استنتجت دراسة حديثة صادرة عن المركز الديمقراطي العربي للدراسات الاستراتيجية، أن المسارات السياسية والدبلوماسية المتسارعة للأزمة اليمنية، بالإضافة إلى الوضع على أرض المعركة، تجري وفقا للأطر والمحددات التي وضعت لندن خطوطها العريضة منذ وقت مبكر من الأزمة اليمنية.
وتأتي هذه الدراسة بالتزامن مع تزايد الجهود الدولية والإقليمية لإيقاف الحرب في اليمن والتقدم خطوة نحو تحقيق السلام بعد الاتفاق الأخير الموقع بين الرياض وطهران، وما أعقبها من لقاءات أحادية بين الرياض وقيادات مليشيا الحوثي في صنعاء.
وهدفت الدارسة التي حملت عنوان "الأزمة اليمنية… هل أجمعت الأطراف المتصارعة على الرؤية البريطانية؟"، إلى كشف مدى تكريس الجهود السياسية والميدانية في اليمن لتطبيق الرؤية البريطانية في اليمن، لاسيما المستجدات الحديثة بعد الاتفاق السعودي الإيراني، والمحادثات الجارية بين السعودية والحوثيين بوساطة عمان.
وتساءلت الدراسة التي أعدها "عمرو سعد"، الباحث السياسي في شؤون الشرق الأوسط، عن طبيعة التسوية السياسية القادمة لحل الأزمة اليمنية، والتي ستتوافق عليها الأطراف الاقليمية الراعية لهذا الصراع ؟.
وفي سياق الكشف عن طبيعة هذه التسوية سلطت الدراسة الضوء على الرؤية البريطانية في اليمن باعتبارها أبرز الاجندات المُعدة للوضع في اليمن، والتي لطالما شكلت خطوط عريضة لمسارات الحرب والسلام في اليمن طوال سنوات الاقتتال الثمان.
وأشارت إلى أن الرؤية البريطانية في اليمن، التي كان قد أفصح عنها البريطانيون في وقت سابق من العام 2018، تضع مصيرا مختلفا للمستقبل السياسي في اليمن، من خلال الاعتراف بالأوضاع القائمة في الوقت الحالي، والاقرار بمطالب السيادة الذاتية لأقاليم محلية يسيطر عليها أطراف وجماعات شمالا وجنوبا، خصوصا مع تصاعد مطالب الانفصال في الجنوب، ومطالب الاستئثار بالحكم في الشمال.
الرؤية البريطانية في اليمن
ووفقا للدارسة فإن الرؤية البريطانية في اليمن تُبنى على فكرة تثبيت حكم طائفي موال لطهران في الشمال "جماعة الحوثي"، ومحاولة إقناع السعوديين أن الحوثي منتج يمني خالص ويمكن التعامل معه كما حدث مع أسلافه الأئمة في السابق.
وأوضحت أن ذلك جاء على لسان "مايكل آرون" السفير البريطاني السابق لدى اليمن في العام 2019 في مقابلة لصحيفة سعودية، في دعوة صريحة للرياض للتعامل مع سلطة الحوثي كأمر واقع، مقابل تكريس مشاريع التقسيم في جنوب اليمن من خلال دعم وتغذية الحركات المنادية بالانفصال عن اليمن الواحد، والتي قالت إن الامارات والسعودية تغذي معظمها.
ونوهت إلى أنه وفي هذا السياق، فقد أسندت بريطانيا المهمة للبريطاني "مارتن غريفث" للعمل كمندوب للأمين العام للأمم المتحدة في اليمن، حيث عمل "مارتن غريفث" طوال فترته بما يسمى "الإعلان المشترك" للحفاظ على توازن عسكري وسياسي بين طرفي النزاع، إذ أنه وعقب نجاح اتفاق ستوكهولم عمل على منع سيطرة قوات التحالف على مدينة وميناء الحديدة عام 2018، للحفاظ على منفذ بحري استراتيجي لجماعة الحوثي يمثل العصب الحيوي لها.
تقاسم النفوذ
أوضحت الدراسة أن مسارات الدبلوماسية والجهود المبذولة للتسوية في اليمن تسير في مسار تقاسم النفوذ بين الأطراف الفاعلة على الأرض.
ويرى الباحث "عمرو سعد"، أن جماعة الحوثي هي الرابح الأكبر من هذه الرؤية البريطانية، انطلاقا من التطورات المتتالية التي تشهدها الأزمة اليمنية، اذ تُحقق للجماعة وبصورة رسمية امكانية بسط السلطة وفرض السيطرة السياسية والاقتصادية والثقافية على مناطق شمال اليمن الخاضعة لسلطتها حاليا، وتضمن لها الاستقرار الامني والاقتصادي فيها.
