من المقرر أن يعقد مجلس الأمن الدولي، يومنا هذا الاثنين (15 أبريل)، جلسته الشهرية، الاعتيادية، حول اليمن؛ ولكن هل ما زال هناك من شيء يتفاخر به المبعوث الأممي الخاص ضمن إحاطته المقررة أمام أعضاء المجلس مساء اليوم؟
في الشهر الماضي (14 مارس/ آذار)، افتتح المبعوث إحاطته بالآمال التي كان يتمنى أن يحضرها معه إلى المجلس، وقد استكملت "التحضيرات لعملية سياسية جامعة"، لكنها فقدت في الطريق الملبدة بهذه الحرب الإقليمية المتصاعدة، ثم لم يعد لديه ما يحمله معه إلى المجلس سوى التحذير من تلك الكارثة التي وضعت مسار مفاوضات السلام في مهب الريح.
ومع أنه، خلال الشهر الفائت، لم ييأس أو يتوقف عن الحراك، ليعقد لقاءات دبلوماسية دولية هامة، شملت واشنطن وموسكو والرياض، بغية المساعدة والدعم لأنهاء التصعيد الإقليمي وإنقاذ مشروعه الخاص المتمثل بمشروع "خارطة الطريق" الأممية؛ إلا أن التفاخر أمام أعضاء المجلس باستعراض نتائج تلك اللقاءات، ربما لم يعد مجديا، وقد انزلاق إيران إلى التصعيد، الذي كان يسعى إلى تهدئته.
ومن المرجح أن يؤثر هذا التصعيد الأخير، على نقاشات المجلس، من حيث أنه قد يزيد أكثر من تعقيدات المشهد الإقليمي المتدهور، ما يزيد بدوره من تعقيدات محاولات المبعوث الأممي استعادة زمام المبادرة في مسار المحادثات اليمنية، المعرقلة أساسا منذ حرب إسرائيل على غزة (7 أكتوبر/ تشرين الأول، وما رافقها من تداعيات تصعيدية في البحر الأحمر منذ نوفمبر/ تشرين الثاني.
مسار "خارطة الطريق" المفقود
ساعدت الهدنة اليمنية التي أبرمت بجهود المبعوث الأممي الحالي إلى اليمن، مطلع أبريل/ نيسان 2022، على إمكانية البناء عليها في المفاوضات التي ظل يجريها المبعوث تواليا بين الأطراف المعنية، في الخارج قبل الداخل..
وبحلول نهاية العام 2023، اسفرت مباحثات سرية ثنائية بين سلطنة عُمان والمملكة العربية السعودية، ثم بين الأخيرة والحوثيين، في مسقط بوساطة عُمان، على مجموعة من الالتزامات التي شكلت أساسًا لما عرف لاحقا بـ "خارطة طريق" الأمم المتحدة، والتي سعى المبعوث، من خلالها محاولة التوصل إلى وقف حقيقي لإطلاق النار وإلى عملية سياسية سلمية دائمة.
وعلى هذا النحو، استمرت المباحثات لأشهر أخرى، ومع أنها كانت بطيئة جدا، إلا أنها قطعت شوطا كبيرا في خلق تدابير ثنائية متفق عليها، لا سيما في الجانب الإنساني الذي بدء تنفيذه على أرض الواقع، بفتح مطار صنعاء أمام وجهتين دوليتين (الأردن ومصر)، وكذا فتح ميناء الحديدة أمام السفن التجارية، فيما ظلت المفاوضات تراوح مكانها في الجانبين العسكري والاقتصادي، بسبب ما واجهته من عراقيل عدة. حتى جاءت الحرب الإسرائيلية على غزة، مطلع أكتوبر/ تشرين الأول 2024، وفي نوفمبر/ تشرين الثاني أقحمت ميليشيات الحوثي نفسها، وبدأت باستهداف السفن التجارية المملوكة لإسرائيل، أو المتجهة إليها، بذريعة دعم "غزة"، وإنهاء الحصار المفروض عليها.
ومنذ ذلك الحين؛ استمرت هجمات ميليشيات الحوثي المتمردة على السفن التجارية، مما أدى إلى تعطيل طرق التجارة بشكل كبير في البحر الأحمر، ما دفع المملكة المتحدة والولايات المتحدة إلى شن ضربات عسكرية انتقامية منذ 11 يناير/ كانون الثاني. كما أدى هذا الوضع المستحدث إلى توقف محادثات السلام بين الحوثيين والمملكة العربية السعودية، والمداولات حول "خريطة الطريق" الأممية لعملية سياسية يمنية مشتركة، والتي باتت مهددة بقلبها رأساً على عقب.
