منذ أكثر من ستة أشهر؛ تشهد مديرية وصاب السافل في محافظة ذمار (شمال اليمن) الخاضعة لسيطرة المليشيا الحوثية انقطاعًا كليًا للتيار الكهربائي، الأمر الذي أدخل المنطقة الريفية في ظلام دامس فاقم من معاناة السكان.
وكانت مليشيات الحوثي أوقفت في يوليو/ تموز الماضي محطة الكهرباء الوحيدة في المنطقة، في خطوة اعتبرها الأهالي محاولة لمعاقبتهم على خلفية رفضهم الزج بأبنائهم للقتال في صفوف المليشيا المدعومة من إيران في حربها ضد قوات الحكومة الشرعية.
كما تحمل المليشيا الحوثية عداء بطابع طائفي تجاه منطقة وصاب التي تنقسم إلى مديرتين وهي "السافل والعالي" وتتبعان إداريا محافظة ذمار، حيث أنها منطقة شافعية ولا تلتقي مع المليشيا والمذهب الزيدي وهو ما جعلها عرضة للاستهداف من الأسر السلالية قديما أثناء الحكم الإمامي وحاليا منذ انقلاب المليشيا الحوثية.
الانتقام من الأهالي
مشروع مؤسسة كهرباء وصاب السافل بعد مشروعا أهليا بالكامل تم تأسيسه بنفقة خاصة قبل أكثر من عقد، فيما كانت الحكومة اليمنية قبل انقلاب مليشيات الحوثي تتكفل بتزويد المؤسسة بكميات من المشتقات النفطية.
وتقع مؤسسة الكهرباء الوحيدة في عزلة بني حطام، وتقدم خدمة الكهرباء لأكثر من أربعة آلاف ومائتين مستفيد موزعين على تسع عزل في إطار مديرية وصاب السافل.
في الثالث والعشرين من شهر يوليو من العام الماضي أعلنت مؤسسة كهرباء وصاب السافل في بيانٍ لها بعد سيطرة المليشيا الحوثية عليها، أنها توقفت عن الخدمة بشكل تامٍ إلى أجل غير مسمى.
وأرجعت السبب إلى تأخر المشتركين في عملية السداد، الأمر الذي أدى إلى عجز الشركة عن استمراريتها في تقديم الخدمة للمواطنين نظرًا لاِرتفاع مبلغ المديونية والذي قد تجاوز -حسب بيان الشركة- مبلغ سبعة وثمانين مليون ريال، وهو مبلغ متراكم منذ بداية العام 2015 وحتى شهر يونيو من العام الجاري.
لكن مصدر في المنطقة نفى مزاعم المؤسسة وأكد أن السبب الرئيس يعود إلى أن وصاب رفضت الزج بأبنائها في الحرب مع المليشيا الحوثية منذ اليوم الأول لسيطرتها على البلاد رغم الضغوطات والمضايقات التي تمارسها على المشايخ.
وقال المصدر لـ"يمن شباب نت"، إنه نتيجة لذلك "لجأت المليشيا الحوثية إلى عدة أساليب عقابية ضد الأهالي فابتدأت بفرض إتاوات كبيرة على التجار ثم فرضت على كل مواطن مغترب من أبناء المنطقة أن يدفع مبلغًا سنويًا تحت اسم المجهود الحربي".
وأضاف المصدر -الذي طلب عدم الكشف عن هويته-، أنه بعد ذلك لجأت المليشيا إلى التحكم بشركة "كهرباء بني حطام" وعملت على رفع أسعار الاستخدام والاشتراك بشكل خيالي، وحين رفض المواطنون الأمر؛ قامت بفصل الخدمة بشكل كامل عن جميع عزل وصاب.
مضاعفة المعاناة
ويعيش أبناء مديرية وصاب على وقع أزمات إنسانية مركبة، وتتصدر مشهد هذه المعاناة أزمة انقطاع التيار الكهربائي التي بلغت ذروتها في الستة الأشهر المنصرمة بسبب السياسات الانتقامية للكهنوت الحوثي تجاه أبناء المنطقة، وذلك ضريبةً لنأي أبناء وصاب عن المشاركة في هذه الحرب إلى جانب المليشيا ضد الدولة اليمنية، وفق الأهالي.