وأشار في هذا السياق إلى المباحثات السعودية الحوثية الأخيرة والتي قال إنها توصلت إلى "اتفاقات تعهدت فيها الرياض برفع الحظر عن مطار صنعاء الدولي، وفك الحصار المطبق على ميناء الحديدة. بالإضافة إلى ضمان امدادات الجماعة من الطاقة الى مناطقها، بصورة مستمرة، وهو ما شددت الجماعة عليه، وذلك مقابل تقديم جماعة الحوثي ضمانات أمنية للمملكة بوقف شن الهجمات العسكرية على أراضيها".
وأوضحت الدارسة، أن الرؤية البريطانية تعمل أيضاً على تعزيز النفوذ السعودي في مناطق اليمن الشرقية، مستغلة النهم السعودي في "الحصول على موطئ قدم لها في المنطقة الشرقية لليمن".
وقالت الدراسة "تسعى المملكة عبر التحركات الفعلية والجدية في محافظات اليمن الشرقية إلى تحقيق أهداف استراتيجية، مرتبطة ببناء أنبوب نفطي ينقل النفط السعودي مباشرة من الأراضي السعودية الى البحر العربي عبر الأراضي اليمنية، بعيدا عن مضيق هرمز الخاضع للتهديدات الإيرانية"، رابطة ذلك بالتواجد العسكري السعودي في المهرة ونشر قوات "درع الوطن" في محافظتي حضرموت والمهرة، وهي قوات أشرفت على تدريبها الرياض.
وحسب الدارسة فإن الرؤية البريطانية تقوم على استحواذ (لندن) على الشريط الساحلي الجنوبي والجنوبي الغربي لليمن، بما في ذلك الجزر الاستراتيجية والموانئ.
ولتنفيذ ذلك عمدت بريطانيا ـ وفقا للدراسة ـ على تقاسم النفوذ في المناطق الجنوبية والجنوبية الغربية، بينها وبين الإمارات والأخيرة اعتبرها الباحث "سعد" بأنها الممثل الفعلي للندن في اليمن وقال إنها تحركت بنهم طوال سنوات الحرب في اليمن للسيطرة على الموانئ الاستراتيجية، وعلى السواحل الجنوبية، والغربية لليمن، والجزر اليمنية، ومضيق باب المندب، بالإضافة الى مناطق النفط والغاز، لاسيما ميناء بلحاف الغازي على البحر العربي، وتشكيل كيانات مسلحة لحماية مصالحها، وجماعات تنادي بالانفصال.
وأوضحت الدارسة أن للندن ـ التي وصفتها بأنها الراعية الرسمية لمشروع تقسيم اليمن ـ عدة اعتبارات لاهتمامها بجنوب اليمن، تشترك فيها مع واشنطن، وهي الحرص على التصدي لأي محاولات صينية محتملة في بسط النفوذ على الموانئ في محافظات اليمن الجنوبية والشرقية.
خلاصة
وخلصت الدارسة إلى أن المسارات السياسية والدبلوماسية للأزمة اليمنية، بالإضافة الى الوضع على أرض المعركة، تجري وفقا للأطر والمحددات التي وضعت لندن خطوطها العريضة من وقت مبكر من الأزمة اليمنية، إذ أن الرؤية البريطانية تتقاطع بصورة مريبة مع المصالح الخاصة لرعاة الصراع الإقليميون (الرياض وطهران).
وأوضحت أن "تمكين جماعة الحوثي من السيطرة على شمال اليمن يعد هدفا تسعى طهران لتحقيقه للجماعة حليفتها، ويلعب عليه البريطانيون في رؤيتهم في اليمن لأهداف استراتيجية في الشمال والجنوب، وبينما تسعى الرياض بنهم للظفر بموطئ قدم لها في المنطقة الشرقية لليمن، فإن هذا لا يتصادم مع المصالح الإيرانية والحوثية في اليمن، علاوة على دعم لندن لهذه المساعي السعودية وتمكينها لها، بينما يجري تتقاسم لندن وأبو ظبي للنفوذ والمصالح الاستراتيجية في الجزر اليمنية ومضيق باب المندب دون منازعة لمصالح الأطراف الأخرى".
وختمت بالقول إن أي كان شكل وآلية للتسوية السياسية القادمة التي ستصطف حولها اليوم الأطراف في الداخل والخارج، فإن خيار تقاسم النفوذ في اليمن هو الخيار الذي ترسو عليه اليوم سفن الأطراف المتصارعة، "كونه يلبي المصالح التي تسعى لتحقيقها، وهو الخيار الذي رسمته لندن منذ وقت مبكر من اندلاع الصراع في اليمن، حد وصفها.
المصدر: المركز الديمقراطي العربي