مرتكزات الإحاطة المتوقعة
في إحاطته السابقة، إلى المجلس (14 مارس/آذار الماضي)، حذر المبعوث الأممي غروندبيرغ من أنه: كلما طال أمد الأزمة، زاد احتمال قيام الأطراف اليمنية "بتغيير الحسابات وتغيير أجندات المفاوضات"، مضيفًا أنه "في أسوأ السيناريوهات، قد يقررون العودة. للحرب"، وسط هذه الاضطرابات الإقليمية المتصاعدة..
وهو أيضا ما كرره قبل أيام قليلة فقط، وإن بصيغة أخرى أكثر وضوحا، حين أكد- في مقابلته التلفزيونية الأخيرة مع قناة "تلفزيون الصين المركزي" (11 أبريل)- على الترابط القائم بين هذه الأحداث، قائلا: "إن المأساة التي تستمر في غزة، وترابطها مع زعزعة الاستقرار التي شهدناها في الشرق الأوسط، بما في ذلك الوضع المتصاعد الذي نشهده في البحر الأحمر، أدت إلى تباطؤ زخم المحادثات التي كنا ننخرط فيها من أجل تحقيق السلام، للتوصل إلى اتفاق حول خارطة الطريق وتنفيذها".
بعد أيام قليلة على إحاطته المقدمة للمجلس الشهر الماضي، أصدر مجلس الأمن الدولي، بيانا صحفيا في 18 مارس/ آذار الماضي، أدان فيه، بأشد العبارات؛ هجمات الحوثيين على السفن التجارية في البحر الأحمر. ومن بين نقاط أخرى، دعا البيان إلى "التعاون العملي"، بما في ذلك مع الحكومة اليمنية، لمنع الحوثيين من الحصول على الأسلحة والأعتدة ذات الصلة اللازمة لتنفيذ المزيد من الهجمات، وأكد من جديد أنه يجب على جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة الامتثال لحظر الأسلحة المستهدف..
وعليه؛ من المرجح أن يجدد المبعوث الأممي، في إحاطته اليوم، تحذيراته السابقة، والمتكررة، بشأن خطورة استمرار هذا الوضع، الخطير المتداعي، وتأثير ذلك على القدرة في استعادة مفاوضات السلام اليمنية، المتمثلة بمشروع "خارطة الطريق" الأممية، ما لم يتوقف التصعيد من كافة المنخرطين فيه، بدء بإسرائيل، ومرورا بإيران وميليشياتها في المنطقة.
تصعيد جديد يفاقم التحديات
ولعل الجديد في الإحاطة التي سيقدمها المبعوث الأممي اليوم؛ أنها تأتي هذه المرة بعد هذا التصعيد الجديد والخطير، االمتمثّل في الهجوم الجوي الإيراني ضد اسرائيل، عشية يوم أمس الأحد، بأكثر من 150 طائرة مسيرة، ومثلها من الصواريخ المجنحة، ردا على استهداف إسرائيل لقنصليتها في دمشق مطلع شهر أبريل/ نيسان الجاري، ومقتل سبعة إيرانيين، بينهم جنرال كبير في الحرس الثوري الإيراني.
بالنسبة للمبعوث الأممي الخاص إلى اليمن، تكمن خطورة هذا التصعيد الجديد، في أنه سيزيد أكثر من تعقيد ملف المشاورات اليمنية نحو السلام، والتي تعقدت بالفعل منذ نوفمبر/ تشرين الثاني، بتهديد ميليشيات الحوثي لخطوط الملاحة الدولية في البحر الأحمر، وتدخل واشنطن ولندن في تنفيذ ضربات جوية وبحرية ضد مواقع عسكرية تابعة للميليشيات الحوثية في عدد من المحافظات التي تسيطر عليها، بهدف اضعاف قدراتها العسكرية.
وفي حين ظل المبعوث الأممي، خلال الأشهر الخمسة الأخيرة، يحاول تهدئة هذا التصعيد، بغية توفير فرصة مناسبة لاستعادة زمام المبادرة في استئناف المفاوضات المتوقفة، أو التي "شهدت تباطؤ" بحسب تعبيره في إحاطته الأخيرة، كنتيجة لذلك التصعيد المركب؛ فإن هذا الهجوم الجوي الإيراني على إسرائيل، أمس؛ من المرجح أنه سيأتي على كل ما قام به المبعوث مؤخرا من خطوات وجهود دبلوماسية في هذا الجانب خلال الأشهر الخمسة الماضية..!!
