بعد سبع سنوات من القطيعة؛ أعلنت السعودية وإيران، اتفاقا برعاية صينية، لاستئناف العلاقات السياسية والدبلوماسية بين البلدين بعد قطعها إثر اقتحام محتجين إيرانيين سفارة الرياض في طهران في يناير 2016م، ردا على إعدام السعودية المواطن السعودي نمر النمر، أحد رجال الدين الشيعة وأبرز الموالين لإيران في المملكة.
ونص الاتفاق بين الطرفين برعاية الصين على استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما وإعادة فتح سفارتيهما وممثلياتهما خلال مدة أقصاها شهران. كما تضمن تأكيدهما على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.
كما اتفقا أن يعقد وزيرا الخارجية في البلدين اجتماعاً لتفعيل ذلك وترتيب تبادل السفراء ومناقشة سبل تعزيز العلاقات بينهما، كما اتفقا على تفعيل اتفاقية التعاون الأمني بينهما، والاتفاقية العامة للتعاون في مجال الاقتصاد والتجارة..
عقب الإعلان رحبت دول عدة، بالاتفاق، -مثل قطر وتركيا وسلطنة عمان والإمارات والعراق ولبنان والأردن ومصر بالإضافة للأمم المتحدة وغيرها-، إلا أن الاهتمام في اليمن كان يتركز على التأثير الذي يمكن أن ينتج عن الاتفاق.
في هذا التحليل يسلط "يمن شباب نت" الضوء على دوافع السعودية وإيران للاتفاق بينهما، ومدى حاجة كل بلد منهما للاتفاق، بالنظر إلى مجموعة من العوامل التي تؤثر على كل طرف، وانعكاس الاتفاق على الملف اليمني في المستقبل القريب.
الدوافع السعودية:
تتعدد الأسباب السعودية التي دفعت الرياض لتوقيع اتفاقية لإعادة العلاقات مع إيران، بعد سنوات من القطيعة، أهمها المرتبطة بالبنية الداخلية للأسرة الحاكمة، والعلاقات الإقليمية والدولية، وأخرى مرتبطة بالحرب في اليمن.
التقدم في تأمين انتقال الحكم
خلال سنوات الحرب في اليمن، وتحديدا في الثلاث السنوات الأولى، استغلت العائلة الحاكمة، الحرب في اليمن، لتأمين انتقال الحكم في السعودية إلى الجيل الثالث، أي أحفاد المؤسس عبدالعزيز آل سعود، حيث عمل الملك سلمان على نزع أخيه مقرن من ولاية العهد، ثم نزع ابن أخيه محمد بن نايف، وتعيين، نجله محمد بن سلمان وليا للعهد، ثم تعيينه مؤخرا رئيسا للوزراء، الذي كان يشغله عادة الملك نفسه، وتعيين خالد بن سلمان في منصب وزير الدفاع، وإنشاء سلسلة من الأجهزة الأمنية التي تعمل على تأمين انتقال الحكم دون منازعات.
رؤية 2030
أعلن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان رؤية اقتصادية تنموية طموحة لبناء اقتصاد المملكة، بعيدا عن عائدات النفط، تستهدف تنويع الاستثمارات، وجذب الشركات الدولية إلى المملكة، وتحسين فرص العمل للسعوديين، وتحقيق قفزات اقتصادية واسعة للمملكة، لن يكون ممكنا تحقيقها إلا في ظل سلام دائم في المنطقة.
تحسن العلاقات السعودية بدول محيط إيران
مقارنة بعلاقات السعودية بعدد من الدول المهمة الإقليمية التي تحيط بإيران، منذ 2020 وحتى اليوم، والفترة السابقة لها، نجد أن السعودية قد أعادت بناء علاقاتها من التوتر والصراع، إلى المصالحة والتحسن، مثل علاقاتها مع باكستان، وتركيا، وسلطنة عمان، وقطر، وأذربيجان، وحتى الصين وروسيا، وتلك الدول كانت إيران تعمل من خلال نزاعاتها مع السعودية على تحقيق تقدمات لها في اليمن ومناطق أخرى. وأيضا هناك الولايات المتحدة التي كان رئيسها بايدن قد تعهد بنبذ السعودية، ثم عاد إليها في منتصف 2022.
