوسطية، في جيناته العربية، هو «إرهابي» بالفطرة، لأنه كان يلقي بخصومه من الطائرات، فتتمزق أجساد المساكين على قمم الجبال، وتنهشها السباع في الصحاري العربية التي جاء الاستعمار لرشها بالخضرة، وهو ذلك العربي الذي قتل أكثر من مليون ونصف مليون في الجزائر، وأجرى تجاربه النووية في صحاراها، وهو الذي جعل غروزني أرضاً محروقة، وهو بعينه، ذلك الرجل «الشرير» ذو الملامح الشرق أوسطية، الذي أحرق سراييفو وكابول.
مشكلة هذا الشرق أوسطي تكمن فيه، في تاريخه، في دينه، في قرآنه، في نمط حياته، في بداوته، في عداوته للحضارة المتفجرة من تلافيف دماغ برنارد لويس، وصمويل هنتنغتون، الحضارة السامقة مثل إيفانكا ترامب.
مشكلته أنه ليس لديه حس حضاري، قاسي القلب، كثيف الروح، معتم النفس، ينتمي لقوم دمروا المدن التاريخية في الموصل وحلب وحمص والرقة بالطائرات التي صنعها هو لتدمير البشرية. هذا الرجل ذو الملامح الشرق أوسطية هو الذي جرّب الصواريخ المنتجة حديثاً، في المصانع الأمريكية والروسية والفرنسية والبريطانية، على رؤوس المدنيين في إدلب والفلوجة.
هذا الشرق أوسطي إرهابي، لأنه مخترع البارود، ومخترع تقنيات الانشطار النووي، ولأن تكنولوجيا السلاح الكيماوي والبيولوجي عربية، ولأنه هو الذي قتل عشرات الملايين في خمس سنوات في منتصف القرن الماضي، وهو الذي أباد الهنود الحمر، ودمّر الغابات في المناطق الشاسعة ليقيم عليها مستعمراته، وهو الذي فتح أفران الغاز لليهود، وأرسل الناجين منهم إلى فلسطين، ليعوضهم ظاهرياً، وليخلص منهم في الواقع، وهو الذي جعل لإسرائيل مخالب نووية، وأنياباً كيماوية، لتكون طليعته في السيطرة على الكعكة الضخمة الممتدة من النيل إلى الفرات، من المحيط إلى الخليج.
هل تعرفون ذلك الشخص الذي قذف القنبلة النووية على هيروشيما؟ ألم تلاحظوا ملامحه الشرق أوسطية، أما استمعتم إلى تسجيل الصندوق الأسود الذي سجل صوت الطيار لحظة إلقاء القنبلة، وهو يصرخ «الله أكبر»، هو- أيضاً – رجل ذو ملامح شرق أوسطية.
العرب إرهابيون- بالفطرة- لأن أوطانهم هي التي دُمِّرتْ، وبلدانهم هي التي فُرضت عليها ديكتاتوريات غليظة، ملأت سجونها بأصحاب الرأي، وعبأت حساباتها بالمال والعرق والدموع والدماء.
العرب الذين استنزفت ثرواتهم، واحتلت أوطانهم، ومزقت شعوبهم، وجُرِّب فيهم الفسفور الأبيض، والكيماوي والبيولوجي والعنقودي، هؤلاء العرب هم الإرهابيون الذين يستحقون أن يُمحوا من الخريطة، لأنهم أصبحوا عبئاً على العالم المتحضر «جداً»، على الضفة الأخرى من المتوسط والأطلسي، عالم دانيال بايب وشلته.
لا تصدقوا أن العرب ضحايا الإرهاب، إنهم هم الإرهابيون كما تقول «فوكس نيوز»، وصحافة «التابلويد»، والكاميرات التي تركز على الجلابيب القصيرة واللحى الطويلة، وبقية عصابة علي بابا، التي استطاعت أن تعطي العرب صورة الإرهابيين، الذين يتسابقون على الذبح والقتل، فيما ملايين العرب سقطوا خلال السنوات السبع الأخيرة بين قتيل وجريح ومشرد، علاوة على بلدانهم التي انهارت على رؤوس شعوبها، بتخطيط محكم من وراء الستار.
هذه هي الصورة التي تحاول دوائر في الغرب «المتحضر» إقناع الناس بها، وهذا أمر يمكن أن يكون مفهوماً، غير أن الكارثة أن العرب أنفسهم صدقوا تلك الدعاية عنهم، التي قصد منها ضعضعة أرواحهم، وتحطيم محاولاتهم للخروج من التابوت.
نعم هناك نسبة ضئيلة من العرب مارست الجريمة والإرهاب باسم الدين، لكن يجب التنبيه إلى أن الدوافع الأصلية لهذه الفئة تتمثل في الظلم والجور والفقر والعوامل السياسية المتمثّلة في احتلال الأرض، ونهب الثروات وسرقة الحاضر والمستقبل، الأمر الذي جعل أفراداً وجماعات من العرب تنفجر- بشكل خاطئ- احتجاجاً على ميل الميزان، ولكي يُسَوِّغ هؤلاء الأفراد وتلك الجماعات هذا الانفجار، فإنهم يلجأون لتبريره بنصوص دينية، مع أن بواعث الانفجار تكمن في الإحساس بالظلم والقهر والمرارة، وعدم تكافؤ الفرص، وغياب الديمقراطية والشفافية والمحاسبة ومكافحة الفساد.
