مع انطلاق العام الدراسي الجديد في العاصمة اليمنية صنعاء، يشكو عبد السلام (47 سنةً) وهو عامل بالأجر اليومي وأب لستة أطفال، من عدم مقدرته على شراء المستلزمات المدرسية وتوفير تكاليف التعليم لأطفاله، على غرار ملايين اليمنيين المتعبين والمثقلين بهموم الحرب في مناطق سيطرة ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران.
ومؤخرا دشنت ميليشيات الحوثي بدء العام الدراسي الجديد، لجميع المراحل الدراسية مطلع الأسبوع الجاري 22 يوليو/ تموز الجاري، في ظل استمرار انقطاع رواتب المعلمين في مناطق سيطرتها للعام السابع على التوالي، بالإضافة إلى تردي الوضع المعيشي للسكان.
ويستقبل أولياء أمور الطلاب في صنعاء ومناطق سيطرة الحوثيين العام الدراسي الجديد هذا العام، وسط ظروف اقتصادية بالغة الصعوبة مع انعدام فرص العمل وانقطاع الرواتب الحكومية وارتفاع أسعار السلع والخدمات الأساسية خصوصاً احتياجات الطلاب ورسوم التسجيل في المدارس الحكومية والخاصة.
عام دراسي بظروف قاسية
يقول عبد السلام لـ "يمن شباب نت": "إن تكاليف تعليم أطفاله الذين يواصلون تعليمهم في إحدى المدارس الحكومية، أثقلت كاهلة، إذ يشكو من ارتفاع أسعار المستلزمات المدرسية ورسوم التعليم الدراسية، بالإضافة إلى الرسوم التي فرضها الحوثيين على الطلاب والطالبات في مناطق سيطرتهم".
وأضاف "احتاج إلى نحو 8 ألف ريال يمني شهرياً (530 للدولار) هي فقط رسوم ما يسمى بـ المساهمة المجتمعية التي تفرضها المدارس الحكومية على أولياء أمور الطلاب في صنعاء في حين يحتاج إلى أكثر 50 ألف ريال يمني في شراء مستلزمات مدرسية مثل الزي المدرسي وغيرها من الاحتياجات المدرسية الأخرى".
وتابع عبد السلام "في الوقت الحالي أحتاج إلى نحو 70 ألف ريال يمني في بداية العام الدراسي الجديد"، وأشار أن هذا المبلغ يمثل عبئًا ماليًا كبيراً عليه فهو يعمل بالأجر اليومي بمهنة الكهرباء ومنذ فترة طويلة وهو عاطل عن العمل ويعيش ظروفا معيشية قاسية.
ويشكو عُمال المهن اليومية المختلفة في العاصمة صنعاء، من انعدام فرص العمل، وركود غير مسبوق في قطاع الأعمال في ظل تدهور الأوضاع المعيشية وارتفاع أسعار السلع والخدمات الاستهلاكية بالتزامن مع الاستقرار الوهمي لأسعار الصرف في مناطق سيطرة ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران.
بدائل باهضة الثمن
بات التعليم في المدارس الخاصة مرهقًا اقتصاديًا للكثير من المواطنين، فبعض المدارس عملت مؤخراً على رفع رسوم التسجيل للعام الدراسي إلى نحو 200 ألف ريال يمني أي ما يعادل نحو 400 دولار أمريكي بسعر صرف الدولار في صنعاء.
ومع تدهور التعليم في المدارس الحكومية وإقبال أولياء أمور الطلاب الميسورين في صنعاء على تعليم أطفالهم في المدارس الخاصة عملت المدارس الأهلية على مضاعفة الرسوم الدراسية، مستغلين إقبال أولياء أمور الطلاب.
ليس بمقدور "عبد السلام" تعليم أطفاله في المدارس الخاصة فهو حسب قوله لا خيار أمامه سوى تعليمهم في المدارس الحكومية لن ظروفه المعيشية لا تسمح بذلك حيث أنه بالكاد نتمكن من شراء الأشياء الضرورية.
ثم يضيف لـ "يمن شباب نت": "لا يوجد تعليم في المدارس الحكومية مطلقاً يذهب الأطفال في الصباح الباكر ثم يعودون بدون أدنى فائدة، يوجد تعليم في المدارس الخاصة، وهي عالية التكلفة فقط أبناء التجار وأصحاب الأموال هم من يستطيعون الدراسة فيها".