ومعظم تلك الدول كانت على علاقات أفضل بإيران قبل 2020، لكنها صارت تملك علاقات أفضل مع الرياض مكن السعودية من أن تكون في موقع جيد حتى خلال المفاوضات بينها وبين إيران.
الانسحاب الأمريكي من المنطقة
يعد العامل الأمريكي من أهم محددات السياسة الخارجية والداخلية لأي دولة في المنطقة، وبدأت الولايات المتحدة منذ سنوات طويلة توجها استراتيجيا يقضي بالانسحاب من منطقة الشرق الأوسط وتقسيم النفوذ فيه، بين إيران والسعودية، وهذا التوجه تعزز مع قدوم إدارة أوباما عام 2009، واستمر على نهجها دونالد ترامب، وأكمل بايدن طريق أوباما.
ويعتقد كثيرون أن الهجمات بالطيران المسير والصواريخ على بقيق وخريص حيث تقع أكبر مقرات تابعة لأرامكو أصاب السعودية بخيبة أمل كبيرة من الالتزام الأمريكي الذي كان قائما منذ أربعينيات القرن الماضي، بحماية النفط الخليجي.
من جانب آخر، يبدو أن السعودية قدمت تنازلات مهمة، للإدارة الأمريكية، في الملف اليمني، مقابل زيارة بايدن، الذي جعل من أولوياته الخارجية إنهاء الحرب في اليمن رغم التباينات الشديدة بين البلدين في عدة ملفات مثل حقوق الإنسان والملف اليمني.
على المستوى العسكري، أدت الهجمات الحوثية وغير الحوثية بالصورايخ والطيران المسير التي تستهدف المملكة إلى تقليص مخزون السعودية من الأسلحة المضادة للصواريخ والطيران المسير، خاصة أنه تزامن في منتصف 2021 مع سحب أمريكي لعدد من منظومات الدفاع الجوي من السعودية والمنطقة، كما أن الولايات المتحدة خاصة في عهد الديمقراطيين عملت على فرض قيود على مبيعات الأسلحة الهجومية للمملكة.
الصراع السعودي مع الإمارات في اليمن
استعانت السعودية بالإمارات في اليمن لقيادة التحالف العربي لدعم الشرعية في حربها ضد مليشيا الحوثي، لكن سرعان ما بدأت أبوظبي تتحول إلى منافسة الرياض بدلا من الحليف أو التابع، وأدى الصراع بين الطرفين لاغراقهما في صراعات قوضت الحكومة في اليمن، وأنتجت سلسلة من الصراعات بين الدولتين حالت في النهاية بأن يوجه التحالف ضربة قوية للحوثي، بل تحولت مناطق سيطرة الحكومة إلى مناطق صراعات مستمرة بين السعودية والإمارات.
وأدى الانسحاب الإماراتي من اليمن منتصف2019 إلى شعور سعودي بالغبن والخذلان من أهم حلفائها، جعلها تعيد ترتيب أولوياتها في المنطقة.
ويشير كثيرون إلى أن ضعف الحكومة في اليمن، ناتج عن السيطرة السعودية لها، بينما يقول آخرون وهو الأرجح أن السيطرة السعودية على الحكومة نتيجة حاسمة لضعف الحكومة بالدرجة الأولى، وعدم تبلور بديل مناسب لقيادة الدولة والمقاومة بفعالية في اليمن.
كل ذلك جعل من السعودية تتخبط في حرب اليمن، ببناء قوى محلية أو تفكيكها ومن ثم إعادة بنائها، بحيث أدى ذلك إلى المساهمة في عدم تحقق أهداف السعودية في اليمن ولا حتى تحقيق الأهداف الحكومية.
النفط والصين
على مدى عقود كانت مسألة النفط هي أهم روابط العلاقات بين السعودية والولايات المتحدة، كانت المعادلة تقوم ببساطة على أن توفر الولايات المتحدة الأمن للسعودية مقابل ضمان سعر وقود رخيص.
