في الآونة الأخيرة تصاعدت عمليات ضبط شحنات الأسلحة المهربة والتي كانت في طريقها إلى ميليشيات الحوثي الإرهابية قادمة من إيران، بخلاف السنوات الأولى للحرب في اليمن يتم الكشف عن هذه العمليات بشكل ملاحظ من قبل قوات بحرية دولية الغرض من وجودها تأمين الخط الدولي في المياه الإقليمية على طول السواحل اليمنية الشرقية.
يأتي ذلك في ظل الحديث عن وجود مشاورات بين المملكة العربية السعودية وميليشيات الحوثي بوساطة سلطنة عمان، بالتوازي مع تحركات للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ بهدف إحياء مسار السلام في البلاد التي تقترب الحرب فيها من العام التاسع.
ومما لا شك فيه أن استمرار تدفق الأسلحة والذخائر إلى مناطق سيطرة ميليشيات الحوثي سيؤثر على تحقيق أي عملية سلام يمكن الاتفاق عليها في اليمن، سواء في المستقبل البعيد أو على المدى القريب، وما يمكن أن يصنعه ذلك من متغيرات سياسية وعسكرية ستلقي بظلالها على أمن واستقرار المنطقة.
هذا كله يطرح كثير من التساؤلات حول مصير الحرب في اليمن خصوصا بعد رفض ميليشيات الحوثي تمديد الهدنة الأممية التي استمرت لستة أشهر منذ مطلع أبريل / نسيان وحتى أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي.
جهود مشتركة
يظهر الاهتمام الدولي في المنطقة من خلال تركيز الجهود حول مكافحة تهريب الأسلحة إلى ميليشيات الحوثي المدعومة إيرانيا بدرجة رئيسية إلى جانب تهريب المخدرات، وهذا دليل على المخاوف المتزايدة من توسع النفوذ الإيراني في المنطقة.
ففي 15 يناير / كانون الثاني، أوقفت القوات الخاصة الفرنسية سفينة محملة بأكثر من 3 آلاف بندقية هجومية ونصف مليون ذخيرة وعشرون صاروخا موجها مضادا للدبابات ضمن عملية الدعم التي تزود بها إيران ميليشيات الحوثي الإرهابية. وفقا ما كشفته صحيفة "وول ستريت جورنال".
وفي أوائل يناير، أعلنت البحرية الأمريكية مصادرة أكثر من ألفين بندقية هجومية على متن سفينة في خليج عمان، كانت متجهة إلى ميليشيات الحوثي.
وقال، حينها، قائد القيادة المركزية في البحرية الأمريكية مايكل كوريلا، إن" التدفق غير القانوني للأسلحة من إيران عبر الممرات المائية الدولية له تأثير مزعزع للاستقرار في المنطقة".
كما صادرت البحرية الأمريكية، في ديسمبر الماضي، 1400 بندقية من طراز AK-47 وأكثر من 226 ألف طلقة. وفي نفس الشهر صادرت أكثر من 1.1 مليون طلقة على متن سفينة صيد تعمل بين إيران واليمن.
وخلال الشهر نفسه، أوقف الأسطول الخامس الأمريكي سفينة صيد حاولت تهريب أكثر من 70 طناً من "فوق كلورات الأمونيوم"، والذي يستخدم عادة في صناعة وقود الصواريخ الباليسيتة والمتفجرات.
البحرية البريطانية أيضا كان لها دور في ضبط أسلحة إيرانية مهربة لميليشيات الحوثي، ففي يوليو الماضي، أعلنت البحرية الملكية أنها صادرت صواريخ أرض - جو ومحركات صواريخ كروز كانت على متن قارب قبالة الساحل الجنوبي لإيران.
وتسعى القوات البحرية الدولية إلى تعزيز التنسيق مع قوات التحالف العربي لدعم الشرعية والأجهزة العسكرية والأمنية اليمنية في السواحل التابعة للمحافظات المحررة بما فيها محافظة المهرة من أجل تكثيف جهود مكافحة تهريب الأسلحة لميليشيات الحوثي.