وتعتبر وصاب واحدة من المناطق الريفية النائية التي وصلتها المليشيا الحوثية عقب انقلابها على السلطة الشرعية وشرعت في عمليات النهب والاستيلاء على الممتلكات العامة والخاصة وآخرها نهبها لمؤسسة كهرباء وصاب الأهلية وقطع خدمتها بالكامل عن المواطنين.
وأثرت مشكلة انقطاع التيار الكهربائي بشكل سلبي على المستوى المعيشي لآلاف العائلات في وصاب، ولاسيما مواطنو الطبقات المعدمة، أولئك الذين لا يؤهلهم وضعهم المادي للجوء إلى حلول بديلة تخفف عنهم وطأة المعاناة، كشراء مولدات كهربائية صغيرة أو حتى توفير منظومات الطاقة الشمسية.
وقال أحد المعلمين داخل وصاب: "كانت تشتغل الكهرباء لمدة ساعتين فقط من كل يوم، قبل أن تنطفئ كليًا قبل أشهر. الخاسر الوحيد هنا هو المواطن، أما المؤسسة التابعة للمليشيا الحوثية فهي الرابحة في كل الحالات.
وأضاف لـ"يمن شباب نت" أن المؤسسة تنظر إلى رسوم الاشتراك الذي يزيد ما بين فترة وأخرى، وتلزم المواطنين بتسديده شهريًا حتى وإن كانت الكهرباء خارجة عن الخدمة.
وأشار إلى أن المؤسسة لديها محامي في مركز المديرية يقوم بتقديم شكوى ضد كل مواطن تراكمت عليه الاشتراكات، حتى في حال كان العداد مفصولًا من قبل المؤسسة نفسها، مؤكدًا بأن عقد الاشتراك بين المواطن والمؤسسة للحصول على خدمة الكهرباء لم يكن واضحًا.
ولفت إلى أن مؤسسة الكهرباء مستفيدة دائمًا، سواء كانت الخدمة متوفرة أم منقطعة، لأن المواطن هو من يتحمل أعباء انطفاء الكهرباء ورسوم اشتراكه في الخدمة كل شهر.
وقال أحد المواطنين لـ"يمن شباب نت"، إن من أسباب توقف محطة الكهرباء هو انعدام المشتقات النفطية، في مؤسسة أهلية فهي بالتأكيد تستلم نصيبها من المشتقات مهما كانت الأسباب او اشتدت الأزمات، خاصةً بعد أن أصبح المواطنين من أبناء المديرية يرضخون لزيادة قيمة الكيلو وات التي فرضتها المليشيا الحوثية في منهجية عقابية فظيعة بحق المواطنين، والتي تجاوزت 450 ريال للكيلو الواحد.
مقترحات الأهالي
في سبتمبر /أيلول من العام الماضي، عقد أهالي مديرية وصاب السافل اجتماعا موسعا اتفقوا خلاله على عدة نقاط من شأنها أن تحل إشكالية اِنقطاع الكهرباء في المنطقة، وتم تقديم هذه المقترحات لإدارة مؤسسة الكهرباء المُسيطَر عليها من قِبل المليشيا الحوثية.
وتمثلت هذه المقترحات في أن "تلتزم المليشيا الحوثية بتوفير الحصة الحكومية من المشتقات النفطية لمؤسسة كهرباء وصاب الأهلية، وهي حصة حكومية معتمدة من الدولة منذ ما قبل الانقلاب الحوثي".
بالإضافة إلى خفض المؤسسة قيمة رسوم الاشتراك والاستهلاك إلى حد معقول مقابل التزام المواطنين بالسداد بشكل منتظم وعدم ارتكابهم المخالفات.
ومن النقاط أيضا تشكيل لجنة تتمثل في اختيار مندوب واحد لكل عزلة من عزل المديرية التسع التي تغطيها المؤسسة بالخدمة، بحيث يقوم كل مندوب بتمثيل عزلته وتقديم مشاكلها في هذا الشأن لإدارة المؤسسة، والعمل على تسوية الخلاف الحالي القائم بين المؤسسة والمواطنين.
غير أن المليشيات الحوثية لم تُبدِ أي تجاوب حقيقي مع مطالبات المواطنين واقتراحاتهم حتى اللحظة، وتتعامل مع موضوع كهرباء وصاب بهامشية كبيرة، وترفض جميع المقترحات التي يقدمها مواطنو المنطقة في سبيل الحد من معاناتهم إثر انطفاء الكهرباء، الأمر الذي يؤكد أنها تنتجه سياسة العقاب الجماعي بحق أبناء وصاب بسبب مواقفهم منها.