مضى أكثر من شهرين على إقالة زعيم مليشيا الحوثي لحكومة عبدالعزيز بن حبتور التابعة له، وغير المعترف بها دوليا، دون أي تقدم في تشكيل حكومة جديدة.
وكان الحوثي قد أعلن أواخر سبتمبر الماضي، إقالة حكومته غير المعترف بها ضمن ما أسماه المرحلة الأولى من التغيير الجذري لانتشال وضع مؤسسات الدولة في مناطق سيطرة مليشياته الموالية لإيران من وضعها المزري.
وقال عبدالملك الحوثي في خطاب له في 27 سبتمبر / أيلول الماضي، إن قرار التغيير ليس مرتبطا بعوامل محلية،(في إشارة إلى عدم اكتراثه بالاحتجاجات الشعبية والسلمية التي اندلعت طوال فترة الهدنة)، لكنها تأجلت بسبب الحرب وحان الوقت لتغييرها.
خلافات مع المؤتمر
كان من الواضح أن ثمة خلافات عميقة بين المليشيا الحوثية وحزب المؤتمر الشعبي بصنعاء الموالي لها، والذي ينتمي إليه رئيس حكومة تصريف الأعمال، التي تم إقالتها ثلاث مرات دون تكليف أي شخصية لتشكيل حكومة أخرى.
ووفق مصاد مطلعة، فإن مؤتمر صنعاء الشريك – نظريا على الأقل- للحوثي لديه مجموعة من الشروط للاشتراك في الحكومة، أهمها عدم المساس بنظام الدولة الجمهوري والديمقراطي ومؤسساته.
كما تتضمن أن يسحب الحوثي مشرفيه من الوزارات الذين أفقدوا الحكومة التي كان يرأسها المؤتمر عبر بن حبتور صلاحياتها، وأن يتعهد بدفع المرتبات.
وقالت المصادر إن مفاوضات عدة عقدت بين قيادات حوثية والشيخ صادق أبوراس رئيس المؤتمر الشعبي العام الموالي للحوثي في صنعاء الذي يشغل أيضا منصب نائب رئيس المجلس السياسي الأعلى للحوثي الذي حل محل رئاسة الجمهورية.
ورغم دخول الشهر الثالث على إقالة حكومة بن حبتور والشروع في تشكيل حكومة جديدة، لا توجد أي بوادر أو مؤشرات على تقدم في تشكيل الحكومة ما يكشف أزمة عميقة تواجهها جماعة الحوثي على عدة مستويات.
وأدت عملية طوفان الأقصى التي نفذتها الفصائل الفلسطينية في السابع من أكتوبر- أي بعد عشرة أيام فقط من إقالة الحكومة الحوثية- إلى تهدئة مؤقتة للاحتجاجات في مناطق سيطرة الحوثي، مع انشغال الرأي العام المحلي والعربي والدولي بالهجوم الإجرامي الصهيوني على قطاع غزة، إلى توفير فرصة سانحة للحوثي لتمرير ما يريد، إلا أن الحوثي فشل أيضا في تشكيل حكومته.
انقسامات عميقة
وفق مصادر حوثية، تعاني بنية مليشيا الحوثي من انقسامات حقيقية عرقلت التغيير الجذري الحوثي المزعوم، مشيرة إلى أن قيادات حوثية طورت خلال السنوات الماضية من الحرب شبكات مصالح مالية ضخمة، تقف حائلا أمام تغييرها أو عزلها أو نقلها إلى مناصب أخرى.
وكثيرا ما يشير مدونون حوثيون على وسائل التواصل الاجتماعي إلى صراع نفوذ، ومصالح بين كبار القادة الحوثيين يجعل من عملية التغيير في مواقعهم تهديدا لمصالحهم.