وكشف مصدر خاص لـ"يمن شباب نت" -رفض ذكر اسمه – عن وصول ضباط أمريكيين وبريطانيين الاثنين الماضي، إلى مديرية شحن بمحافظة المهرة على الحدود مع سلطنة عمان".
وأوضح المصدر أن "الضباط ضمن قوات الأسطول الأمريكي الخامس وجاؤوا بغرض زيارة منفذ شحن الحدودي والتقوا خلال الزيارة بقيادة قوات التحالف العربي في المهرة".
وجاءت الزيارة بعد أن ضبطت الأجهزة الأمنية بمحافظة المهرة، في 22 يناير/ كانون الثاني الماضي، شحنة معدات تدخل في صناعة الطائرات المسيرة، في منفذ شحن الحدودي بين اليمن وسلطنة عمان، كانت في طريقها لمناطق سيطرة مليشيا الحوثي المدعومة من إيران.
ولم يذكر المصدر أي تفاصيل أخرى حول الزيارة، فيما رفض مسؤولون أمنيون في منفذ شحن الحدودي الإدلاء بأي تصريحات حول عمليات ضبط الأسلحة المهربة لميليشيات الحوثي، ومعظمهم تكتموا عن الحديث لظروف أمنية.
فجوة أمنية
في المقابل، ورغم الخناق المفروض على ميليشيات الحوثي في المنافذ البحرية لليمن من قبل قوات التحالف العربي منذ اندلاع الحرب في اليمن في العام 2015م، إلا أن ذلك لم يكن كافيا لمنع وصول السلاح الإيراني إلى يد هذه الميليشيات.
فمنذ يوليو من العام الماضي لم نلحظ أي إعلان عن احباط عملية تهريب للسلاح إلى ميليشيات الحوثي من قبل قوات المهام المشتركة المكلفة بالرقابة على حركة الملاحة في البحر الأحمر ومضيق باب المندب خلافا لما أعلنته في الآونة الأخيرة، قوات البحرية الدولية المرابطة على امتداد بحر العرب من خليج عدن حتى مضيق هرمز.
ومن الواضح أن عملية التفتيش للسفن في البحر الأحمر وجنوبي باب المندب لم تعد بالنشاط الذي بدأته خلال السنوات الأولى للحرب، كما أن ما يتم اعتراضه من شحنات أسلحة ومصادرتها هي في الأساس جزء يسير من كميات عديدة تصل بأمان إلى يد ميليشيات الحوثي.
ويرى المحلل العسكري والخبير الاستراتيجي اليمني الدكتور علي الذهب، أن "هناك فجوة فيما يخص تفتيش ومراقبة تدفق الأسلحة للحوثيين، واتسعت هذه الفجوة في الوقت الذي دخلت فيه البلاد مرحلة الهدنة وأحدث تراخي من قبل الأطراف المراقبة لتهريب الأسلحة وتفتيش السفن المشبوهة".
وأوضح الذهب في حديث لـ"يمن شباب نت" أن "دور البحرية الدولية يتركز بدرجة رئيسية في مكافحة المخدرات، والتي هي في الأساس مصدر تمويل للجماعات الإرهابية قبل جماعات العنف".
وقال إن "القوات الدولية تضع تركزيها على محاربة تهريب الأسلحة في حال كانت مرتبطة بجماعات مناوئة للدول التابعة لهذه القوات ومن ذلك حلفاء إيران".
وفي الواقع هذا التدفق المستمر للأسلحة إلى ميليشيات الحوثي يتطلب يقظة في كل الظروف ودقة في المراقبة والتفتيش وهي مهام ملقاه على عاتق قوات التحالف العربي والقوات اليمنية المرابطة في المنافذ البحرية قبل أن تكون من مهام القوات البحرية الدولية.
فرصة للسلام يقابلها استعداد للحرب
عندما يفرض الطرف المتنصر شروطه وإرادته السياسية بالقوة على الطرف الآخر، يمكن أن يحل السلام لكن طرفي الصراع في اليمن لم يفرض أحدهما شيئا على الآخر حتى الآن.
