في أحدث موقف له، دعا المجلس الأعلى للمقاومة الشعبية إلى مؤتمر وطني عام وعاجل للقوى السياسية والوطنية اليمنية لتعزيز تأثير القوى الوطنية في توجيه المسار التفاوضي نحو الأولويات الوطنية والثوابت غير القابلة للتصرف للدولة اليمنية وسيادتها الكاملة على ترابها الوطني، وهويتها الجمهورية، ومركزها القانوني، والدستوري.
جاءت هذه الدعوة التي وصفت بـ"الملفتة والمهمة" في بيان، للمجلس الأعلى للمقاومة يوم الخميس21 ديسمبر2023 قبل يومين من إعلان المبعوث الأممي إلى اليمن هانز غروندبرغ الاتفاق على توجه نحو خريطة طريق للسلام في اليمن والتي ستشكل في الايام القادمة خارطة طريق لتحرك القوى الوطنية في سبيل الانتصار للوطن وثوابته.
وعلى الرغم من ترحيب المجلس بكل جهود السلام التحركات الهادفة إلى إنهاء الحرب إلا أنه أراد ايجاد ضمانات تحمي أي ولوج في المسارات السياسية دون اصطفاف وطني جامع يؤمن تلك التحركات ويمنع الانزلاق في هاويات احتراب جديدة وهو ما عبر عنه المجلس من خلال الدعوة إلى المؤتمر
حديث المجلس الأعلى للمقاومة الشعبية عن مؤتمر وطني عام لفرض محددات للسلام في اليمن تقوم على منجزات الثورة، جاء نتيجة وعي وإدراك من المجلس للتهديدات التي تكتنف المشروع الوطني وتحيط بتطلعات اليمنيين في مستقبل آمن ومزدهر وهي ذات الدوافع التي أدت إلى تشكيل المجلس الأعلى نفسه من المقاومة الشعبية اليمنية الجمهورية العابرة للمحافظات والمناطق والقبيلة والمبادئ التي انطلق منها في تأسيس عمله، والأهداف التي يسعى إليها.
طبيعة التشكيل
يتكون المجلس الأعلى للمقاومة الشعبية من عدد من الشخصيات والقيادات التي كان لها دور بارز في مقاومة الحوثي خلال السنوات الماضية، ويرأسه الشيخ حمود سعيد المخلافي، بينما تشكلت دوائره التسع من عدد من مجالس المقاومة الشعبية في عدة محافظات ومن الشخصيات السياسية والعسكرية والاقتصادية والقبلية البارزة العابرة للمحافظات.
كما يضم المجلس في تشكيله عددا من الضباط والقادة والخبراء العسكريين ( د. علي الذهب ، العقيد قائد المثيل … الخ ) وكوكبة من المثقفين (عبدالهادي العزعزي) والشخصيات القبلية (عبدالواحد نمران) والبرلمانيين أمثال (الشيخ محمد ورق والشيخ عبد الكريم الأسلمي) وغيرهم الكثير؛ ممن برزوا بأدوارهم في السنوات الماضية في عدة مجالات في إطار المقاومة الشعبية والرسمية ضد الحوثي.
محددات عمل المجلس
استنادا إلى البيانات التي أطلقها المجلس منذ إعلان تشكيله أواخر يوليو الماضي عمل المجلس على تحديد المبادئ التي ينطلق منها في عمله الوطني والشعبي للدفاع عن اليمن.
رفض منح الشرعية للواقع الناتج عن السلاح غير المشروع، والاستقواء به لفرض لتأسيس واقع جديد: وذلك يعني أن خطط السلام الناتجة عن خريطة السيطرة على الأرض استنادا للقوى العسكرية وداعميها ستكون على حساب اليمن، وشعبه ومستقبله.
وفي هذا السياق -كما يقول عبدالهادي العزعزي رئيس لجنة السياسيات والاستراتيجيات في المجلس- رفض المجلس الإطار العام الذي يجري في مسقط والرياض وغيرهما على حساب الشعب اليمني ومصالحه ومستقبل دولته.
