في زيارة هي السادسة من نوعها بشكل علني منذ منتصف2021؛ وصل الخميس الماضي وفد عماني إلى صنعاء رفقة القيادات الحوثية المقيمة في مسقط، لبحث ما قال محمد عبدالسلام فليتة القيادي الحوثي إنه لتقييم المرحلة السابقة ومحاولة استئناف المفاوضات.
الزيارة الجديدة للوفد العماني، جاءت بعد تصدع واسع على ما يبدو في العلاقات بين مليشيا الحوثي وسلطنة عمان، التي تعد بالنسبة للحوثي المدعوم إيرانيا كما الرياض بالنسبة للحكومة اليمنية الشرعية..
في آخر خطاب له قبل أسبوع؛ قال عبدالملك الحوثي، إن "سلطنة عمان قد حصلت على مهلة كافية للتقدم في المفاوضات دون جدوى"، على حد تعبيره.
هجوم حوثي على الدور العماني
مع الزيارة الجديدة التي لازالت قائمة للوفد العماني؛ شنت وسائل الإعلام الحوثية نقدا شديدا وهجوما حادا على الدور العماني في اليمن على مستويات متعددة؛ شملت الصحف الكبرى ومواقع الجماعة وعلى وسائل التواصل الاجتماعي.
وقالت صحيفة الثورة الخاضعة للحوثي في كلمة بلسان رئيس تحريرها عبدالرحمن الأهنومي إن المليشيا منحت الوسطاء وقتا يقترب من عام لتحقيق إنجازات دون أن يفعل شيئا.
وقال الأهنومي في مقاله: "القيادة أتاحت الفرص طويلة أمام الوسطاء العمانيين(....) وأطالت فترة خفض التصعيد أشهر طويلة وإلى اليوم، وفيما كنا ننتظر حدوث تطورات إيجابية خلال كل هذه المدة، وننتظر صرف المرتبات وفتح المطار كاملا والموانئ بدون أي عوائق".
وأضاف، "كان المنتظر أن ينجز الوسطاء شيئا إيجابيا أو أن يلتزم التحالف بخطوة واحدة على الأقل صرف المرتبات، إذا بنا نواجه حربا إعلامية ودعائية وتحريضية ".
كما اعتبر الكاتب الحوثي، أن فترة التخفيض أو الهدنة غير المعلنة تحولت إلى فرصة للتحالف لتثوير الناس على حكومة المليشيا (غير المعترف بها).
وبينما أشاد الكاتب في مقاله المعنون بـ" الوسيط العماني أهلا ومرحبا.. ولكن"، بأن جهوده وموقفه مقدرة من قبل المليشيا، إلا أن الثقة بها، قد قلت إلى حد كبير.
وأشار الأهنومي إلى أن الرحلات العمانية إلى صنعاء لم يعد لها قيمة في نظر أكثر الشعب، وهي نموذج لرحلات إضاعة الوقت، من أجل الوساطة ذاتها، وليس من أجل الحلول.
واعترف الكاتب أن الموقف الحوثي المتشدد تجاه السلطنة هذه المرة نتيجة الضغط الشعبي، بقوله إن "التحالف عمد إلى تفعيل الخطة ب التي تشمل إسقاط القلعة من داخلها".( في إشارة واضحة لحجم الضغط الشعبي الذي يهز الجماعة ويصدع بنيانها).
وفي مؤشر آخر على حجم التصدع في العلاقة؛ قال الكاتب الحوثي إن "على السلطنة أن تصارح التحالف (بقيادة السعودية) وتحمله المسؤولية في انهيار الجبهات".
أكثر من ذلك، نشر موقع "أنصار الله" الحوثي، وقناة الميادين الإيرانية التي تبث من بيروت تعليقات مشابهة لفقدان الثقة بالدور العماني.
وقال الموقع الأول، اليوم السبت إن زيارة الوفد العماني جاءت بعد تهديدات الحوثي الذي قال إن الوساطة أخذت وقتها الكافي، وأشارت إلى أنه لم يعد هناك مجالٌ لمحاولات كسب المزيد من الوقت.
بينما كانت التصريحات حادة من قبل قادة المليشيا في صنعاء؛ كانت تصريحات محمد عبدالسلام أقل حدة حيث اعتبر أن الزيارة "لإحياء العملية التفاوضية وتقييم المرحلة".
وقال فليتة في تصريحات لمواقع محلية لم ينشرها ولم يعد تغريدها على حسابه بتويتر "إذا لم تبدأ العملية التفاوضية بتنفيذ البنود الإنسانية فلا يمكنُ البناءُ على نوايا إيجابية للطرف الآخر" .
وأضاف، "يقصد بالبنود الإنسانية لا بد أن يتم البدء من تحسين وضع المطار والموانئ وإزالة الكثير من القيود؛ لأَنَّ الحصار ما يزال قائمًا على كُـلِّ الأصعدة".