ويبقى هناك رابط مهم في حال الوصول إلى طريق مسدودة ويتمثل في التداعيات الدولية التي فرضت الهدنة الأممية من أجل التفرغ لأماكن أخرى ذات أهمية أكبر وهي أوكرانيا، وهذا بطيعة الحال يحتمل خيارين، إما تأجيل الحرب في اليمن إلى فترة معينة أو الدفع نحو عملية السلام بشكل جدي.
ووفرت الهدنة الأممية فرصة لميليشيات الحوثي من أجل تهريب السلاح ونقله إلى مناطق سيطرتها دون تعرضها لهجمات طيران التحالف أو المراقبة التجسسية لتحركاتها كما كان يحدث قبل سريان الهدنة.
ويشير الذهب في حديثه لـ"يمن شباب نت"، إلى جانبين مهمين وراء ازدياد عمليات تهريب السلاح/ فالأول يتمثل في أن ميليشيات الحوثي تنفست الصعداء مع بدء الهدنة ووجدت متسعا من الوقت لتحرك عناصرها بأمان أثناء عمليات التهريب.
ويبرز الجانب الآخر في كون جماعة ميليشيات الحوثي قامت بإعداد وحشد الكثير من المقاتلين خلال فترة الهدنة، وهذا يتطلب توفير مزيد من الأسلحة والذخائر بكل أنواعها إلى جانب حاجتها للدعم اللوجيستي بما في ذلك التدريب على استخدام الأسلحة الحديثة لا سيما الصواريخ الذكية.
وتأتي عمليات تهريب السلاح هذه استجابة لحاجة حلفاء إيران من جماعات العنف والتطرف في المنطقة ومن بينها ميليشيات الحوثي، وهذا بدوره يولد ردة فعل مماثلة من قبل الدول المتضررة من سلوك إيران في المنطقة كالسعودية والإمارات، وهو ما يجعل الوضع الأمني مشتعلاً بشكل مستمر في المنطقة.
ومن أهم التداعيات التي يمكن أن يستنتجها القارئ للمشهد اليمني اليوم، هو أن استمرار عمليات تهريب الأسلحة هذه سبب مباشر في ابقاء فتيل الحرب مشتعلة، فإلى جانب قيام إيران بتهريب الأسلحة التقليدية الخاصة بالمشاة لميليشيات الحوثي فهي أيضا تقوم بتقديم وتطوير الأسلحة الاستراتيجية مثل الطائرات المسيرة والصواريخ الذكية ووقودها.
ومن البديهي أن استمرار اشتعال فتيل الحرب في اليمن، سوف يلقى بظلاله على الأمن الإقليمي بشكل عام بما في ذلك أمن دول الجوار وأمن منطقة البحر الأحمر وخليج عدن، وبالطبع سيؤثر ذلك على تدفق النفط والتجارة الدولية وسلاسل الإمداد في خط التجارة الدولي القريب من السواحل اليمنية.
ويبين المحلل العسكري الذهب، أن " استمرار فتيل الحرب في اليمن يؤثر على تفرغ دول الجوار للبناء والتنمية كونها تجد نفسها أمام تحدي أمني تحاول أن تواجهه وتوجه نحوه جزءا من امكانياتها المادية والأمنية والعسكرية والتكنولوجية".
والمؤكد أن التحدي الأمني لم يعد يقتصر على أمن السلطة الداخلي المتعلق بالمواطن، فقد صار هذا الجانب يحمل أبعادا مختلفة بما في ذلك الأمن البحري، وهو جزء مهم من الأمن القومي لما من شأنه القيام بتأمين انتقال المنتجات في المناطق البحرية المحفوفة بالمخاطر مثل السواحل اليمنية التي ما تزال تواجه تهديدات بفعل المشكلات الأمنية التي تثيرها ميليشيات الحوثي.
حلاوة السلام ومرارة الواقع
إذا ربطنا عمليات تهريب الأسلحة لميليشيات الحوثي بالحديث عن وجود مشاورات بين قيادة المليشيا وممثلين عن المملكة العربية السعودية، نجد أن كل طرف ما يزال يحشد ما يمكن حشده من الأسلحة والقوة البشرية.