منذ عقد على الأقل، صار النفط أحد أدوات الصراع والمنافسة بين أكبر منتجين للنفط في العالم، وصارت الصين أكبر مشتر للنفط السعودي في اليمن، بمعدل 40% من صادرات السعودية النفطية يوميا بملايين البراميل، منح السعودية والصين علاقات واسعة تركز على الجانب الاقتصادي بعيدا عن ضغوطات القيم وحقوق الإنسان التي أقض بها الغرب السعودية.
وتعد قمة الصين السعودية، والقمة الخليجية الصينية، والقمة العربية الصينية التي نظمتها المملكة في يناير الماضي دلالة على حجم تطور العلاقات الاقتصادية والسياسية بين البلدين، إلى الحد الذي قرأها كثيرون في إيران وفق الصحف الإيرانية على أنها بديل أو مهدد للعلاقات الصينية الإيرانية.
للسعودية إرث من دبلوماسية المناورة
تملك السعودية نفسا طويلا في إدارة صراعاتها التي تمتد في بعض الأحيان لأكثر من عشرة سنوات وربما عقود، كعلاقاتها مع مختلف الأطراف المحلية في اليمن، أو مع إيران نفسها، أو مع عدد من خصومها وحلفائها، ومنذ تأسيس السعودية لم تخض حربا مباشرة باستثناء الحرب الأخيرة في اليمن، الذي اقتصر على العمليات الجوية دون تدخل بري كبير، وقد يكون الاتفاق مع إيران يدخل ضمن هذا النهج الذي له دوافعه الخاصة لدى الحكومة السعودية.
قد تعتقد السعودية بأن مليشيات الحوثي كجماعة مسلحة يمارس السياسة بالعنف، سيواجه تحديات صعبة في البقاء بقوة ووحدة في ظل هدنة طويلة الأمد.
هذا الاعتقاد السعودي له مؤشرات على الأرض بحجم الصراعات الحوثية على الأرض مع القبائل التي كانت تؤيده أو كان يستطيع أن يهيمن عليها من خلال إجبارها على التجنيد والتمويل في معركته، وتحولت خلال الهدنة الماضية إلى حالة من الحروب المتتالية غير الحاسمة.
من جهة أخرى، ظهرت عدة تباينات بل منافسات حقيقية بين قيادات الحوثي على الزعامة، أبرزها المنافسة بين الثلاثة الأقوياء الذين ذكرهم تقرير مجلس الأمن وتقارير محلية وهم محمد علي الحوثي، وعبدالكريم الحوثي، وأحمد حامد، الذين يشكلون خطورة شديدة على عبدالملك الحوثي.
وقد اشتدت حدة المنافسات بين تلك القيادات خاصة أحمد حامد، ومحمد علي الحوثي، هذا على مستوى أسرة الحوثي، أما على مستوى المجموعات الزيدية الجارودية، فهناك صراعات شديدة بين جماعة عبدالملك الحوثي، وجماعة المرشدين التي يقودها محمد عبدالله عوض الضحياني المؤيدي، وجماعة عبدالعظيم الحوثي ويحيى الديلمي، وقد تسعى السعودية إلى توظيف هذه الصراعات لصالحها.
كانت السعودية قد وجهت دعوة للحوثي للحضور إلى الرياض للحوار والتفاوض معها ومع الحكومة اليمنية قبل أسابيع من تدخلها في اليمن، في ذلك الوقت كان الحوثي يسيطر على المحافظات التي يسيطر عليها حاليا، ويسيطر أيضا على المؤسسات المركزية، ولم تكن هناك قوة عسكرية محلية تستطيع مواجهته، وكان يهيمن على صنعاء، في ظل وجود جميع السفارات الدولية في اليمن.
بعد أكثر من ثمان سنوات من الحرب، مازالت السيطرة الحوثية لم تتغير على الأرض، رغم تغير طبيعة الوضع العسكري بدخول الطيران المسير الحوثي والصورايخ الإيرانية، لكن السعودية صارت تعتمد أكثر على قوات يمنية محلية استطاعت فعلا هزيمة الحوثي في عدد من المحافظات أهمها مأرب؛ حيث قال أحدث تقرير لمجموعة الأزمات الدولية إن تلك الهزيمة صدعت جماعة الحوثي، وأفقدتها القدرة على القيام بهجوم بري جديد، وأحدثت شرخا في علاقات القيادة الحوثية ببعضها عسكريا.
