شهدت مدينة مأرب توسعًا عمرانيًا لافتاً خلال السنوات الأخيرة، نتيجة تدفق النازحين إليها وارتفاع الطلب على المساكن، لكنه اتخذ مسار عشوائي بات يهدد جمال المحافظة الحضري، وانعكس على خدمات البنية التحتية.
يواجه المواطنين صعوبات يومية في الوصول إلى منازلهم وأماكن أعمالهم لسوء التخطيط العشوائي لبعض شوارع وأحياء المدينة، بسبب الاختناقات المرورية والازدحام الشديد. "نجم أبو راس" أحد سكان مأرب يشتكي من الاختناقات المرورية، وقال: "غالبًا أتأخر عن الوصول إلى مكان عمله في الوقت المناسب".
وأضاف لـ"يمن شباب نت"، "إنه يضطر إلى الرجوع بسيارته للخلف عند الخروج لعدم وجود مساحات واسعة للدوران"، لافتا أنه "يسكن بمنطقة "صحن الجن".
ودعا السلطة المحلية إلى القيام بواجبها تجاه معاناة المواطنين، في تخطيط عمراني للمدينة، وفرض تنفيذه، وإنهاء حالة العشوائية، وتحسين البنية التحتية وتسهيل حركة المرور في المدينة. بشير العديني هو الأخر قال أنه "غالبًا ما يتأخر في الذهاب إلى العمل أو العودة منه بسبب الازدحام المروري الناجم عن ضيق الشوارع، وأنه يتجنب الوصول بسيارته إلى مكان التسوق، بسبب انعدام أماكن الوقوف حتى أمام المراكز التجارية".
من جانبه قال مدير إدارة الطرق بمأرب عصام راواح: "في عام 2015، كانت الشوارع محدودة بمدينة مأرب، لكن منذ عام 2016، افتتح مكتب الأشغال 2 شوارع جديدة وطريق دائريًا غربيي بطول 3 كيلومترات وعرض 60 مترًا".
واضاف في حديث لـ"يمن شباب نت"، "تم إنشاء جسر بطول 400 متر وارتفاع حوالي 4 أمتار، وقمنا بأعمال زفلتة ورصف للشوارع والأرصفة المنتشرة في المدينة".
وأوضح راواح "أن هناك بعض المخالفات في المخطط، وقد تم إعطاء مالكي البيوت إشعارات بالإزالة وتم رفع الأمر إلى المحكمة، وقمنا في مكتب الأشغال بحملة لإزالة العشوائيات مطلع العام الجاري 2024".
كارثة الصرف الصحي
ويتكبد المواطنين خسائر كبيرة جراء سقوط البيارات المحفورة بشكل عشوائي لعدم وجود شبكة الصرف الصحي بالمحافظة. وقال خليل سعيد، المقيم في منطقة الفاو بمدينة مأرب، "إنه وأسرته لا يستطيعون النوم بسبب محاصرة مياه الصرف الصحي لمنزلهم والرائحة الكريهة والبعوض المنتشر نتيجة لذلك".
وناشد في حديث لـ"يمن شباب نت"، "السلطات المعنية على التحرك العاجل لتنفيذ مشروع الصرف الصحي في مأرب قبل تفاقم الأزمة وانتشار الأوبئة والكوارث البيئية".
وكانت مؤسسة المياه والصرف الصحي دعت إلى ضرورة الإسراع في تنفيذ مشروع الصرف الصحي للمدينة قبل أن تحل الكارثة، نظرًا لخصائص التربة الرملية في المنطقة حيث ما زالت المدينة الى الآن بدون شبكة صرف صحي.
وحذرت منظمات إنسانية وخبراء بيئة ومهندسون مدنيون من كارثة بيئية وإنسانية وصحية وشيكة تهدد المدينة، بسبب مخاطر انهيار منظومة الصرف الصحي القائمة على حفر المواطنين بيارات لمياه الصرف الصحي بشكل عشوائي.
كما طالب المؤتمر الطبي الاول الذي اقامته كلية الطب في جامعة إقليم سبأ بتوصياته إلى ضرورة انشاء صرف صحي في محافظة مأرب لمواجهة انتشار الامراض المعدية خاصة الطفيليات التي تنتشر في مخيمات النازحين والسكان بسبب طفح المجاري.
تهديد للخدمات
ولا يهدد البناء العشوائي الإخلال بجمال المدينة فحسب، بل يساهم أيضًا في تفاقم مشاكل الكهرباء والمجاري والاختناقات المرورية، حيث تتصاعد شكاوى السكان في كثير من أحياء المدنية.
وقال كمال الزين، الموظف بالمكتب الفني في محافظة مأرب "أن النزوح الكبير إلى المحافظة أدى إلى توسع عمراني متواصل، مما أربك المكاتب الخدمية عن تقديم خدماتها بالشكل المطلوب".
وأضاف في حديث لـ"يمن شباب نت"، "إلى أن البناء العشوائي قد أضر بالمخطط الحضري للمدينة، الذي كان من المفترض أن يظهر جمال مأرب"، مشيرا "أن السلطة المحلية والمواطنين مشتركين في ظهور البناء العشوائي وعدم الالتزام بالمخطط الحضري".