الجمهورية والديمقراطية والوحدة
ركزت مبادئ ومنطلقات المجلس على أن الجمهورية ونظامها الديمقراطي ووحدة البلاد ومركزها القانوني والدستوري أمر غير قابل للتفاوض ولا المساس بها، ما يعني أن المجلس في تشكيلته ومبادئه وحتى أهدافه تجاوز التقسيمات والكيانات التي ظهرت منذ الانقلاب الحوثي المدعوم من إيران الهادف لتقسيم اليمن تبعا لنفوذ الدول الإقليمية خاصة إيران والسعودية والإمارات، ويريد المجلس من خلال التأكيد على المحدد أعلاه وفقا لما يقوله خبراء مثل ياسين التميمي، الذي أكد أن تلك القوى التي نشأت تريد تأسيس أمر واقع في اليمن.
الحق في المقاومة الشعبية: جاء تشكيل المجلس أساسا من القوى الشعبية التي قاومت الحوثي في كل المحافظات، وانعكس تمثيل معظم المحافظات في تشكيلة المجلس وهيئاته ودوائره، ويرى المجلس أن المقاومة الشعبية هي التي حافظت على ثلثي اليمن على الأقل بعيدا عن الهيمنة الحوثية، وأن دماء المقاومة الشعبية وقفت صدا منيعا أمام مليشيا الحوثي ومن يقف خلفها، وبالتالي فإن كل الدماء التي بذلت ينبغي أن تؤسس لإطار هيكلي جامع لها يمثلها ويحقق أهدافها بكل الوسائل المتاحة، بما فيها المقاومة الشعبية، للحفاظ على الجمهورية والدولة والديمقراطية ووحدة البلاد.
ليس تصادميا مع أي قوة أخرى
لم يعلن المجلس الأعلى عن نفسه بديلا لأي قوة سياسية أخرى في البلاد، وعلى العكس من ذلك يعترف بمعظم القوى السياسية، وليس في بنيانه أو عقيدته أي صدام معها باستثناء القوى الانقلابية، وفقا لياسين التميمي الذي صار لاحقا ناطقا رسميا للمجلس.
الاعتراف بالمرجعيات الوطنية والإقليمية والدولية: قال المجلس في سلسلة من بياناته بما فيها البيان الأخير إن المجلس لن يقبل أي مفاوضات أو نتائج تتجاوز المرجعيات الوطنية وكلها وجدت قبل ميلاد المجلس نفسه، وهي نتائج الحوار الوطني، والمبادرة الخليجية، وقرارات مجلس الأمن خاصة القرار2216، وأنه سيتصدى لأي مخططات تهدف إلى تأسيس أمر واقع في اليمن نتيجة لقوة السلاح غير المشروع، أو يؤدي إلى تغييب الشعب، وتفتيت المركز القانوني والدستوري للدولة.
حيوية المجلس
منذ ستة أشهر من تأسيس المجلس أصدر عددا من البيانات التي تخص الشأن المحلي، في عدة قضايا، وكان يواكب كل التحديات أولا بأول مقارنة ببقية القوى السياسية والرسمية التي تغيب في صمت منذ وقت طويل بما فيها أمام المنعطفات التي تستحق أن يسمع الناس صوت تلك القوى.
وكان المجلس قد نظم أول تظاهرة شعبية في اليمن على سبيل المثال دعما للقضية الفلسطينية في أول جمعة بعد السابع من أكتوبر، كما أصدر أول بيان تعليقا على خريطة الطريق المقترحة في اليمن، وكان له بيانه الواضح في ذكرى 26 سبتمبر. كما نظم سلسلة من التظاهرات والزيارات الميدانية الداعمة للمقاومة الشعبية والجيش وغيره.