الواقع أنه في الوقت الذي تصم دوائر في الإعلام العالمي العرب بالإرهاب، فإنهم ضحايا لهذا الإرهاب الذي أطلق ماردَهُ غزوُ السوفييت لأفغانستان، وغزو الأمريكيين للعراق، وغزو إيران لسوريا، وقبل ذلك استمرار احتلال إسرائيل للأراضي العربية في فلسطين.
إن هذا الضخ الإعلامي الذي يستهدف العرب يشبه التنويم المغناطيسي الذي جعلهم مستَلبي الشخصية، يرددون عن أنفسهم ما يقوله خصومهم أو أعداؤهم عنهم، ويصابون بحالة من الفصام يحسون فيها بآلام الضحية، وتلاحقهم معها تهمة الجلاد أينما ذهبوا. ومع وصول العرب إلى هذه الحالة، فإن كل أشكال المقاومة المشروعة تصبح «إرهاباً»، حتى لو تظاهروا- سلمياً- في غزة أمام جدار سجَّانيهم، كما أن إلغاء مباراة منتخب الأرجنتين مع المنتخب الإسرائيلي تضامنا مع فلسطين يعد «عملية إرهابية من الطراز الأول»، حسب تصريحات مدير عام وزارة الثقافة والرياضة الإسرائيلي.
هكذا تستهدف الشخصية العربية، وبشكل مستمر، بحيث لا يترك لها مجال للدفاع عن نفسها، وإذا ما حاولت الدفاع عن نفسها، يتم وصمها بالاعتذارية، أو تبرير الإرهاب، وهو الأمر الذي يقع تحت طائلة المساءلة، حسب قوانين مكافحة الإرهاب، التي لم تحدده بتعريف واضح، حتى الآن، سوى ما قاله وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري في لقاء مع بعض المعارضين السوريين قبل فترة، عندما قال إن «الإرهابي هو الذي يقاتل الأمريكيين».
إن العرب في اللحظة التي قبلوا على أنفسهم فيها تهمة الإرهاب انطلقوا بشكل مثير للشفقة، يبررون ويعتذرون ويحاولون تحويل التهمة من هذا الفريق منهم إلى ذاك، في مسعى للتنصل من تبعات تترتب على تهمة الإرهاب، الذي اختلفت تعاريفه من دولة إلى أخرى، حيث الإرهابي عند الأمريكيين غيره لدى الروس والإسرائيليين والإيرانيين والأتراك والصينيين والأوروبيين، وحيث تجمع الإرهابيين مهما اختلفوا صفات كثيرة، تتجسد في هذا الرجل ذي الملامح الشرق أوسطية، الذي يتمتم إذا همَّ بعمل شيء ما بعبارة «بسم الله».
إن الدوائر السياسية والاستخباراتية العالمية التي رسمت تلك الصورة للعرب والمسلمين تعرف أن وجود القوات الأجنبية على أرض العرب لتدمير مقومات بقائهم هو الذي فجر موجات العنف والتطرف، وليس وجود هذه الآية أو تلك في القرآن، لأن تلك الآيات موجودة في المصحف منذ مئات السنين، فيما تعود بدايات الإرهاب في شكله الحالي إلى الربع الأخير من القرن الماضي.
ومع ذلك، دعونا نقول في نهاية المطاف: هناك إرهاب لا يمكن إنكاره، ما يحتم مواجهته بوسائل أكبر من الوسائل العسكرية والأمنية، لكن وجود الإرهاب كحقيقة لا ينفي حقيقة وجود تسييس للحرب على الإرهاب لأهداف لا علاقة لها بمواجهته، وهذا التسيسس يجب أن يُفضح، لأنه يروج للإرهاب بطريقة غير مباشرة، تماماً كما تروج له دعايات التنظيمات الإرهابية.
أخيراً: يجب ألا يستسلم العرب اليوم لحصرهم في الزاوية الحرجة، بالتلويح بتهمة الإرهاب، أو بدعم الإرهاب لاستلاب شخصيتهم الثقافية، ومواردهم المالية، وسيادة دولهم، وللقضاء على مؤسساتهم المالية والخيرية، بغرض تركهم بأمعاء خاوية، رغم تفجر النفط من بين ضلوع تلك الرمال التي أعطت ذلك الرجل ملامحه الشرق أوسطية، قبل أن يضاف له «ملمحاً إرهابياً» في تلك الشاشة العالمية المخادعة.
*القدس العربي
اقراء أيضاً
عن المقاومة «الإرهابية» والاحتلال «الديمقراطي»!
كذبة فصل الدين عن الدولة
عدالة بيضاء.. لتذهب المحكمة إلى الجحيم