مع اندلاع الحرب في اليمن، قبل تسع سنوات تعرضت العديد من القطاعات العامة في محافظة تعز (جنوب غرب البلاد) للدمار والخراب، وكان للكهرباء نصيبها من هذا الدمار الذي استمر حتى اللحظة، وسط مطالبات دائمة لإعادة تشغيلها ووعود حكومية متكررة لم تلق النور بعد.
غياب الكهرباء العامة في تعز، فتح المجال لأصحاب المولدات التجارية، الذين يستخدمون شبكة الكهرباء العامة، إلى التحكم بأسعار الطاقة دون أي رقابة من قبل الجهات المسؤولة، مستغلين حاجة أبناء مدينة تعز إلى الطاقة، ليصل سعر الكيلو وات الواحد إلى 1000 ريال.
مؤخراً لجأ أبناء تعز للاحتجاجات الشعبية على مسارين، في شبكات التواصل الاجتماعي، وعلى الأرض، للمطالبة بعودة الكهرباء العامة، حيث أطلقوا حملة إلكترونية عبر شبكات التواصل الاجتماعي، تحت هاشتاح (#تعز_طافي)، فيما يحتشد آخرون أمام محطة عصيفرة لصلاة الجمعة، للمطالبة بإعادة تأهيل وتشغيل الكهرباء الحكومية المتوقفة.
تداعيات الحرب
توقفت الكهرباء العامة في مدينة تعز عام 2015، نتيجة الحرب التي أشعلتها مليشيا الحوثي المدعومة من إيران، حيث تعرضت محطة عصيفرة للقصف، وانقطعت كهرباء المخا والحديدة ومأرب، وعزلت المدينة عن محطة الحوجلة التي كانت تصل إليها الكهرباء من هذه المحافظات، ومن ثم يتم توزيعها على مدينة تعز ومديرياتها.
مدير مؤسسة الكهرباء في تعز،عبدالكريم البركاني، قال إنه "لا توجد محطة توليد للكهرباء في المدينة تكفي لتغطية كامل المدينة".
وأضاف في حديث لـ "يمن شباب نت"، أن "تعز كانت تحصل على الكهرباء من المحطات المركزية (المخا والحديدة ومأرب) وكانت الكهرباء تصل الى محطة التحويل الرئيسية بمنطقة الحوجلة بنظام 132 KV ومنها تخرج إلى محطات تحويل فرعية بنظام 33 KV موزعة داخل مدينة تعز وبعض المديريات".
وأشار البركاني، إلى "أن محطة التحويل الرئيسية بمنطقة الحوجلة ما تزال مع مليشيات الحوثي وكذلك خطوط النقل التي كانت توصل الكهرباء من محطات التوليد المركزية إلى محطة الحوجلة لازالت كلها بمناطق تحت سيطرة المليشيات".
محطة عصيفرة
وفي الوقت الذي يقول فيه، مدير كهرباء تعز عبدالكريم البركاني، إن "محطة عصيفرة، لا تستطيع تغطية مدينة تعز بالكهرباء حتى وإن تم اصلاحها لأنها في أحسن الأحوال تنتج 10 ميجا وهي غير كافية لتعز"، يرى الناشط فهد المخلافي أن إصلاح المحطة ضرورة أساسية حتى وإن كانت ليست كافية، لكنها بداية لفتح المجال أمام عودة الكهرباء وإنشاء المحطة الجديدة.
وقال المخلافي لـ "يمن شباب نت، "أعتقد أنه ليس هناك عائق معين بحد ذاته بشأن عودة تشغيل الكهرباء العامة.. دائماً مبررات المؤسسة العامة للكهرباء عدم توفر ميزانية تشغيلية لصيانة محطة كهرباء عصيفرة".
وأضاف: "كل ما تحتاجه محطة كهرباء عصيفرة الصيانة.. وكان يفترض أن تقوم المؤسسة العامة للكهرباء بتشغيل المولدات المتنقلة الموجودة داخل حوش المؤسسة التي يبلغ عددها 19 الجاهز منها باستطاعتهم أن يشغلوا خمس مولدات، وصيانة المولدات الأخرى، وهذا يفتح المجال أمام إنشاء المحطة 30 ميجاوات التي وجه الرئيس هادي بإنشائها.