ومع أن المفاوضات حاليا بين السعودية والحوثي، إلا أن الصيغ النهائية التي تخرج بها المفاوضات تكون بين الحكومة والحوثي، كاتفاق السويد، واتفاق الهدنة في أبريل الماضي، والاتفاق المتوقع حدوثه، ما يعني أن السعودية تتحول إلى وسيط أكثر منها طرف في صيغ الاتفاقات النهائية.
من ناحية أخرى هناك من يرى أن الانتصار العسكري المحدود للحوثة بمثابة هزيمة سياسية واقتصادية وادارية للجماعة التي تقف متأرجحة على شعب كبير وتحديات أمنية واقتصادية واجتماعية بالغة الخطورة والكلفة، واقتصاد منهار وجماعات مصالح كبيرة تنتظر مكاسب داخل الجماعة.
ايران رفعت اسهم الحوثة وليس العكس؛ فالحوثية التي يعرفها العالم هي الحوثية الباليستية والمسيرة التي يمكنها ازعاج الخليج النفطي والمالي. الحوثي لا شيء بدون ايران. كل انتصارات الحوثة العسكرية داخلياً كانت محدودة وصعبة للغاية وكلفتها عليهم كانت كبيرة ومنهكة.
كانت المليشيا الحوثية تستدير وتلجأ للضغط على الداخل اليمني بالخارج عبر استهداف الخليج الذي بدوره يسيطر على قرار الجماعات المحلية المناهضة للحوثي. لو يفقد الحوثي الدعم الايراني البالستي والمسير لفقد عنصر قوته الرئيسي الذي يمكنه من تحقيق مكاسب محدود على المستوى المحلي.
الضعف الشديد بالمحور الإيراني
تعاني إيران وحلفاؤها في المنطقة من أزمات شديدة على المستوى السياسي والعسكري والدبلوماسي والاقتصادي، فإيران مازالت تخضع لعقوبات شديدة، ووضعها الاقتصادي منهار، وتعاني من اضطرابات واسعة وصلت حد إفقاد الحكم في إيران ونظام ولاية الفقيه مشروعيته في نظر الشعب، ولم تعد تمثل حافزا للداخل الإيراني فضلا عن الحلفاء، وتتعرض لهجمات واسعة تشمل الاغتيالات ومقرات البرنامج النووي وعلمائه، ومقرات الأسلحة وليس آخرها الهجمات الكيماوية على طلبة المدارس، وهي مجموعة عوامل تجعل النظام الإيراني في أضعف حالاته.
وأدى التدخل الإيراني لصالح روسيا في أوكرانيا، إلى تغير واسع في الخطاب الأوروبي والأمريكي تجاه إيران، الذي تجاهل على مدى سنوات خطورة الدور الإيراني في المنطقة العربية، خاصة في اليمن، بالصواريخ والطيران المسير. وحدا بالدول الغربية إلى فرض سلسلة واسعة من العقوبات على إيران.
في العراق ولبنان وسوريا، انهار الوضع الاقتصادي، رغم ثراء العراق النفطي، بسبب فشل الأدوات الإيرانية في حوكمة فعالة نتيجة السيطرة الإيرانية عليها، وبنية النظام الإيراني وأتباعه القائم على التوسع بالتخريب وهدم الأنظمة الوطنية. وفي حالة سوريا وجد الأسد نفسه، بلا مخالب ولا قوة ولا مال في الوقت الذي كان يعتقد فيه أنه انتصر عسكريا بدعم عسكري روسي إيراني، حيث لا تستطيع الدولة السورية تقديم أدنى الخدمات.
أما في لبنان فقد ظهر زعيم حزب الله الإرهابي حسن نصر الله يتوسل دعما تنمويا من دول الخليج مطلع السنة الجارية، وفي صنعاء انتشرت شعارات "ارحل ياحوثي" عدة مرات في مباني صنعاء.
