تستمر حالة الاحتجاج القبلية في مأرب للأسبوع الثاني على التوالي، رفضاً قرار حكومي برفع أسعار البنزين، والتي خلقت أزمة خانقة، ففي الوقت الذي ترى الحكومة ان ذلك سيساعدها في الحصول على إيرادات، يرفض تجمع القبائل، ويعبر عن عدم ثقته بذلك نتيجة للفساد وحالة الفشل الحكومية خلال السنوات الماضية.
ورغم أن القبائل الرافضين لقرار الحكومة، يؤكدون أنهم يقفون صفاً واحداً في مواجهة ميلشيات الحوثي التي حاولت تحقيق اختراق للسيطرة على المحافظة خلال السنوات الماضية وفشلت، لكن هناك مخاوف من استغلال تصاعد الاحتجاجات وخلق حالة من عدم الاستقرار في المحافظة، والتي تعد نموذجاً لرسوخ سلطة الدولة.
وخلال الأيام الماضية، فجر مسلحون مجهولون أنابيب النفط بين محافظتي مأرب وشبوة ثلاث مرات، بينما تحاول الحكومة إنفاذ قرار برفع أسعار النفط المكرر المنتج محليا في مأرب من سعر 3500 ريال لجالون البنزين 20 لترا إلى 8 آلاف ريال (الدولار يساوي 1525 ريال يمني).
اعترضت مجاميع قبلية في مأرب على القرار، وأنشأت مطارح في منطقة العرقين بالقرب من شركة صافر النفطية، ومنعت خروج الشاحنات المحملة بالنفط إلى السوق المحلية في مدينة مأرب، ودخلت في نزاع مع الرئاسة اليمنية وقدمت عدد من الشروط، أبرزها التراجع عن قرار رفع المشتقات النفطية.
مالذي يحدث الآن؟
والاثنين الماضي 25 ديسمبر/ كانون أول الجاري، قتل ثلاثة من أفراد الجيش الوطني في "محطة بن معيلي" خارج مدينة مأرب برصاص مسلحين قبليين بينما كانوا في الشارع العام يستقلون مركبتهم، في المقابل قتل ثلاثة قبليين من المطارح بطيران مسير، في تطور خطير يضع محافظة مأرب في أزمة خطيرة قد تؤدي إلى سقوطها في فوضى، قد تستغلها ميلشيات الحوثي.
وخلال الأيام الماضية عقد عضو مجلس الرئاسة ومحافظة مأرب، اللواء سلطان العرادة، مع عدد من مشائخ القبائل، من أجل إنفاذ القرار الحكومي المتخذ أصلا من قبل الحكومة المركزية في يناير2023 لتنمية إيرادات الحكومة بعد هجمات الحوثي على مصادر النفط والغاز، ولكن فشل تنفيذه حتى الآن. وفق مصادر حكومية.
وبحسب مصادر تحدثت لـ"يمن شباب نت"، "ان رئيس المجلس الرئاسي، رشاد العليمي التقى الشيخ علي بن عويشان، الثلاثاء الماضي، والذي يعد أحد أهم قادة القبائل المعترضين على القرار، ولم يسفر اللقاء عن أي اتفاق إيجابي من شأنه إنهاء الأزمة".
وتشكل أزمة المطارح القبلية حالة من عدم الاستقرار في مأرب، في ظل تهديدات بالتصعيد من قبل المجاميع القبلية، لكن السلطات الأمنية والعسكرية مازالت تتعامل مع تلك الاحتجاجات بحالة من الهدوء، لكنها في ذات الوقت تعهدت – في بيان لها – "بأنها ستعمل على ردع كل من يعمل على زعزعة الأمن والاستقرار".
في المقابل أفادت مصادر في المطارح بمأرب، لـ"يمن شباب نت"، "أن اللقاء بين الشيخ عوشان والمجلس الرئاسي استمر أربع ساعات، وطلب عضو المجلس الرئاسي عثمان مجلي، مهلة زمنية من أجل التفاهم حول مطالب القبليين، الذي أكدوا على عدم التراجع".