بدروه اتهم رئيس جمعية حماية المستهلك عمر الحميري، السلطة المحلية بعدم الجدية، في تنفيذ المشاريع التي أقرتها الحكومة قبل ثلاث سنوات، بما في ذلك مشروع صيانة محطة عصيفرة التي انتهت المدة الزمنية المحددة لتنفيذها، وقرار إنشاء محطة كهرباء بقدرة 30 ميجا واعتماد ميزانية تنفيذها.
وقال الحميري، في حديث لـ "يمن شباب نت"، "هناك إهمال متعمد وعدم جدية من قبل المسؤولين بدليل تزامن الاهتمام الرسمي مع ارتفاع الاحتجاجات الشعبية واكتفاء السلطة المحلية باجتماعات شكلية وزيارات ميدانية، إضافة إلى تكرار وعود الحكومة ورئيس مجلس الرئاسة في كل مناسبة دون تنفيذ".
وبشأن كلفة إعادة تأهيل كهرباء عصيفرة، قال الحميري، إن "الدراسات والأرقام التي تم رفعها لوزارة الكهرباء والحكومة بشأن احتياجات صيانة محطة عصيفرة، لا تشكل صعوبة مالية للحكومة".
احتياجات كبيرة.. ووعود مكررة
شبكة الكهرباء في تعز واحدة من أكبر المؤسسات الحكومية التي تعرضت للدمار والتخريب، وما تبع ذلك من استغلال أصحاب المولدات التجارية لإمكاناتها دون أي رقابة حكومية، ونتيجة لهذا الدمار تحتاج شبكة تعز لإعادة التأهيل وإصلاح المحولات الناقلة.
وفي هذا السياق يؤكد مدير فرع المؤسسة عبدالكريم البركاني، "إنه جرى عمل دراسة من قبل مهندسي محطة عصيفرة لجميع احتياجاتها من مواد وقطع غيار وأدوات وبرامج تشغيل المولدات وإصلاح وترميم خزانات الوقود وخزانات المياه والمضخات وجميع احتياج المحطة".
وأضاف أنه "تم ارسال الدراسة عدة مرات إلى الادارة العامة للكهرباء بعدن ووزارة الكهرباء والطاقة ومنها إلى رئاسة الوزراء لطلب تكاليف إصلاح وصيانة وإعادة تأهيل المحطة ولكن للأسف لم نلقى أي استجابة حتى يومنا هذا".
وأوضح البركاني، أنه أرسل الدراسة إلى الحكومة منذ تعيينه في عام 2021، أكثر من 3 مرات وسلم نسخه منها للسلطة المحلية بتعز لمتابعة الحكومة، إلا أنها وقفت في أدراج رئاسة الوزراء من وقتها".
وتابع: في فبراير 2022 تم طلب إعادة إعداد وثائق للمناقصة نفسها مرة أخرى وتم اعدادها ورفعها من وزارة الكهرباء إلى مجلس الوزراء في شهر يونيو 2022ومن وقتها لازالت في رئاسة الوزراء لم تناقش أو تقر.
من جانبه أشار الناشط المخلافي، إلى أن السلطة المحلية جددت وعودها في متابعة رئيس مجلس الرئاسة الدكتور رشاد العليمي الذي أبدى استعداده وتعاونه مع مدينة تعز وتم التواصل مع البرنامج السعودي لإعادة إعمار اليمن الذي وعد بتوفير هذه الطاقة الإنتاجية 30ميجا وات لمدينة تعز.
محطة 30 ميجاوات
في يونيو 2018 وجه الرئيس السابق عبدربه منصور هادي، رئيس الحكومة حينها (أحمد عبيد بن دغر)، باعتماد 30 ميجاوات محطة كهرباء لمدينة تعز، لكن ذلك التوجيه، لم ينفذ نتيجة الأحداث في البلاد، حيث جرى إقالة بن دغر بعد هذا التوجيه بأربعة أشهر.