ولفت كمال إلى ضرورة تدخل "السلطات المعنية لوضع حد للبناء العشوائي في مأرب وإعادة إحياء المخطط الحضري للمدينة، بما يضمن توفير الخدمات الأساسية للمواطنين وإنهاء حالة العشوائية".
ازدواجية بيع الأراضي
يلجأ المواطنون لشراء الأراضي هرباً من ارتفاع الإيجارات والشروط المشددة التي يضعها المؤجرون، لكنهم يجدون أنفسهم أحياناً أمام خسائر كبيرة ومشاكل لا تنتهي، بسبب ملكية الآراضي، وهذه مشكلة شائعة ليس في مأرب فحسب.
ويروي فارس الحسامي قصته لـ"يمن شباب نت"، بالقول "أنه قام بشراء قطعة أرض في منطقة الروضة، إلا أنه وجد عند البناء أن شخص آخر يدعي ملكيتها، وبدلاً من استرداد المبلغ الذي دفعه، اضطر لأخذ التزام من البائع الأول فقط".
وقال "أصبح من الضرورة قيام السلطات المحلية بضبط أصحاب المكاتب العقارية الذين يخدعون المواطنين، وعدم ترك الحبل على الغارب، في تراكم قضايا البيع والشراء في الأراضي".
من جانبه قال مدير الإدارة القانونية بالهيئة العامة للمساحات والأراضي قال عبد العزيز عزالدين "أن الهيئة قامت بعمل إعلانات في الإذاعات المحلية بالمحافظة لمنع المواطنين من بيع وشراء الأراضي إلا بعد التأكد من صحتها لدى الهيئة، وشكلنا لجنة لحصر المكاتب العقارية المخالفة والرفع بهم إلى النيابة العامة لتوقيفهم فور صدور الأحكام القضائية بحقهم".
وأضاف في حديث لـ"يمن شباب نت"، "إن انتشار العشوائية في مدينة مارب رغم وجود المخطط بسبب رفض المواطنين الالتزام بتنفيذ المخططات المعتمدة، بالإضافة إلى النزوح المتزايد"، لافتا "أن الهيئة على علم ببعض القصور في الجانب التخطيطي في بعض مناطق المدينة، وتسعى للتغلب على ذلك".
وأوضح عزالدين "أن الهيئة قامت بإعداد مخططات تفصيلية وفتح شوارع إضافية، كما عملت على إيجاد مرافق عامة في المناطق العشوائية"، ودعا إلى ضرورة "بناء المحافظة على أسس ومعايير تخطيطية حديثة من أجل الوصول إلى مدينة راقية تستقطب الاستثمار في الجانب السياحي والاقتصادي".
توسع عشوائي
لم تثني مأرب التحديات الاقتصادية والسياسية من التوسع العمراني الكبير ومع ذلك، لا يزال هناك نقص في البنية التحتية الأساسية للمدينة، وقال المهندس المعماري علي سعيد "أن النمو العمراني في مأرب بلغ 30% فقط مقابل احتياجات المدينة، ولا يزال هناك نقص في مشاريع الصرف الصحي وشق الشوارع".
وأضاف في حديث لـ"يمن شاب نت"، "أن هناك حاجة للمزيد من المستشفيات والمدارس والمعاهد مقارنة بالنزوح الكبير، وأن ظاهرة العشوائيات في المحافظة لا تتحملها جهة معينة بذاتها، فكل المكاتب الخدمية ذات الصلة لها دور في تفاقم المشكلة".
وأرجع المهندس هذا القصور، إلى "سوء اختيار الأشخاص المسؤولين وقال: "أن سبب انتشار العشوائيات عدم توفر مخطط عام وتصوير جوي معتمد، وعدم تطبيق قوانين التخطيط والبناء، إضافة إلى تقاعس الأجهزة الحكومية المعنية عن التنفيذ".
وأوضح "أن العوائق القانونية للاستثمار العقاري في مجال الإسكان، والمتمثلة في تسهيل إعداد مخططات أراضٍ استثنائية للبناء، من الأسباب الرئيسية لتفشي ظاهرة البناء العشوائي، بالإضافة إلى ارتفاع إيجارات المساكن والنزوح".
وقدم المهندس علي سعيد، حلولاً للحد من العشوائيات، أبرزها تعميد المخططات والنزول بتحديد وحدات الجوار على الطبيعة، وشق الشوارع التحزمية، وإنشاء معالم للخدمات التابعة للدولة والإصلاحات المطلوبة.
ودعا، إلى تخطيط وتعديل المناطق الحضرية لاستيعاب السكان الجدد، وجعل المناطق العشوائية شرعية وعمل حلول للمشاكل رفع الإيجارات.
لإبراز الجمال الحضري وتجاوز معضلة البناء العشوائي، الذي يهدد جمال مدينة مأرب، ينبغي تظافر جهود السلطة المحلية والحكومة والمنظمات المعنية لوضع خطط شاملة لمعالجة جذور المشاكل الرئيسية.