الدوافع الإيرانية:
بدأت إيران حربها في صعدة بعد سنة واحدة من سقوط العراق، ثم هاجمت صنعاء بعد التوصل للاتفاق النووي في سلطنة عمان، ومن ثم في فيينا، في ذلك الوقت كان الغرب منفتحا كليا على إيران، وسلمها عشرات مليارات الدولارات من أموالها، في وقت كان يعارض فيه التدخل السعودي في اليمن.
كانت السردية القائمة في أروقة صنع القرار في الغرب والأمم المتحدة المنظمات الدولية أن السعودية تخوض حربا شديدة على اليمن، ساهم في ذلك دخول السعودية في صراعات ومنافسات مع الإمارات حليفها في جنوب اليمن، ومع سلطنة عمان في المهرة وحضرموت، ومع قطر، ومع تركيا، ومع باكستان، ومع الغرب بشأن جمال خاشقجي وقضايا أخرى، بمعنى أن السردية الإيرانية التي كانت تقدمها إيران في اليمن مقبولة عبر المؤسسات الدولية نفسها.
لم يعد الوضع كذلك منذ سنتين على الأقل، صارت إيران طرفا فاعلا في الحرب باليمن، ويشار إليها بأنها تخرب وتعرقل السلام في اليمن. احتوى التقرير الأخير لخبراء العقوبات على نقد شامل على كل المستويات لإيران والحوثي، ولم تعد السردية الحوثية الإيرانية للحرب في اليمن، تمر ببساطة.
بل إن المبعوث الأممي والأمريكي وسفراء الدول الكبرى أدانوا الحوثي وإيران بعرقلة السلام في اليمن، وصدر قرار دولي يتهم الحوثي بالإرهاب، وقال ليندركينج في شهادته أمام الكونجرس في ديسمبر الماضي، لم يعد الحوثي قادرا على تقديم خطابه على أنه الضحية أو الذي يتعرض للعدوان.
ويعد هذا التحول في الخطاب من العوامل التي دفعت إيران إلى قبول التسوية، مع السعودية التي سيكون أهم مسارحها الحرب في اليمن.
احتجاجات الشعب الإيراني
اندلعت احتجاجات شديدة في إيران بناء على دوافع اقتصادية في 2017 بعد فشل الاتفاق النووي في معالجة الأزمة الاقتصادية للبلاد، وتكررت في 2018، ثم اندلعت في 2019 و2020.
ومع نهاية 2022 لم تعدد الاحتجاجات في إيران قائمة على مطالب اقتصادية بل تطالب برحيل نظام ثورة ولاية الفقيه، ومازالت الاحتجاجات مندلعة منذ سبتمبر2022 حتى اليوم تخفت حينا وتزداد أحايين أخرى. وتعد الاحتجاجات الحالية في إيران بأنها أخطر تحد تواجهه حكومات الملالي منذ نشوئها قبل 45 سنة.
الأزمة الاقتصادية
تعصف أزمة اقتصادية واسعة بالنظام في إيران، جعلت التومان الإيراني يهوي من 240 ألف أمام الدولار الواحد في سبتمبر الماضي، إلى 600 ألف في مطلع مارس الجاري، بينما عجزت الحكومة عن التهرب من العقوبات بشكل فعال، وفشلت سياسة الحكومة في توزيع المياه في تهدئة قاعدتها الاجتماعية التي تستند على المزارعين.
وأدت سياسة أمريكية صارمة على مبيعات الدولار الأجنبي في العراق إلى مضاعفة الأزمة في إيران، بحيث أن النظام الإيراني صار يتجه نحو الانشقاق والتصدع، بينما يتجه الشارع في إيران إلى مقاومة ونزع شرعية حكم الملالي، وتشهد عملات العراق وسوريا ولبنان انهيار هائلا أدى إلى تعطيل المصارف في لبنان.