بينما قال ياسر الحوري أمين سر المجلس السياسي الأعلى للحوثي، أن الخيارات المطروحة في هذه الفرصة الأخيرة هي "إما حلولٌ مُرضية تُنهي العدوان والحصار، أَو الانتصار لمظلومية اليمن عسكريًّا وبكل الوسائل المتاحة".
اتهامات للسلطنة بالوقوف مع السعودية
في إطار التقليل من الدور العماني والتشكيك به، اعتبر ضيف الله الشامي وزير الإعلام الحوثي، أن الوفد العماني الحالي يهدف لامتصاص الغضب الحوثي من تعثر المفاوضات ومخدر موضعي.
بينما يرى عضو المكتب السياسي للمليشيا عبدُالوهَّـاب المحبشي، في حديث لقناة “الميادين” أن "وصول الوفد العماني إلى صنعاء يبعَثُ على القليل من التفاؤل"، ويشير إلى أن "واشنطن تريد أن تفرض في اليمن معادلة تشبه معادلة غزة".
واتهمت القيادة الحوثية سلطنة عمان بالازدواجية والانحياز للولايات المتحدة: "من أهم أسباب انخفاض منسوب التفاؤل، إلى جانب نتائج المرحلة الماضية لقاءات المسؤولين الأمريكيين في الأيام القليلة الماضية بقيادات عمانية جعلت احتمالاتِ نجاح جهود الوسطاء غير واضحة."
على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي كتب صلاح الدكاك أحد أبرز صحفيي المليشيا اتهاما صريحا لسلطنة عمان بالنفاق، وقال:" كلما كاد العالم المنافق يصلى نارنا سارع الإطفائي العُماني ودفع النار بعيداً عنه، لنعيش في قعرها بوعد التخفيف من لهبها".
أكثر من ذلك ذهب الدكاك لاتهام السلطنة بمساعدة التحالف ومن يسميهم الولايات المتحدة وبريطانيا لاحتلال مزيد من الأراضي اليمنية، بقوله" أمريكا وبريطانيا تضاعفان انتشارهما ونشاطهما الاستعماري العسكري الاستخباري المباشر في الأراضي والمياه اليمنية المحتلة بالتزامن مع زيارة وفد السلطنة لصنعاء التحرير ليس حصيلة عمل تفاوضي والوقت من ذهب".
بينما سخر خليل العمري مراسل قناة المنار التابعة لحزب الله المصنف إرهابيا ردا ساخرا على صلاح الدكاك قائلا: "خليك مسلّم...اقفز سلّم معهم وبا تحصل لك ساعة".
ما أسباب تصدع العلاقة؟
وعن سبب تصدع العلاقة بين الحوثي وسلطنة عمان، يشير الكاتب اليمني هشام المسوري إلى أن أحد أهم أسباب تصدع العلاقات بين الطرفين يرتبط بطبيعة الحوثي نفسه وتنصله عن الالتزامات، وعدم قدرته التحول إلى مرحلة سلام.
وقال المسوري لـ"يمن شباب نت"، إن "سلطنة عمان انتزعت من السعودية عدة تنازلات خلال المرحلة الماضية: مثل الغاء الضرائب على الوقود من موانئ الحديدة، فتح الموانئ أمام الحاويات، الموافقة على صرف المرتبات من النفط والغاز فقط".
ولفت إلى أن هذه كانت أهم المطالب الحوثية التي كانت تبدو مستحيلة أن تتنازل عنها السعودية والحكومة دون تنازل مقابل من الحوثي.
وتابع: "رغم تلك التنازلات لم تنتزع السعودية من الحوثي عبر الوسيط العماني وبالتالي صارت العلاقة بين الطرفين -مسقط والحوثي- متوترة، ولن تفرط السلطنة بالسعودية ولا مصالحها من أجل الحوثي".
بينما يفسر آخرون من مليشيا الحوثي الحملة اللاذعة على وسائل التواصل التي تستهدف الوفد العماني، إلى تيار حوثي نمت أرباحه من الأوضاع الحالية، وصارت له مصالح يخشى فقدانها، خاصة بعد أن هدد الحوثي عبدالملك بأنه سيغير وضع المؤسسات الرسمية في مناطق سيطرته.
وتذهب الاتجاهات الداعمة لهذا الرأي بالقول إلى أن القيادي الحوثي أحمد حامد تحديدا والتيار المنتظم معه هو من يقف خلف التقليل من أهمية الزيارة العمانية، ولا يريد لها نجاحا.
وهذا التوتر في العلاقة بين الحوثي وعمان، كانت قد استشفته صحيفة الرياض السعودية التي نشرت تقريرا عن الجهود السعودية في اليمن، والتأييد الواسع لها على جميع المستويات بما فيها سلطنة عمان.