يواجه الصحفيون في اليمن هجمات ومضايقات وعنف حيث لم يعد من الممكن للصحفيين اليمنيين إجراء أبحاث مستقلة، وأي شخص يجرؤ على ذلك سيتم سجنه ومعاملته كمجرم، وهو الأمر الذي جعل البلاد وأحدة من ضمن 10 دول هي الأخطر على حرية الصحافة.
وفي اليوم العالمي لحرية الصحافة الذي يصادف الثالث من مايو، سلطت مجلة Tagesspiegel الألمانية الضوء على المخاطر التي تواجه الصحافة في اليمن، حيث قالت، إن "امتلاك الأقلام والكاميرات أكثر خطورة من امتلاك سلاح في اليمن".
وأشارت إلى أن أي شخص يعبر عن رأي مستقل يتعرض لخطر معاملته كمجرم، والسجن، وينتهي به الأمر في المحكمة، وربما حتى الحكم عليه بالإعدام.
ومنذ أن بدأت الحرب عقب انقلاب مليشيات الحوثي تعرضت حرية التعبير وحرية الصحافة في البلاد لقيود شديدة، لاسيما في المناطق الخاضعة لمليشيات الحوثي وقد أدى ذلك إلى حملات الدعاية والتضليل والانقسام الاجتماعي وكتم الأصوات المستقلة.
ويواجه الصحفيون الهجمات والمضايقات والعنف، فيما تتعرض الصحفيات لخطر متزايد. في الواقع، تفرض السلطات قيودًا على السفر وقيودًا على الوصول إلى المعلومات، مما يحد من فرص حرية التغطية .
ومن أبرز حالات المضايقة التي تعرض لها الصحفيون منذ بداية الحرب، اعتقال عشرة صحافيين عام 2015 بعد إغلاق وسائل إعلامهم من قبل جماعة الحوثي. كان عصام أبو الغيث وأصدقاؤه ينشرون رسائل وتحديثات على فيسبوك وتويتر حول تصرفات الحوثيين التعسفية، مثل احتلال مساكن أعضاء النظام السابق واستخدامها كقاعدة للعمليات.
وانتقل الصحفيون إلى فندق في صنعاء واستخدموه كمكتب مؤقت. وفي يونيو 2015، تمت محاصرة الفندق بأطقم الحوثيين .وقال عصام أبو الغيث: "بمجرد أن فتحنا الباب، داهمنا أكثر من 20 رجلاً مسلحاً بملابس مدنية".
ثم تم ربط عينه هو وزملائه واقتيادهم إلى مكان مجهول. وقد مرت أسابيع وأشهر في الحبس الانفرادي. ولم يتم تقديم أي مبررت، بل تم توجيه اتهامات بالخيانة فقط. يصف عصام الظروف الرهيبة التي عاشها هو وزملاؤه في السجن: "طعام غير صالح للأكل ومعاملة غير محترمة. وقد رفضت طلباتهم للحصول على معلومات حول مكان وجودهم .
وتم إرسال الصحفيين العشرة، بمن فيهم عصام، إلى المحكمة الجنائية الخاصة لمحاكمتهم. ورفضت المحكمة طلبه بمقابلة محامي الدفاع قبل المحاكمة. وبعد عدة جلسات، حكم بإطلاق سراح ستة صحفيين، من بينهم عصام، وحكم على الأربعة الباقين بالإعدام.
لكن رغم أمر الإفراج، رفض الحوثيون إطلاق سراح عصام وزملائه الخمسة، وطالبوا بإدراج الصحفيين في صفقة تبادل أسرى تضمن إطلاق سراح قيادات الحوثيين المحتجزين في مأرب. حدث ذلك في أكتوبر 2020. ومنذ ذلك الحين، يعيش عصام في المنفى ولا يلوح في الأفق أي موعد للعودة.
اليمن يتذيل القائمة الدولية لحرية الصحافة
ووضع مؤشر حرية الصحافة التابع لمنظمة مراسلون بلا حدود، للعام الجاري 2024م، اليمن ضمن قائمة الدول العشر الأخطر على حرية الصحافة باعتباره واحداً من أكبر 10 سجون للصحفيين حول العالم.
واحتل اليمن المرتبة 154 من أصل 180 دولة، بتحسن 14 مركزا عن العام الماضي (168)، إلاّ أن ذلك لم يكن كافيا لخروجه من ذيل القائمة الدولية.وقالت مراسلون بلا حدود، أنه منذ عام 2014، يواصل الصراع العسكري في اليمن تمزيق البلاد، مخلفاً عواقب وخيمة للغاية على حرية الصحافة.