وذكر آخر بيان للمجلس صدر في 21 ديسمبر إلى عقد مؤتمر وطني شامل لتحديد الموقف من أي خريطة طريق تتجاوز عددا من المبادئ والمصالح الجامعة للشعب اليمني. كما دعا لموقف واضح لرفض عسكرة باب المندب، لصالح إيران أو لصالح الصهاينة، وخاصة الولايات المتحدة التي رفضت في وقت سابق بالتعاون مع الدول الكبرى تحرير الحديدة.
الموقف من إيران
بالإضافة إلى انخراط المجلس أصلا في مقاومة مليشيا الحوثي عسكريا وسياسيا واجتماعيا وثقافيا من سنوات طويلة (منذ انقلاب مليشيات الحوثي)، وجاء تشكيله أساسا لمواجهة الاحتلال الإيراني وغيره عبر مختلف الطرق إلا أن أحد بيانات المجلس، خاصة البيان الأخير كان الصوت الوحيد الصادر من اليمن الذي يرد على التصريحات الإيرانية المستغلة للحرب الصهيونية على قطاع غزة.
ورفض المجلس أيضا التصريحات الإيرانية الأخيرة التي تقول إن باب المندب والبحر الأحمر تحت سيطرتها، وإمرتها عبر مليشياتها الحوثية، واتهمها ومليشياتها الحوثية بالاستغلال المفضوح للحرب العدوانية على غزة لتحقيق أهدافها على حساب الشعوب العربية.
كما رفض المجلس أي دعوة أمريكية لإنشاء تحالف بحري في باب المندب، وحذرة من عسكرة باب المندب والبحر الأحمر، خاصة أن الولايات المتحدة وفق ما يقوله المجلس في بياناته متواطئة مع إيران، وجردت الحكومة اليمنية من سيطرتها على موانئها في البحر الأحمر..
وبمعنى أوضح أن المجلس الأعلى للمقاومة الشعبية، استفاد من الأخطاء التي وقعت فيها الحكومة اليمنية والقوى السياسية اليمنية في السنوات الماضية، وكان لها نتائج وخيمة على الشعب اليمني ومعركته الوطنية.
أهمية المجلس
استنادا إلى عدد من الحقائق الناتجة عن سيطرة مليشيات الحوثي على الحرب في اليمن، وسيطرة الإمارات والسعودية على الحكومة في اليمن، فقد الشعب اليمني أي تمثيل حقيقي له، استنادا إلى تحول الفاعلين الرئيسيين في اليمن إلى الفاعلين العسكريين، الذين يمثلون أجندات خارجية، في الأغلب، أو مصالح معينة، بعيدا عن الشعب.
ويشير بيان المبعوث الأممي لليمن هانز غروندبيرغ حول خريطة الطريق في اليمن، أنها لا تمثل الشعب اليمني، بقدر ما تمثل القوى الإقليمية خاصة إيران، وبدرجة أقل السعودية والإمارات، فإن الشعب اليمني صار وحيدا دون تمثيل بعد سنوات من أنهار الدماء التي قدمها في طول البلاد وعرضها.
ولذلك يعد المجلس الأعلى للمقاومة الشعبية، نقطة قوة له، انطلقت أساسا من أنها تعمل على تمثيل مصالح الشعب اليمني، وتحتفظ بحقه في الموافقة والرفض على أي خطط تتجاوز الشعب ومصالحه المتمثلة في الدولة الجمهورية والديمقراطية، وسلامة مركزها القانوني والدستوري، ووحدته ووحدة أراضيه، والانطلاق به نحو المستقبل، بما يحقق مصالحه.
ويقول رئيس لجنة السياسات والاستراتيجيات في المجلس الأعلى عبدالهادي العزعزي لـ"يمن شباب نت"، إن "المقاومة الشعبية يجب أن يكون لها خياراتها ورؤاها ووسائلها التي تعمل على تحقيق أهدافها المشروعة المتطابقة مع الأهداف الشعبية والممثلة لها".