وفي فبراير 2022، وجه المجلس الأعلى للطاقة، بإنشاء محطة توليد كهرباء لمدينة تعز بقدرة 30 ميجاوات، لكن دون جدوى، وحاليا وحسب مدير مؤسسة الكهرباء في مدينة تعز عبدالكريم البركاني، فإن رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي تواصل مع البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن لتوفير محطة توليد جديدة بقدرة 30 ميجا لمحافظة تعز.
وأكد البركاني، أن "الاخوة في البرنامج السعودي استجابوا لطلب الرئيس العليمي، وتم تواصلهم معنا ومعرفة احتياج تعز للمحطة وتم اعطائهم كافة البيانات والدراسات لاحتياج تعز لمحطة توليد جديدة، ونحن منتظرون أن تستكمل إجراءات البرنامج السعودي للبدء في تنفيذ وبناء هذه المحطة".
وقال مدير كهرباء تعز، في هذه المرحلة نأمل أن تستجيب الحكومة لطلباتنا لإصلاح شبكة الضغط العالي والبنية التحتية للكهرباء، وإعادة تأهيل محطة عصيفرة، حتى نكون قادرين على استيعاب وتصريف الطاقة الكهربائية التي سوف نحصل عليها من المحطة الجديدة التي سيقوم بتنفيذها البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن بالإضافة الى ما سيتوفر من طاقة كهربائية إذا تم اصلاح وصيانة وتشغيل محطة عصيفرة الحالية.
الكهرباء التجارية واستغلال المستهلك
يعمل تجار الكهرباء الخاصة في تعز، دون أي تراخيص أو قوانين تعمل على تنظيم عملهم، فقد سلمت السلطة المحلية لهم شبكة الكهرباء العامة المنخفضة، بشكل مخالف للوائح والقوانين.
ووفقا لرئيس جمعة حماية المستهلك، فإن "السلطة المحلية في تعز لم تقم بحماية المستهلك من استغلال ملاك المولدات الخاصة وتسعيرتها الباهظة".
وأضاف الحميري، أن استغلال المواطنين مستمر نتيجة امتناع المحافظ ومدير عام فرع المؤسسة العامة القيام بواجبهم في تنفيذ قانون الكهرباء الذي ينظم عملية الاستثمار في خدمة الكهرباء ويضع لها شروط والتزامات تمنع استغلال المواطنين.
وأشار الى أن "السلطة المحلية تستمر في مخالفة القوانين والتستر على عملية استغلال المواطن من خلال تكرار التصريحات بأنها سوف تلزم ملاك المولدات بالتسعيرة التي تحددها، في حين لا يملك المحافظ أو مدير فرع المؤسسة صلاحية فرض تسعيرة عليهم".
وحمل الحميري، محافظ المحافظة "نبيل شمسان" مسؤولية تقديم تسهيلات مخالفة لملاك المولدات بالقول: "الحقيقة الكاملة أن المحافظ مسؤول عن عملية الاستغلال البشع طوال سنوات كونه قدم تسهيلات غير قانونية ومخالفة لحدود صلاحياته بالتوجيه بالسماح لملاك المولدات الخاصة من استغلال شبكة الكهرباء العامة وتمكينهم من استغلال حاجة المستهلك للخدمة دون الحصول على تراخيص تنظم التسعيرة العادلة.. وأصبحت هذه الشركات الخاصة مستفيدة من استمرار غياب الكهرباء العامة بالأرباح الضخمة غير المشروعة".
وأشار المحامي الحميري إلى أن بالإمكان للمحافظ ومدير فرع المؤسسة إلزام ملاك المولدات من استخراج تراخيص من الجهة المختصة وهي وزارة الكهرباء والمجلس الاعلى للطاقة خلال مهلة محددة، أو تقديمهم إلى النيابة العامة بتهمة استغلال شبكة الضغط المنخفض للكهرباء العامة دون تراخيص، واتخاذ الإجراءات بحقهم وتوقيف نشاطهم، وتسهيل استغلال الشبكة لأي مستثمر يستخرج ترخيص ويلتزم بتسعيرة الوزارة حتى عودة الكهرباء العامة وتشغيل المحطة الحكومية.