يأتي أحمد حامد مدير مكتب مهدي المشاط، وهو – أي حامد- أكثر القادة الحوثيين تعرضا للنقد نتيجة سيطرته المطلقة عبر المؤسسات التي كانت تابعة للدولة مثل الجمارك والضرائب والمالية والبنك المركزي، أو عبر مؤسسات أنشأها للجباية المالية مثل الأوقاف والزكاة على رأس مجموعات المصلحة الذين تقف مصالحهم بالضد من أي توجه، وللمفارقة تقول دراسات عن أن حامد هو أقوى شخص يثق به عبدالملك الحوثي في صنعاء، أكثر من بقية أتباعه.
وقالت المصادر الحوثية" أدى منح هيئة الزكاة لشخصيات حوثية من أرحب بقيادة أبونشطان قبل سقوط جبهة نهم بيد الحوثي، إلى ضغط قبلي شديد على الحوثي بحجة أنهم سيدافعون عن جبهة نهم (كانت قوات الجيش على بعد كيلو مترات قليلة من الوصول إلى أرحب وسقطت تلك الجبهة في 2020 بيد الحوثي)".
لكنها تحولت لاحقا إلى مؤسسة مالية خاصة بالمسيطرين عليها الذين يتقاسمون إيراداتها الضخمة مع الحوثي، وقدر تقرير مجلس الأمن 2022 إيراداتها بأكثر من 45 مليار ريال بالطبعة القديمة لا يعرف أحد مصيرها.
وتشير المصادر الحوثية إلى أن هيئة الأوقاف الحوثية التي أنشأها حامد أيضا منحت إلى عبدالمجيد الحوثي وله نفوذ كبير في عدة مناطق أهمها الجوف، وبعض جبهات الحدود الشمالية لليمن.
وأكدت أن القائمين على الأوقاف يصرون على عدم المساس بمراكزهم المالية، مقابل استمرارهم في تولي بعض الجبهات العسكرية، ويهددون بسقوط تلك الجبهات والانسحاب منها إن تم المساس بمصالحهم.
وأضافت المصادر أن بعض الاشتباكات القبلية في الجوف بين القبائل والحوثي والاغتيالات وموجات التصعيد المتفرقة هناك، تعود في غالبيتها إلى الممسكين بهيئة الأوقاف الذين يعملون على تقوية مراكزهم بإثارة النزاعات هناك، كما حدث في يوليو الماضي.
وقُتل رئيس عمليات المنطقة العسكرية الحوثية السادس أبو عقيل المطري في يوليو الماضي وهو أرفع قائد حوثي يقتل في الهدنة، برصاص مسلحين قبليين بعد خلافات بينهم وبين الحوثي على سجناء، وأدت إلى اندلاع أزمة عميقة بين الحوثي والقبائل، لكنها كشفت أيضا على صراعات واسعة في بنية مليشيا الحوثي الاقتصادية والعسكرية.
غليان شعبي
بلغ أوج الغضب الشعبي في صنعاء ضد الحوثي يومي الـ 25 و 26 من سبتمبر/ أيلول الماضي حيث خرج غاضبا بعشرات الآلاف في عدة محافظات أهمها صنعاء والحديدة وإب، واجهها الحوثي بخطف أكثر من 1500 شاب، من المعترضين على تدنيس الحوثي للعلم الجمهوري.
كما أدى الخروج العفوي الذي جاء مع الأنباء التي كانت تتحدث عن توجه حوثي حقيقي لتغيير النظام الجمهوري وإنشاء نظام آخر يجمع بين خبرة الإمامة، ونظام ولاية الفقيه، والاستبداد الكوري الشمالي، إلى عرقلة ذلك المسعى مؤقتا، على الأقل.
لكن العدوان الصهيوني على غزة والدعم الغربي أدى إلى انشغال مؤقت للرأي العام بتلك الهجمات الإجرامية والتي استغلها الحوثي في سحق من يعتقد أنهم معارضوه، وخطف أبوزيد الكميم رئيس نادي المعلمين الذي يقود إضرابا مستمرا منذ أشهر للمطالبة بصرف عشرات آلاف الموظفين في التربية والتعليم.