وفي مساعي حوثية لمحاربة التعليم في المدارس الخاصة شرعت مليشيا الحوثي في تنفيذ اجراءاتها الجديدة ضد المدارس الأهلية في أمانة العاصمة، ومناطق سيطرتها، وذلك بالتزامن مع بدء العام الدراسي الجديد 2023 - 2024.
وخلال الأسابيع الماضية بدأت المليشيا بعمل إجراءات جديدة تهدف من خلالها ممارسة التعسف ضد المدارس الأهلية في مناطق سيطرتها، من خلال فرض مشرفين طائفيين لمراقبة الأنشطة المدرسية في كل مدرسة، وإلزام المدارس بصرف الراتب لكل مشرف.
وعلى مدى سنوات تعرض القطاع التعليمي لانتهاكات عدة من قِبل الحوثيين، طوال السنوات الماضية، في مسعى من الجماعة المدعومة من إيران لنشر فكرها العقائدي والطائفي.
مستقبل مجهول
يخشى محسن ناصر (45 سنةً) على مستقبل أطفاله فهو متشائم جداً من تعليم أطفاله في المدارس الحكومية نتيجة تدهور العملية التعليمية فيها، بالإضافة إلى العمل الممنهج من ميليشيا الحوثي في استقطاب الطلاب إلى صفوهم سواء من خلال تعديل المناهج، او التوعية التي يقومون بها من قبل مدرسين تابعين لهم.
وقال في حديث لـ "يمن شباب نت"، "أن العملية التعليمية في صنعاء منهارة، هناك بعض المدارس الخاصة التي هي باهظة التكلفة علينا في ظل حالة الحرب وسوء المعيشية في البلاد، لم نعد قادرين على تلبية احتياجاتنا المعيشية، ناهيك عن دفع رسوم للمدارس".
وللعام التاسع على التوالي تشهد العملية التعليمية في العاصمة اليمنية صنعاء والمناطق الخاضعة لسيطرة ميليشيا الحوثي تدهورا هو الأسوأ، خصوصاً منذ انقطاع رواتب المعلمين في سبتمبر/ أيلول 2016، وصولاً إلى استخدام الميليشيات الحوثية للمدارس الحكومية والخاصة لنشر أفكارها الطائفية بين أوساط الطلاب وتغيير المناهج التعليمية.
وخلال الأعوام الماضية عملت الميليشيا الحوثية على تدمير العملية التعليمية وتجريف المناهج الدراسية خاصةً في كتب التاريخ والتربية الإسلامية واللغة العربية وحذف أجزاء من تاريخ الحضارات اليمنية القديمة وتم استبدالها بخرافات طائفية وتمجيد رموز الجماعة الحوثية، والتحريض عن العنف والموت.
كما عملت ميلشيات الحوثي على غرس الأفكار الطائفية في المدارس الحكومة وتشويش عقول الطلاب من خلال تكثيف الأنشطة والفعاليات الطائفية وفرض شعارات الجماعة الحوثية، ساحات وجدران المدارس وسط مخاوف كبيرة بين أوساط المواطنين من تدمير مستقبل أطفالهم.
التعليم والمستقبل
وعن تأثير تغيير المناهج من قبل الحوثيين قال أمين عام نقابة المعلمين اليمنيين حسين الخولاني "نتوقع في المستقبل، أن يكون المجتمع ملغّما تماماً بأفكار طائفية، قد تؤدي الى المزيد من التفكك والتناحر. فأطفال اليوم، في مناطق سيطرة الحوثيين سيحملون في المستقبل أفكارا عدائية، قد تصل لتطال آبائهم".
وأضاف في مقابلة مع "يمن شباب نت" {نشرت سابقاً} "الواقع؛ أن المليشيا قد غيرت في المبادئ والأسس، التي وضعتها الأهداف العامة للتربية القائمة على أُسس دستورية وقانونية وفقاً لدستور الجمهورية اليمنية. وقامت بتشويه موضوع الجمهورية، بصورة أو بأخرى، في محاولة لإعادتها إلى الخلف".
ولتحصين الشباب والنشئ قال الخولاني "على المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية، ممارسة الضغط على المليشيا لإجبارها على عدم تسيس التعليم وتطييفه باعتباره حق للجميع، وأناشد الآباء، وأولياء الأمور عموماً، بأن ينتبهوا على أولادهم، ويجتهدوا في تحصينهم قدر الإمكان من هذا المد الطائفي".