"عندنا البرتقال، وعندنا الخضروات يا رعوي" بهذه العبارات يدعو البائع الأربعيني ناصر مهدي المواطنين في ريف محافظة إب (وسط اليمن) إلى الشراء منه، إذ لا تكاد تخلو يوميات اليمنيين من سماع مكبرات أصوات الباعة المتجولين الذين يطوفون معظم القرى الريفية بمختلف المحافظات اليمنية.
وتُثير أصوات مكبرات الصوت أوجاع الكثير من الآباء من بينهم امين قايد (48 عاماً) الذي أجبرته الظروف المعيشية القاسية التي يمر بها إلى التقشف وخفض الإنفاق الأسري والاكتفاء بشراء أبسط الاحتياجات الضرورية على غرار ملايين اليمنيين المتعبين والمثقلين بهموم الحرب.
وقال قائد في حديث لـ"يمن شباب نت"، "لحظة قاسية عندما أقف كأب عاجزا عن تلبية طلب لطفلي وهو يريد مني اشتري له برتقال، لم أكن اتوقع أن أصل إلى هذه المرحلة من العجز في توفير ابسط الاحتياجات نحن نعيش أسوأ أيام حياتنا".
يعمل قائد موظفاً في التربية والتعليم في محافظة إب الواقعة تحت سيطرة الحوثيين ويعيش ظروفا معيشية قاسية نتيجة انقطاع راتبه الحكومي منذ سنوات على غرار مئات الآلاف من الموظفين الحكوميين المنقطعة رواتبهم في مناطق سيطرة الحوثيين.
من جانبه قال البائع المتجول ناصر "العمل في بيع الخضروات والفواكه هو مصدر دخلي الوحيد الذي اعتمد عليه في تأمين الغذاء لأفراد أسرتي لكن حالة عجز الآباء عن شراء الفاكهة لأطفالهم تُثير الأوجاع".
وقال: "أفكر أحيانا بعدم استخدام صوت مكبر الصوت بسبب ان الأبناء والامهات يتعرضون لضغط من أطفالهم للشراء وهم لا يملكون أموال، وأكتفي بأماكن التجمعات بالقرى كأبواب المساجد".
بشكلٍ يومي يتنقل "مهدي" بين القرى والمناطق الريفية لبيع الخضروات والفواكه المتنوعة للمواطنين، لكن أصوات مكبرات الصوت في سيارته تُثير أوجاع الكثير من المواطنين العاجزين عن الشراء نتيجة تدهور الأوضاع المعيشية للكثير منهم خصوصاً ذوي الدخل المحدود من العمال والفلاحين، والموظفين المنقطعة رواتبهم منذ سبع سنوات.
وتسببت الحرب في اليمن بتدمير مصادر معيشية الموطنين وتدهور الأوضاع الاقتصادية في البلاد، وانعدام فرص العمل وانقطاع الرواتب الحكومية، والتي انعكست سلباً على مختلف مجالات الحياة إذ تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن اليمن يشهد أسوأ أزمة إنسانية في العالم.
وتشهد البلاد حالة هدوء من دون تصعيد عسكري للقتال للشهر الحادي عشر على التوالي منذ إبريل/ نيسان 2022 تاريخ إعلان الهدنة للمرة الأولى منذ ثمان سنوات من اندلاع الحرب.
وسيلة للعيش
تتنوع المنتجات والأصناف التي يوفرها الباعة المتجولين في سياراتهم بين الخضروات والفواكه المتنوعة، والأدوات المنزلية، والملابس الرجالية والنسائية والمفروشات، وغيرها من الخدمات في ظاهرة لم تكن حاضرة قبل اندلاع الحرب في اليمن.
يقول ناصر وهو أب لسبعة أطفال بأنه "لجأ إلى تحويل سيارته إلى متجر متنقل ويطوف القرى والمناطق الريفية بمحافظة إب لبيع الخضروات والفواكه المتنوعة للمواطنين، من أجل تأمين لقمة العيش لأفراد عائلته منذ توقفه عن العمل بمحل الخضروات والفواكه الخاص به في مدينة عدن جنوب اليمن".
وأضاف في حديث لـ"يمن شباب نت"، "عقب اندلاع الحرب واجتياح الحوثيون للمدينة أواخر عام 2014 اضطر إلى العودة إلى منزله بريف مدينة إب، وشرع في شراء الخضروات والفواكه المتنوعة وبيعها"، لافتاً بأنها "ملاذه الوحيد التي يعتمد عليها توفير تكاليف متطلبات الحياة اليومية وتعليم أطفاله".
يشير ناصر إلى أنه " يواجه صعوبات كبيرة بالعمل في بيع الخضروات من بينها ارتفاع تكاليف المشتقات النفطية، بالإضافة إلى الطرقات الوعرة في غالبية القرى والمناطق البعيدة التي يذهب إليها عوضا عن تراجع القدرة الشرائية للمواطنين نتيجة تدهور الأوضاع المعيشية، وانعدام فرص وانقطاع الرواتب الحكومية".
توفير تكلفة النقل
انتشرت ظاهرة السيارات المتنقلة ووفرت مشقة السفر على الكثير من سكان المناطق الريفية الذين كانوا يذهبون إلى شراء المنتجات المتنوعة إلى الأسواق في المدن وخاصة مع تكلفة النقل جراء أزمات المشتقات النفطية التي لا تتوقف في مناطق سيطرة الحوثيين.
وفي ظل الأزمات المتتالية في المشتقات النفطية وصعوبة التنقل إلى المدن لشراء بعض الاحتياجات الضرورية أصبحت، المحلات التجارية المتنقلة تساهم بشكل لافت في توفير بعض الخدمات للمواطنين في المناطق الريفية بأقل التكاليف خصوصا في ظل عدم قدرة المواطنين على الذهاب إلى الأسواق في المدن.
يقول محمد حمود (40 عاماً) بأن "سيارات الباعة المتجولين الذين يأتون قريته التي يسكن فيها وفرت عليه مشقة السفر إلى المدينة مشيراً إلى أن "تكاليف النقل إلى المدينة أصبحت باهظة خصوصاً مع ارتفاع أسعار الوقود".
بالنسبة لحمود فإن "تكاليف التنقل من قريته إلى المدينة تصل إلى نحو 6 ألف ريال يمني بالدراجة النارية، في حين أن تكلفة السفر في السيارة تكلفة نحو 3 ألف ريال يمني (الدولار540)".
بحسب الأمم المتحدة يشهد اليمن أسوأ أزمة إنسانية في العالم إذ تشير أحدث التقديرات إلى أن نحو 50 ألف شخص يعيشون حالياً في ظروف تشبه المجاعة، ويشتد الجوع في المناطق المتضررة من الصراع، ويحتاج ما يقرب من 21 مليون شخص، أي أكثر من 66% من إجمالي عدد السكان، إلى مساعدات إنسانية وحماية.
أخبار ذات صلة
الجمعة, 24 فبراير, 2023
الأمم المتحدة: لا يزال الجوع مرتفعًا بشكل مثير للقلق في اليمن
الخميس, 21 مارس, 2019
كيف يطارد الجوع سكان القرى في اليمن؟
الاربعاء, 03 نوفمبر, 2021
"الماشية في اليمن".. ثروة الفقراء المهدرة في زمن الحرب