وقالت المصادر "أن المطارح القبلية مازالت تفرض منع دخول المشتقات النفطية إلى محطات مدينة مأرب، وترفض السماح لها حتى يتم الاستجابة لمطالبهم في الغاء رفع أسعار البنزين"، وتشهد المحافظة أزمة خانقة في المشتقات النفطية.
الفساد الحكومي
شكلت مجانية الكهرباء العامة، وانخفاض سعر الوقود في محافظة مأرب، وحصول المحافظة على حصة كبيرة من إيرادات النفط والغاز المنتج للاستخدام المحلي بالإضافة إلى عوامل عسكرية وأمنية أخرى، أحد أسباب ازدهار مدينة مأرب، حيث نزح وانتقل إليها كتلة سكانية ضخمة بالملايين، بما فيها قطاعات اقتصادية كبيرة مثل البنوك والمطاعم والفنادق والمقاولات.
هناك اتهامات عدة بشكل محدود على وسائل الإعلام بأن المعترضين على القرار لديهم حصة من نفط مارب المحلي، يبيعونه في السوق السوداء والمحافظات الأخرى، ويبلغ قيمة جالون البنزين سعة 20 لترا في بقية المحافظات التي تحت سلطة الحكومة اليمنية الشرعية، ما يزيد 27 ألف ريال يمني، بينما سعرها المحلي في مأرب 3,500 ريال يمني (الدولار يساوي 1525) ويوفر هامش ربح كثير.
ووفق تقديرات غير رسمية، فإن إنتاج النفط ومشتقاته من صافر في مارب يصل إلى 1مليون و600 ألف لتر، ويخصص حوالي 160 ألف لتر منه للاستهلاك في مدينة مأرب وفق ضوابط معينة لا تسمح لأي مستهلك بشراء أكثر من 40 لترا بسعر 7 آلاف ريال، كل خمسة أيام، ينتظر المواطنين فيها بطوابير طويلة، فيما تنتشر السوق السوداء بسرية وعملية بيع البنزين في المحافظات الأخرى.
وتتهم شركة النفط ونافذين من القيادات الحكومية بالتورط في السوق السوداء، من خلال بيع بقية كمية الإنتاج اليومي في المحافظات الأخرى، ولا يُعرف مصير تلك العائدات. ويتهم مواطنون وقبليون الحكومة بالفساد، حيث ان الإيرادات التي مفترض ان تذهب للتنمية وتحسين المعيشية، يتم صرفها لعملات أجنبية من أجل دفع رواتب الطاقم الحكومي المتضخم خارج البلاد.
وخلال السنوات الماضية لم تقدم الحكومة اليمنية أي ضمانات بقدرتها على مكافحة الفساد، واستغلال موارد الدولة فيما يخدم إنعاش الاقتصاد المنهار في البلاد، وهذا خلق حالة من عدم الثقة لدى المواطنين في ان رفع أسعار البترول قد يعود بالفائدة عليهم.
رفض مجتمعي
بغض النظر عمن يقف وراء الاعتراض القوي من "المطارح القبلية" على قرار تنفيذ رفع سعر النفط المنتج للاستهلاك المحلي في مأرب فإن التحرك يكشف جانبا من العيوب الرئيسة والخطيرة لملف السلام الذي يجري تصميمه سعوديا وإيرانيا وعمانيا بالإضافة إلى الأمم المتحدة والولايات المتحدة.
يقضى الاتفاق المسرب عبر سلسلة من التصريحات الأممية والحكومية والحوثية إلى استجابة غير مشروطة لطلبات الحوثي بتحديد إيرادات النفط والغاز الشحيحة أصلا لسداد الرواتب في اليمن، نزولا عند شرط حوثي، يريد من خلاله الاستئثار ببقية الإيرادات الحكومية الضخمة في مناطق سيطرته التي تبلغ مليارات الدولارات.