وتابعت: "يواجه الصحفيون خطر الاختطاف، سواء على أيدي الحوثيين أو القاعدة أو الحكومة الرسمية. كما يتعرضون لشتى أنواع الانتهاكات على أيدي المليشيات، حيث تطالهم الهجمات والاغتيالات والتهديدات بالقتل".
وأشارت إلى أن وسائل الإعلام يسيطر عليها مختلف أطراف النزاع، ولذلك فإن المعلومات المستقلة باتت شبه منعدمة في اليمن، لا سيما وأن الصحفيين الأجانب لا يتمكنون من الوصول إلى المناطق الميدانية إلا نادراً.
وتابعت: "فبغض النظر عن المنطقة التي يوجدون فيها، فإن الصحفيين معرضون للمراقبة ويمكن اعتقالهم لمجرد نشر تدوينة على منصات التواصل الاجتماعي. وحتى عندما يغيرون مهنتهم لتجنب الاضطهاد، فإنهم يظلون عرضة للملاحقات بسبب كتاباتهم السابقة".
بيئة عدائية للصحافة
وقالت نقابة الصحفيين اليمنيين في بيان لها، إن صحافيي اليمن يحتفلون بيوم حرية الصحافة العالمي هذا العام في ظل ظروف خطيرة، مؤكدة أنهم يعملون "في بيئة عدائية جراء تعامل أطراف الحرب معهم باعتبارهم أعداء".
ورصدت النقابة "17 حالة انتهاك طالت الحريات الإعلامية في البلاد بالأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري، تنوعت بين حجز الحرية والاعتداء على الصحفيين والمؤسسات الصحفية، ثم التهديد والتحريض على الصحفيين والمصادرة والمنع والإيقاف والمحاكمات والاستدعاء والترحيل القسري".
وقال بيان النقابة إن "جماعة الحوثي ارتكبت 5 حالات انتهاك طالت الصحفيين خلال الربع الأول، تتساوى في ذلك مع الحكومة الشرعية التي ارتكبت هي أيضا 5 حالات، ثم المجلس الانتقالي الجنوبي 3 حالات”.
وأوضحت حجز الحرية تنوع بين حالتي اعتقال بنسبة 50 % من إجمالي حجز الحرية وحالة ملاحقة بنسبة 25 % وحالة اختطاف بنسبة 25 %، وأنه لا يزال 6 صحفيين معتقلين لدى أطراف مختلفة، منهم 3 في معتقلات جماعة الحوثي، وصحفيان اثنان لدى المجلس الانتقالي بعدن، وصحفي مخف قسرا لدى تنظيم القاعدة بحضرموت منذ عام 2015".
وطالبت نقابة الصحفيين بالإفراج الفوري عن جميع المختطفين، وتحمل جماعة الحوثيين والمجلس الانتقالي الجنوبي مسؤولية التعنت وعدم الاستجابة للمطالب الحقوقية والنقابية المحلية والعربية والدولية بالإفراج عن الصحافيين والكف عن التعامل مع الصحافيين بالقسوة والعدوانية.
الصحفيون يدفعون ثمن الإفلات من العقاب
وبمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، انضمت 40 منظمة إقليمية ومحلية معنية بحرية الرأي والتعبير وحقوق الإنسان إلى تحالف العدالة من أجل اليمن في دعوة كافة أطراف النزاع في اليمن إلى احترام حرية الصحافة.
وقال التحالف في بيان مشترك: "شكلت العشرة الأعوام الماضية وضعًا إعلاميًا خطرًا وكارثيًا؛ تزايدت فيه الممارسات القمعية الممنهجة ضد الصحفيين، كان أبرزها القتل، والاعتقال، والاختفاء القسري، والتعذيب، ضمن جملة انتهاكات مارستها أطراف الصراع التي اعتبرت الإعلام أكبر أعدائها".
وأضاف البيان، إنه وصل إجمالي هذه الانتهاكات وتحديدًا منذ بداية العام 2015 وحتى أبريل 2024 إلى 2,536 انتهاكًا من بينها 54 حالة قتل لصحفيين وصحفيات.
وأوضح أن شكل وحجم هذه الانتهاكات جعل الصحفيين والإعلاميين يدفعون ثمنًا باهظًا كي يمارسوا مهنتهم، وينقلوا الأحداث في ظل إفلات المجرمين من العقاب، وتوسعت دائرة استهداف الصحفيين لتصل إلى أهاليهم كوسيلة للضغط عليهم، ومحاولة لإسكات أصواتهم، والتضييق على مساحة حرية الرأي والتعبير.