فشل الاتفاق الإيراني الصيني
وفقا للتقارير التي نشرتها الصحف الإيرانية في يناير الماضي، فإن الاتفاق الاستراتيجي مع الصين، لم يؤد إلى حدوث آثار إيجابية، بينما انسحبت عدة شركات نفطية صينية من تطوير حقول النفط الإيرانية، وقدرت مصادر إيرانية حجم الاستثمار الصيني في إيران بأقل من 168 مليون دولار، وهو رقم ضئيل يعكس تململا صينيا واسعا من العلاقة غير المفيدة مع إيران.
بينما تتوسع العلاقات الصينية الخليجية، من بوابتي السياسة والاقتصاد، حيث تنمو الاستثمارات الصينية في السعودية والإمارات بشكل مضطرد، جعل الرئيس الصيني يضمن في بيانه المشترك مع القمة العربية دعوة إيران إلى الانسحاب من الجزر الإماراتية، ويوجه دعوة لإيران للكف عن تدخلاتها في المنطقة وتقديم ضمانات بشأن برنامجها النووي والصاروخي، وهو أحد أهم عوامل الاتفاق الجديد بين إيران والسعودية مؤخرا برعاية الصين.
غرق إيران في التوتر مع محيطها
منذ 2021 دخلت ايران مرحلة صعبة صارت مضطرة فيها للاستدارة نحو الداخل. بؤر صراع اجتماعية في شمال وغرب ايران في محاذاة تركيا واذربيجان وأفغانستان تطورت الى احتجاجات ومواجهات عسكرية وأمنية منتظمة. أصبحت توفر فرص بالنسبة لدول خارجية تريد ارباك ايران.
العلاقة الايرانية الاذربيجانية توترت خلال الأشهر الماضية وبلغت حد قطع العلاقات واجراء مناورات عسكرية ايرانية مع ارمينيا المعادية لاذربيجان وتركيا.
أزمة خلافة المرشد الإيراني
ربط محللون إيرانيون، إعدام علي أكبري نائب وزير الدفاع الإيراني السابق قبل أسابيع قليلة في إيران، بتهمة الخيانة والتجسس في إيران، بصراع محلي أكثر منه لدوره في خيانة إيران والتجسس لصالح بريطانيا.
واعتبر موقع جاده الإيراني، في عدة تقارير له بشأن تلك الأزمة بأنها "مرتبطة بالصراع على منصب المرشد بين عدد من القادة الإيرانيين المتنافسين على المنصب".
وقال الموقع إن إعدام أكبري، ضربة لأمين عام مجلس الأمن القومي في إيران علي شمخاني المرشح القوي المنافس من خارج عائلة الخامنئي على المنصب، حيث كان يعمل أكبري ضمن فريقه في البرنامج النووي ووزارة الدفاع في الفترات الماضية.
وبينما يقترب المرشد المريض خامنئي من عمري 86، يزداد حدة التنافس على خلافته، في وقت يواجه في النظام أسئلة عن جدوى ومشروعية النظام، وهو عامل يجعل من النظام يسعى إلى تهدئة خلافاته الخارجية قدر الإمكان للترتيب لوضعه الداخلي.
الدور الإيراني في أوكرانيا
انضمت إيران إلى روسيا في حرب أوكرانيا واعترفت إيران بعد إنكار طويل بتزويد الروس بسلسلة من الطيران المسير المستخدم في اليمن، لاستخدامها في أوكرانيا. قاد التدخل الإيراني في أوكرانيا إلى موقف أوربي كبير ضد طهران، حد المطالبة بتصنيف الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية، وعزل إيران من عدة مواقع دولية مهمة.
بالإضافة إلى تشكيل لجنة للتحقيق في جرائم النظام ضد المحتجين، وفرض عقوبات على شركات تعمل على استيراد مكونات الطيران المسير إلى إيران، وكذلك معاقبة المتورطين في إيران المشتركين بإنتاج واستيراد تلك الأسلحة، التي أثبتت تحقيقات أوكرانية أن طائرة شاهد136 المسيرة وهي أكثر الطائرات الإيرانية تطورا مستوردة في معظم مكوناتها من دول غربية ونصفها على الأقل من الولايات المتحدة.