يشير التحرك القبلي في مأرب وتفجيرات خطوط أنابيب النفط إلى أن مثل هذه الحوادث قد تتكرر باستمرار في المستقبل، ولها تاريخ طويل أصلا في اليمن عند الأزمات وقد شن الحوثي عدة هجمات فعلا على موانئ تصدير النفط في شبوة وحضرموت وأدى إلى تدمير موانئ التصدير في ميناء الضبة النفطي بحضرموت، وتفاخر زعيم الحوثيين بعملية دقيقة أدت إلى إيقاف التصدير في نوفمبر2022.
واستند المسلحون إلى منطق قبلي مصلحي على ما يبدو وليس منطق وطني أو اقتصادي، ويريدون الحفاظ على المكاسب ووتيرة النمو لمصالحهم التي حدثت في مأرب منذ 2015 نتيجة تحولها إلى أفضل منطقة من حيث الوقود والكهرباء المجانية في اليمن. وحولتها إلى أحد كبريات المدن اليمنية.
وأدت المفاوضات السعودية الحوثية إلى أن تكون الإجراءات الاقتصادية المتفق عليها ضمن التدابير الاقتصادية والإنسانية مصممة بطريقة صفرية، يربح فيها الحوثي مقابل خسارة الحكومة بكل مكوناتها، مثل ما حصل مع اتفاق فتح موانئ الحديدة الذي صمم لتدمير الموانئ البحرية اليمنية خاصة عدن بالإضافة إلى الموانئ البرية.
مفاوضات التقاسم
خلال المفاوضات السرية مع الحوثيين تم تغيب المجتمع المحلي بشكل كامل، وجرت على أساس تقاسم السلطات والموارد بين قوى مسلحة، دون أن تستند معظمها إلى دعم شعبي حقيقي، وقد ظهرت بوادر المعارضة الاجتماعية الواسعة، ضد الحوثي والانتقالي الجنوبي، وأيضا الحكومة الشرعية، سواء كان في صنعاء أو عدن أو حضرموت ومأرب خلال الفترات الماضية من الهدنة.
في ظل انعدام الموارد الطبيعية لتمكين الاستبداد وتمرير الصفقات، بين الأطراف الحكومية ومليشيا الحوثي، فإن التحدي الرئيسي هو أن السلام المعد بشكل هش من خلال المفاوضات والجهود الجارية، برعاية أممية لا تتطرق إلى جوهر الصراع في اليمن، المتمثلة بالتدخل الإيراني والنفوذ السعودي الإماراتي، بجانب المشاكل المتجذرة في الانقلاب على الجمهورية والديمقراطية والفساد في الدولة.
كما أن خارطة السلام المقترحة لا تعير اهتماما يذكر بدور الشعب وحراك المجتمعات المحلية، التي لن تصبر طويلا أمام انهيار الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وهي ترى ثلة من القيادات مستأثرة بكل شيء.
كرة ثلج
ينظر على نحو واسع إلى أن تحرك المطارح في مأرب أيا كانت دوافعها ووسائلها إلى أنها رسالة واضحة وصريحة من المجتمع أو من المتضررين من طريقة سير الاتفاقات السرية والمفاوضات الخارجية بأنها ستواجه الكثير والكثير من التحديات والعراقيل من قبل قوى متعددة وحركات اجتماعية واقتصادية وسياسية لديها أهدافها وطموحاتها المحلية.
وما حدث في مأرب قد ينتشر مبدئيا إلى محافظة شبوة المجاورة النفطية وكذلك حضرموت، ويمكن أن نشهد تطورات مماثلة في كل المنافذ البرية حيث تتركز إيرادات الضرائب والجمارك في كل من عدن والمهرة وحضرموت، وكذلك قد تتطور إلى تصل إلى محافظة الحديدة، التي تعد الأكثر تهميشا مقارنة بغيرها.
وكانت السلطة المحلية في حضرموت أعلنت قبل أسابيع السيطرة على إيرادات منفذ الوديعة الحدودي مع السعودية، نتيجة ما قالت إنه عجز حكومي ورفض لتمويلها. تحرك السلطة بحضرموت للسيطرة على تلك الإيرادات سبقه تحركات مماثلة من المجلس الانتقالي الجنوبي قبل سنوات في عدن، وعاد مهددا باتخاذ خيارات أخرى مماثلة في عدن قبل أشهر أيضا.