مع انقلاب جماعة الحوثي على الدولة في سبتمبر أيلول 2014 عملت الجماعة على إحياء الخرافات الدينية التي تساهم في تمكين الجماعة من الحكم، وفقا لمنهج الحق الإلهي بالحكم والذي تؤمن به الجماعة، وتعمل على ترسيخه في أذهان الشعب.
وسياسة الحوثيين هذه تأتي امتدادا لفكر الإمامة التي عمل الأئمة على فرضه على الناس في مراحل مختلفة من التاريخ، وهي السياسة الراسخة لدى المذهب الزيدي والمذهب الاثنى عشري وبقية مذاهب الشيعة، حيث يعمل الحوثيون على ترسيخ الجهل باعتباره البيئة الخصبة لنمو الخرافات الدينية.
وقد ابتكر الهاشميون العديد من الخرافات مثل تقبيل الركب، والحديث عن خوارق العادات، وكرامات الأولياء، وادعاء طهارة نسلهم دون بقية الناس، وبالتالي لا يجوز تزويج الهاشمية من غير الهاشميين، تحت مبرر الحفاظ على طهارة النسل.
خرافات مشتركة
ورأى الباحث السياسي نبيل البكيري "إن التدين الشعبوي هو البيئة الخصبة للخرافات، وزاد من هذه الخرافات ظهور أفكار مركزية مرتبطة بالدين والسياسة معاً، وفكرة ما يٌسمى بآل البيت هي الفكرة الحاكمة والمولدة لهذه الخرافات".
وأضاف في حديث لـ"يمن شباب نت"، "تتمحور هذه الخرافات حول مكانة أسرة ما تٌسمى بالآل أو كما في مجتمعاتنا بالأسر الهاشمية في المذهبين الشافعي والزيدي، وإن كانت خطوتها في الزيدية أكثر مما هي في الشافعية لكونها ترتبط بالزيدية بفكرة الحق الإلهي في الحكم، بعكس الهاشمية في الشافعية قد لا تستبطن هذا المعنى وإن وجدت فيها بعض الخرافات المشتركة وهي الإعلاء من مكانة ما يسموا بالهاشميين".
وأشار البكيري "إن ظاهرة تقبيل الركب تحضر لدى المؤمنين بخرافات آل البيت في الزيدية أكثر منها لدى الأتباع في الشافعية، وذلك لدلالاتها السياسة الكبيرة، وبقية الخرافات التي أخذت لها مكانة في هذه التراث كمنع تزويج الهاشمية من غير الهاشمي باعتبار ذلك لا يجوز بأنه يضع شريفة تحت رجل تستبطن سرديتهم أنه غير شريف، وإن لم تصرح بذلك".
ولفت "إلى أن الكرامات أيضا هي من ضمن هذه الخرافات، وهي تحضر لدى الجماعات الصوفية أكثر مما هي في الزيدية السياسية، وإن كان الجميع يؤمن بها باعتبارها دليل على أنهم أشبه بأبناء الله وأحبائه من دون الخلق".
وقال البكيري "أن كل هذه الخرافات هي محصلة لحالة الجهل والتجهيل الذي تشتغل عليه الهاشمية السياسية في الزيدية والاجتماعية بالشافعية، فلا يمكن لهذه الجماعات من الوجود والعمل إلا في ظل حالة الجهل والتجهيل الحاصل للأجيال، ومن ثم يتسنى غرس خرافاتهم بين الناس باعتبارها من الدين".
حكم الأئمة والتجهيل
عمل الأئمة قبل منتصف القرن الماضي تحديدا ثورة 26سبتمبر 1967 على ترسيخ الجهل باعتباره البيئة المناسبة لانتشار الخرافات التي تتحدث عن الحق الإلهي بالحكم لمن هم من نسل علي بن أبي طالب، فأوهموا الناس أنهم أصحاب الحق الإلهي المقدس بالحكم، وبالتالي فهم نسل مقدس عن بقية الناس الذين يصفونهم بالرعايا أو بالعرب.
وقال الناشط السياسي سنحان سنان "إبّان حكم الأئمة في دويلاتهم المتعاقبة، كان التعليم والفقه حصرًا على فئات اجتماعية محدودة (الهاشميون-القضاة) ولذلك كان المجتمع يتقبل أي نوع من الخرافات والكرامات المزعومة، خصوصًا أنّ السير التاريخي ارتبط بكونهم من النسل النبوي الذي كان يحظى بمكانة مرموقة لدى المذاهب الإسلامية".
وأضاف في حديث لـ"يمن شباب نت"، "لكن هذه المكانة في اليمن تحولت إلى حالة جبرية واستبداد، أما الغاية من كل هذا فقد كانت الرئاسة والملك هي الهدف الرئيس، والحصول على امتيازات خاصة في السلطة، وامتلاك الأراضي، وسياسة الناس بالكرامات المزعومة التي هي خليط من الدجل والشعوذة".
وأشار سنان إلى "أن تلك الامتيازات التي وهبت قسرًا ولدت الكثير من الممارسات العنصرية الاستعبادية مثل "تقبيل الركب" والتبرّك بالقبور، وحصر المصاهرة الاجتماعية فيما بينهم كونهم "نُطف طاهرة" لا يجب أن تختلط بالآخر كما يذهب إلى ذلك الكثير من فقهاء الهادوية في اليمن".
وتابع: "تاريخيًا بدأت هذه الممارسات مع قدوم الهادي الرسي إلى صعدة أواخر القرن الثالث الهجري، إذ يئس من الملك مع سيطرة بني العباس وفشله في طبرستان، فجاء بهذه الكرامات المزعومة إلى اليمن، وأسس دولته، واستمرت سلالته صعودًا وانحسارًا في السيطرة والهزيمة في أزمنة عديدة".
وقال سنحان سنان "أن الجمهورية جاءت بالنقيض لكل هذا، المواطنة والعدالة الاجتماعية، ولعل نجاحها كان في صعود أول رئيس يمني (السلال) من خارج هذه الطبقة المستعلية التي ترى في رقاب الناس وحياتهم حقًا حصريًا لها بالنسب والوراثة".
ويسير خطاب الخرافة ضمن حالة التدجين المجتمعي لصالح حكم السلالة وهذا مسار سياسي وليس ديني، وتحاول ميلشيات الحوثي تكريس هذا الخطاب كحالة قسرية في كل مناحي الحياة، فمنذ سنوات تستخدم المساجد والمدارس والمؤسسات الحكومية لترسيخ أفكارها الماضوية والتي تجاوزتها الجمهورية.