والسبب في ذلك؛ ليس لأن ميليشيات الحوثي شاركت في الهجوم الإيراني الأخير- كبقية أذرع أيران وميليشياتها في المنطقة (لبنان، سوريا، والعراق)- فحسب؛ بل أيضا لأن المبعوث الأممي كان يعول كثيرا على إيران نفسها (باعتبارها الداعم الرئيسي، والمؤثر على قرارات ميليشياتها في اليمن)، في المساعدة على إيقاف التصعيد الحوثي في البحر الأحمر..
(بخصوص هذا التعويل؛ أكد المبعوث ذلك في مقابلة تلفزيونية مع "قناة الحدث" 4 مارس/ آذار الفائت، والتي أشار فيها إلى نجاحه في أنشاء "خط اتصال ثابت ومفتوح، وجدير بالثقة مع إيران، عندما يتعلق الأمر بتسوية الصراع في اليمن". كما أشار في المقابلة إلى زيارته طهران مطلع فبراير/ شباط الماضي (أي في غمرة التصعيد الحوثي في البحر الأحمر)، وناقش مع وزير خارجيتها "ليس فقط المخاوف بشأن التصعيد في المنطقة، ولكن أيضًا الحاجة إلى دعم متضافر لجهود الوساطة التي تبذلها الأمم المتحدة للتوصل إلى تسوية سلمية للصراع في اليمن"، ليستدرك بالقول: "وأتوقع مواصلة الانخراط البنّاء للإيرانيين في هذه القضية"..
أمّا الآن؛ وقد شهدنا انخراط طهران نفسها في هذه الحرب الإقليمية، وتحولها إلى مشارك رئيسي في التصعيد؛ فإنه من غير المرجح بعد، أن يظل خيار المبعوث الأممي في التعويل عليها، قائما، كوسيط مناسب في التهدئة وإنهاء التصعيد المؤثر سلبا على استمرارية مفاوضات السلام اليمنية (خارطة الطريق الأممية)
جهود دبلوماسية متبعثرة
خلال شهر مارس/ آذار الماضي، أجرى المبعوث الأممي زيارتين هامتين إلى كل من واشنطن (16 مارس)، وموسكو (29 مارس)، التقى خلالهما عدد من الدبلوماسيين والمسئولين الرفيعين في الدولتين الرئيستين (دائمتي العضوية) في مجلس الأمن الدولي، لمناقشة التطورات الأخيرة، كما بحث سبل تيسير التقدم نحو استئناف عملية سياسية جامعة بقيادة يمنية تحت رعاية الأمم المتحدة، وإيجاد تسوية مستدامة للنزاع.
وكان أبرز ما تناولته المناقشات، بحسب ما نشر في موقعه الرسمي؛ هو التطورات الأخيرة في اليمن والمنطقة وتأثيرها على تقدم جهود السلام، وذّكرهم بدعوات الأمين العام إلى وقف التصعيد في المنطقة والبحر الأحمر، وشدد على ضرورة حماية التقدم المحرز في جهود الوساطة للسلام في اليمن. كما أكد، بشكل خاص؛ على الأهمية القصوى لمواصلة الدعم الإقليمي والدولي المتضافر للأطراف، من أجل الاتفاق على خارطة طريق الأمم المتحدة.
وفي حين كان من المرجح أن يتفاخر المبعوث الأممي إلى اليمن، أمام أعضاء مجلس الأمن، بنتائج هاتين الزيارتين الهامتين، إلى جانب زيارته أيضا العاصمة السعودية في الشهر الفائت نفسه، بغية استعادة مسار المفاوضات المتوقفة؛ إلا أن ذلك لا يبدً أنه سيكون ممكنا، ولا مجديا، وقد حدث ما كان يخشاه، وفشلت كل مساعيه في إيقاف حدوثه..!!
ناهيك عن ان هذا الهجوم الايراني، سيعيد من تعزيز الانقسام الدولي داخل مجلس الامن (خصوصا الدول الخمس دائمة العضوية في المجلس) ازاء ملف اليمن، نتيجة ما احدثته تلك الهجمات من مواقف متابينة الوضوح بين: امريكا بريطانيا وفرنسا، ضد طهران من جهة، مقابل روسيا والصين في الطرف المقابل.