انعكاسات الاتفاق الإيراني السعودي على اليمن
كما ذكرنا أعلاه، هناك دوافع مهمة للسعودية وإيران للاتفاق بينهما وإعادة العلاقات الدبلوماسية، تميل في الغالب لصالح السعودية، بينما تتفوق إيران بالبرنامج النووي، لكن الانعكاسات تشمل ملفات خارج حدود الدولتين أبرزها اليمن.
لم يذكر الاتفاق بين الطرفين اليمن، لكنه المسرح الأبرز للصراع بينهما على مدى السنوات الماضية، ويتوقع أن يكون المسرح الأبرز للاتفاق، ما يعني أن السعودية أقرت مؤخرا بعد رفض طويل بحقيقة نفوذ إيراني هائل في اليمن، عبر الحوثي، وأدوات أخرى، فشلت في القضاء عليها عسكريا، ولجأت إلى وسائل أخرى ترى الرياض أنها قد تكون لصالحها في اليمن، أو قد ترى أنها ستترك شمال اليمن لإيران، والحوثي، بكلفة شديدة لهم، للتفرغ لتنفيذ رؤاها الاقتصادية والتنموية.
وتقول تقارير دولية إن السعوديين والحوثيين اقتربوا من التفاهم على اتفاق لتمديد الهدنة لمدة سنة أخرى، على أن يجري الإعلان عن هذا الاتفاق من قبل المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أو باتفاق ترعاه السعودية في مكة بين الحكومة اليمنية والانقلاب الحوثي.
وبينما همشت السعودية الحكومة المعترف بها دوليا وأدواتها فإن الحوثي على المستوى الاستراتيجي غير مستفيد بالشكل الذي يجعله يبدو منتصرا مقارنة بما كان عليه عندما رفض الدعوات السعودية للحوار في الرياض قبل عاصفة الحزم.
سيكون الحوثي محتاجا لتمويل ضخم لتهدئة الشارع، وإعادة صراعات قادته الأثرياء خاصة صراعات العائلة الحوثية نفسها، وإعادة ضبط المجموعات الجارودية المتنافسة المتصادمة مع الاثني عشرية وإيران، وتحديات اجتماعية وسياسية واقتصادية هائلة، خاصة بعد غياب سردية العدوان، في ظل تحول أولوياته من مواجهة التحالف والحكومة إلى مواجهة الجبهة الداخلية كما يسميها.
وإذا استطاعت السعودية بالاتفاق السابق مع إيران بضمانة صينية وقف التهريب الحوثي للأسلحة، فإن إيران قد تقدم تنازلات لن يكون الحوثي منفردا عندها قادرا على خوض معركة كمعركة مأرب خلال السنتين الماضيتين.
وقد يشهد الاتفاق انتكاسة مدوية مرة أخرى، حيث ارتبطت العلاقات الإيرانية السعودية منذ 1930 وحتى الثورة في إيران بفترات ازدهار وفتور وحتى قطع علاقات، أربع مرات على الأقل. كما شهدت أزمات متعددة مع إيران أثناء ولاية الفقيه، في الثمانينيات، وتحسنت من منتصف التسعينيات حتى 2005 ثم انهارت مرة أخرى بعد قدوم أحمدي نجاد، حتى اليوم.
على المستوى العسكري، في اليمن، يتفوق الحوثي بالطيران المسير والصواريخ الباليستية المرتبطة غالبا بإيران، لكن من شبه المؤكد أن أي اتفاق بين الطرفين في اليمن، سيعني تحييد الهجمات الحوثية على السعودية، لكن الحوثي لم يعد قادرا كما كان من قبل على الحشد للمعركة، وخطابه الشعبي لم يعد لديه قبول، وهزيمته في مأرب حطمت ذروة القوة الحوثية.
في الجانب الحكومي قد تدفع السعودية إلى إعادة توحيد الفصائل المناهضة للحوثي، للرد العسكري على الحوثي، وقد تتخلى عنهم، ليغرقوا في صراعاتهم أو تعيد ترتيب حلفائها كما فعلت في السنوات الماضية، لكن حقيقة واحدة تظل على الأقل ثابتة مهما كانت المتغيرات:"إن الجميع يستعدون لقتال الحوثي منفردين أو مجتمعين".