كما شنت المليشيا خلال هذه الفترة سلسلة من الاعتقالات والخطف بحق عدد من الناشطين، وصولا إلى خطف أبناء وأسر بعض الموظفين المطالبين بالمرتبات لإجبارهم على الصمت، مثل خطف عبدالخالق الحماطي نجل التربوية المشاركة بتأسيس نادي المعلمين الأستاذة حياة منصر لإجبارها على الصمت.
وأمام مظاهر الغضب الشعبي المستمر بالتفاقم والغضب والتحول إلى الفعل والحركة عبر سلسلة من التظاهرات الصغيرة لكن المهمة اضطر عبدالملك الحوثي إلى تجديد وعوده بإحداث تغيير جذري، وأنه يمضي فيه رغم مرور أسابيع طويلة على بدئه، وفق خطاب له في منتصف نوفمبر الماضي، إلا أنه فشل أيضا في تهدئة الشارع رغم انشغال الرأي العام المحلي بمتابعة أخبار العدوان الصهيوني على قطاع غزة.
وعلى نحو مختلف وبشكل ساخر من المزاعم الحوثية أنه يقف ضد الاحتلال الصهيونية بشكل من الأشكال لتهدئة الشارع، بدأ الكثير من المعلقين اليمنيين يسردون مقاطع لجرائم صهيونية بحق الفلسطينيين تتماثل حد التطابق مع الجرائم الحوثية بحق اليمنيين.
وقارن بعضهم بين عدد الأسرى الفلسطينيين الذي قتلوا في سجون الصهاينة منذ 7 أكتوبر، وبين اليمنيين الذين قتلوا في سجون الحوثيين جراء التعذيب أيضا في الفترة نفسها، ويقدر عددهم في الحالة الأولى بسبعة أسرى فلسطينيين، وأربعة يمنيين في سجون الحوثي، وحيث لم تنجح إجراءات الترهيب الصهيونية فقد فشلت الحملات الترهيبية الحوثية أيضا.
على العكس من ذلك نظم نادي المعلمين أول تظاهرة له أواخر نوفمبر الماضي للمطالبة بإطلاق سراح قيادات نادي المعلمين ومؤسسي النادي في عدة محافظات، وللمطالبة بالمرتبات، في أحد أهم المؤشرات على العودة للاحتجاجات الميدانية بشكل أقوى مما كانت عليه قبل طوفان الأقصى وتظاهرات 26 سبتمبر.
وقال النادي في سلسلة بيانات له إن الاعتقالات والخطف واعتقال الأطفال والأقارب كرهائن لن يرهبه، وسيستمر في مطالبه.
بينما عادت تظاهرات بعض شركات القطاع الخاص الذي تتعرض للتجريف الحوثي وخطف مؤسسيها وملاكها، ونظم عشرات الموظفين في شركة برودجي سيستمز تظاهرات في أواخر نوفمبر الماضي للمطالبة برفع اليد الحوثية عن شركتهم وإطلاق سراح مؤسسها ومالكها الذي يحاكمه الحوثي بمحكمة جزائية بتهم التآمر والخيانة.
إلى الشمال قليلا من صنعاء وتحديدا في محافظة عمران، رفض مزارعو القات في في حرف سفيان الذي يتمتع فيها الحوثي بنفوذ كبير قرارات حوثية بفرض ضرائب جديدة على منتجاتهم التي تتوجه إلى مأرب وشبوة والمحافظات المحررة، وأدت لانقسامات عميقة بين قيادة الحوثي الجشعة على جباية الأموال، وبين بعض القبائل التي كانت على مدى عقدين ماضيين موالية للجماعة ومنخرطة بقوة في مشروعها.
أما في الحديدة في فبدأ صوت المحتجين من قطاع النقل بالارتفاع أكثر فأكثر نتيجة سلسلة من قرارات حوثية استحوذت على قطاع النقل من الموانئ إلى المحافظات، وقطع طريق صنعاء الحديدة، وتحويل مساراته إلى ذمار والمحويت وحجة، ما ينذر بأزمة جديدة في الموانئ التي صارت واحدة من أهم مصادر الإيرادات الحوثية.