وأرجع البيان، أسباب إفلات المجرمين من العقاب إلى الدور المحدود للمجتمع الدولي الذي يغلب تعامله السياسي في الملف اليمني على بقية الجوانب الأخرى؛ لإرضاء أطراف الصراع، وهو ما زاد من عدد الانتهاكات دون الخوف من العقاب.
إضافة إلى جانب غياب الإرادة السياسية المحلية وضعف السلطة القضائية في اليمن، وغياب الإجراءات الفاعلة تجاه مرتكبي الجرائم وانتهاكات حقوق الإنسان ومعاقبتهم على أفعالهم.
وطالبت المنظمات في بيانها جميع الأطراف إطلاق سراح الصحفيين المعتقلين بسبب أنشطتهم الإعلامية فوراً ودون قيد أو شرط، سواء في سجون الحوثيين أو سجون الحكومة اليمنية أو سجون تنظيم القاعدة.
كما طالبت، المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان بزيارة السجون في اليمن ومقابلة الصحفيين للاطلاع عن كثب على أوضاعهم هناك، مؤكدا على أهمية تفعيل كافة أدوات الحماية وتعزيز الأطر القانونية لمواجهة هذه الأوضاع وحماية الصحفيين وحرية التعبير.
وجددت المنظمات دعوتها للمجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية الدولية بضرورة تكثيف جهودها في اليمن لمحاسبة مرتكبي الانتهاكات ضد الصحفيين وعدم إفلاتهم من العقاب، وترسيخ أسس المساءلة القانونية لضمان تمكين الصحفيين من ممارسة عملهم بكل حرية.
وأشادت بدور عدد من الصحفيين والمؤسسات الإعلامية التي حققت نجاحات خلال الفترة الأخيرة في ظل وضع أمني صعب واستهداف واضح ومباشر للصحفيين من خلال القتل، والاعتقالات التعسفية، والتعذيب، والمحاكمات في محاكم غير مختصة بهدف إرهاب الصحفيين وإيقافهم عن ممارستهم لعملهم الصحفي.
العالم يرى اليمن من خلال الصحفيين
وبمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، دعت بعثة الاتحاد الأوروبي لدى اليمن، إلى احترام حرية الإعلام في اليمن في جميع الأوقات"، مؤكدة التزامها "بدعم إعلام حر وحيوي في اليمن"، مشددة إلى أنه "ينبغي إطلاق سراح الصحفيين المحتجزين دون تأخير".
وأضافت البعثة عبر منصة "أكس": "العاملون في مجال الإعلام يواجهون تحديات هائلة في جميع أنحاء اليمن، فهم يعملون في بيئة مليئة بالتحديات بشكل خاص ويهيمن عليها العنف والرقابة".
بدوره، أشاد السفير الأمريكي لدى اليمن ستيفن فاجن، بالدور الحيوي الذي يقوم به الصحفيون اليمنيون ممن يكتبون عن الواقع القاسي للصراع الدائر في اليمن، بما في ذلك الاعتقالات غير القانونية والتحديات البيئية والاقتصادية والتهديدات التي تتعرض لها حياة وحقوق الإنسان في اليمن.
وقال فاجن في بيان إن "تفاني الصحفيين الشجعان في الكشف عن الحقيقة يسلط الضوء على المخاطر المباشرة في اليمن، وسيساعد على المدى الطويل في تعزيز مساءلة المسؤولين الحكوميين وقادة المجتمع المحلي، وبناء مجتمع مطلع، ومكافحة المعلومات المضللة من الجهات الخبيثة".
وأضاف،" يواجه الصحفيون تهديدات لمجرد قيامهم بعملهم. إن تقاريرهم ضرورية، حيث إنها تقدم معلومات للمجتمع الدولي وتدعم الجهود الرامية إلى تحقيق السلام والاستقرار والتنمية المستدامة في المنطقة".
ولفت السفير الأميركي إلى أن العالم يرى من خلال أعين الصحفيين، العواقب الحقيقية للصراع في اليمن، وكذلك عدد الأشخاص الذين يعملون على بناء الأمل والسلام في البلاد.
واختتم السفير الأميركي بيانه قائلا: "نؤكد اليوم مجدداً دعمنا الثابت لحرية الصحافة في اليمن ونعترف بها كركيزة أساسية للديمقراطية. تقف الولايات المتحدة إلى جانب الصحفيين الشجعان في اليمن، الذين تساعد تقاريرهم الشجاعة في تمهيد الطريق لمستقبل".