وهذا يفسر أن كل طرف يتوقع فشل المشاورات في الوقت الراهن أو احتمالية المضي قدماً إلى نقطة محددة في المستقبل ثم تتعثر عملية السلام فتعود المواجهات بين الطرفين مرة أخرى.
وحول هذا الجانب أوضح الدكتور الذهب في اطار حديثه لـ"يمن شباب نت" أن "تدفق السلاح قد يشجع الحوثيين على التمسك بخيار القوة ويجعل خيار السلام خيارا استثنائيا للجماعة وهذا بالتالي سيقابل بالمثل من الطرف الآخر".
وأشار إلى أن الطرف المتمثل بالشرعية ما تزال لديها قوة وتسيطر على مساحة واسعة من الأرض وهي مساحة ذات أهمية وإن كانت تواجه تحديات في بنيتها السياسية والعسكرية إلى جانب التحديات المتعلقة بالاقتصاد والموارد ووحدة القرار السياسي بشكل عام.
وتوقع الذهب، أن عملية السلام ماضية بقوة لأن هناك من يدفع ويضغط على تحقيق خيار السلام، ولكنه يبين أن هذا لا يعني أن الحرب قد تهدأ فيمكن أن تحدث بعدها دورات عنف متقطعة إلا أنها لن تكون على نحو ما سبق وانما لتحقيق مكاسب سياسية يفرض ارادته من خلالها في أي تفاوض على عملية سلام.
وأرجع السبب في ذلك أن "كل طرف تذوق حلاوة السلام وبدأ يجني كثير من مكاسبها على مستوى الشخصي وعلى مستوى الجماعي داخل طرفي الصراع وهو ما يجعل خيار العودة إلى الحرب صعبة إلى حد ما".
كما يعتقد الدكتور الذهب أنه في "حال تحققت عملية السلام لن يكون هناك تأثير على المدى البعيد لأن البلاد كلها ستدخل في تسوية سياسية بين الأطراف المختلفة وسيكون هناك حد للتعامل مع الأسلحة".
فيما استبعد نجاح أي عملية تنظيم القوات المسلحة تحت قيادة موحدة على أرض الواقع بين طرفي الصراع، لكنه توقع حدوث تحولات داخل بنية الأطراف نفسها بما فيها إقناع ميليشيات الحوثي بالعودة إلى بناء الدولة وتعطيل دورها القتالي المنفرد.
الخلاصة
يحاول نظام إيران تصدير أزمته الداخلية إلى الخارج، بعد تعرضها لهجمات مجهولة ونشوب احتجاجات شعبية عارمة امتدت لعدة شهور، وهذا الأمر يجعلها بحاجة ماسة للبقاء على تواصل مفتوح مع حلفائها من جماعات التطرف والعنف في منطقة الخليج العربي والعراق وسوريا بغرض جعلها مشتعلة.
وبالفعل يظل خطر الأسلحة التي تدعم بها إيران ميليشيات الحوثي، مصدر تهديد سيطال الجميع في المنطقة لا سيما بعض دول الخليج، إلى جانب تهديدها لخطوط الملاحة في البحر الأحمر ومضيق باب المندب وجنوبي قناة السويس وهو ما يجعل الخطر يطال أيضا مصالح جمهورية مصر العربية.
فكما هو معروف ترتبط جماعة ميليشيات الحوثي ارتباطا وثيقا بمصالح النظام الإيراني الحالي في البحر الأحمر والخليج العربي، حيث يعد الحوثيون نقطة اتصال ضمن مصفوفة من جماعات العنف التي تدعمها إيران في سوريا والعراق وصولا إلى القرن الإفريقي.
أخبار ذات صلة
الخميس, 09 فبراير, 2023
اليمن والتحالف يبحثان سبل رفع الجاهزية القتالية والاستعداد لكل الاحتمالات
الخميس, 09 فبراير, 2023
فريق الخبراء الأممي: الحوثيون يُديرون شبكة في اليمن وعمان لتسهيل عمليات تهريب السلاح
الخميس, 09 فبراير, 2023
لماذا ستبذل إيران ما بوسعها لمنع التوصل لأي تسوية دبلوماسية للصراع في اليمن؟