يعد المواطن اليمني رائحة الفل من أساسيات البهجة والفرح حيث يقدم كهدايا بين المحبين والعشاق ويضفي برائحته الزكية نشوة أخرى للسمر في مختلف المحافظات اليمنية.
ويعتبر الفل نباتا عطريا ويطلق عليه بـ"سيد الروائح الطبيعية في اليمن" نظرا لرائحته الزكية وأسعاره المتواضعة ومكانته منذ القدم وسمو ورفعة من يرتديه.
وتشتهر محافظات يمنية كالحديدة غربا و لحج جنوبا بزراعة "الفل" وتصديره إلى مدن ومناطق أخرى بأسعار مختلفة تتناسب مع متوسطي الدخل من عشاق الروائح الطيبة والمحبين وأصحاب المناسبات.
ويتصدر الفل قائمة الروائح والطيب في المناسبات اليمنية، حيث لا تخلو حفلة يمنية من رائحته الزكية وعقوده البديعة بأشكالها وألوانها البيضاء الزاهية.
ويرتبط الفل بعادات وتقاليد يمنية من خلال ارتدائه في حفلات الزواج والتخرج في الجامعات الأمر الذي جعله يحظى بالاهتمام من قبل اليمنيين منذ القدم. حيث ذكر الفل في الأشعار القديمة والحديثة واقتحم عالم الفن بأغانِ عدة منها أغنية للفنان الراحل محمد مرشد ناجي بعنوان "الفل والورد".
وعلى الرغم من إجماع اليمنيين على مكانة الفل كسيد الروائح إلا أنها تتفاوت من محافظة إلى أخرى ففي الساحل الغربي يعتبر الفل من الأولويات لدى المواطن التهامي خاصة في ليالي فصل الصيف والأيام المقمرة ويومي الخميس والجمعة.
ويستبشر العاملون في زراعة الفل وجنيه وبيعة في الأسواق هذا العالم بقدوم الصيف، متوقعين زيادة الطلب على عقود الفل والحصول على مردود مالي يساعدهم على احتياجاتهم الأسرية كما يقول أحد الباعة.
ويرتفع أسعار الفل في فصل الشتاء ما يجعل من الحصول على عقد من الفل بالنسبة للعشاق والمحبين أصحاب الدخل المحدود أمر شبه مستحيلا.
المرأة والفل
يحرص المواطن اليمني والتهامي خاصة على إهداء عقود الفل في جميع المناسبات كالأعراس وحفلات التخرج والسمر وغيرها من المناسبات الاجتماعية الأخرى.
وتتزين المرأة التهامية بعقود الفل بأشكالها المختلفة منها كالقلب يتوسطه عدد من الزهور الصغيرة، وكتاج على راسها مرصع بألوان مختلفة من الورد، فيما يوضع عقد الفل بالنسبة للعريس كقلادة على عنقه يتراوح طوله إلى نصف متر تقريبا.
وتتفاخر النساء في المناطق التهامية بأحجام الفل وأشكاله، فكلما كان الفل ذو حجم كبير وشكل جديد كلما زاد حامله رفعة وجمالا.
ويفضل كثير من التهاميين رائحة الفل في الحفلات والأعراس، فيما تنثر حبات الفل في غرف النوم خلال شهر العسل في مديريات عدة في محافظة الحديدة غربي البلاد.
مصدر دخل
تشتهر محافظة الحديدة غرب اليمن بتصدير كميات كبيرة من الفل، فيما تعتمد كثير من الأسر والأيادي العاملة على زراعته وتصديره إلى المحافظات اليمنية الأخرى كصنعاء وعمران وتعز وحجة وذمار ومأرب وإب وغيرها.
وتقدر مساحة الأراضي التي تزرع الفل بحوالي 16 هكتارا موزعة على عدد من المديريات وهي التحيتا وزبيد وبيت الفقية والعباسي فيما تعتمد كثير من الأسر على زراعته وتصديره بشكل كلي لتوفير احتياجاتها.
ويقول محمد شوقي مالك مزرعة فل في مديرية الزيدية لـ"يمن شباب نت"، إن "غالبية الأسر الفقيرة تعتمد كليا على زراعة الفل او من خلال الأجر اليومي".
بدوره يشكو العامل محمد عياش من تدني الأجور اليومية خاصة في فصل الشتاء، وقال لـ"يمن شباب نت"، إنه يحصل على مقدار 20 % مما يجني وهي نسبة أقل بكثير مما يحصل عليه في موسم الحصاد خلال فصل الصيف والخريف والذي يصل في بعض الأحيان إلى 35% مما تجمعه أنامله في اليوم.
ضرائب وإتاوات حوثية
يواجه بائعو الفل ومصدريه إلى المدن والمحافظات عوائق عديدة في مقدمتها، ارتفاع أسعار المشتقات النفطية والضرائب والإتاوات التي تفرضها نقاط التفتيش المتواجدة على طول الطريق المؤدية للأسواق المحلية.
وبحسب عبده عياش أحد مصدري الفل من محافظة الحديدة الخاضعة لمليشيات الحوثي إلى محافظة مأرب المحررة الخاضعة للحكومة الشرعية فإن تكاليف الحملة الواحدة يفوق قيمة الفل بضعفين وأكثر، نتيجة للضرائب والإتاوات وتكاليف الشحن.
وتمر حبيبات الفل بعدة مراحل ابتداء بقطفها ومن ثم بيعها على تجار محليين يقومون بتجهيزها بواسطة أفراد ذو خبرة وكفاءة عالية تمكنهم من الحصول على أشكال مختلفة من عقود الفل والحفاظ على تناسقها ليبدو أكثر جاذبية ويليق بمن يهدى إليه .
وتختلف أسعار الفل من محافظة إلى أخرى، ففي موطنه الأصلي ( الحديدة ) تتفاوت أسعار عقود الفل وفقا لحجمه وشكله ابتداء من 200 ريال يمني إلى ما يزيد عن 12 ألف ريال يمني بالعملة القديمة المتداولة في المناطق الخاضعة للحوثيين (20 دولارا).
ويتوسط بائعو الفل الأسواق الشعبية، فيما يتجول البعض في تقاطعات الخطوط والجولات حاملين زهور الفل ورائحته الزكية بابتسامة عطرة مبشرة بالود والأمان في بلد يعيش حربا ضروسا منذ ما يزيد عن ثمان سنوات تقريبا.