كان يوم الواحد والعشرين من سبتمبر 2014 يوما أسود في التاريخ اليمني الحديث، حيث انقلبت مليشيات الحوثي وبدعم النظام الإيراني، على الدولة، وسيطرت على العاصمة صنعاء بالقوة العسكرية، قبل أن تنقل الحرب إلى المدن والأرياف اليمنية.
وأدت الحرب التي تدور رحاها للعام الثامن على التوالي إلى سقوط عشرات الآلاف من القتلى والجرحى وتدمير مؤسسات الدولة، إلا أن النتائج الكارثية الحقيقية تتمثل في تدمير القيم لدى الناس، وتفتيت النسيج الاجتماعي، والقضاء على اللحمة الوطنية لأبناء الشعب الواحد.
لقد أمست التعابير والمصطلحات المناطقية والعنصرية والجهوية والقروية هي السائدة في الخطاب اليومي، في مشهد سوريالي ــ تراجيدي يحزّ في النفس ويعكس فداحة الأزمة التي أصابت الكيان الوطني والنسيج الاجتماعي والتي ستترك جروحا عميقة لعقود من الزمن يصعب معالجتها.
خراب مادي واجتماعي
"لم تحدث الحرب خراباً مادياً في البنى التحتية فقط، بل أحدثت خراباً اجتماعياً ونفسياً وذهنياً لا حدود له"، وفق القيادي في منظمة الحزب الاشتراكي اليمني عيبان السامعي.
وقال السامعي لـ"يمن شباب نت"، إن فداحة هذا الخراب الاجتماعي تتجلى في تسيد النزعات العصبوية ذات التلاوين المختلفة: "الطائفية والقبائلية والمناطقية والجهوية على حساب الانتماء الوطني والهوية الوطنية".
وأوضح أن الحرب وفّرت مناخاً ملائماً لتنامي نفوذ الجماعات المسلحة، وباتت هذه الجماعات تسيطر على مساحات جغرافية واسعة من البلاد، مستندةً في ذلك إلى عناصر قوة عديدة متمثلة بـ: السلاح، والمال السياسي، والدعم الخارجي، والخطاب الاعلامي والديني والجهوي المُسيَّس والذي يسعى إلى أدلجة أفراد المجتمع ولاسيما الشباب.
وأشار إلى أنه بات كثيرون يعيدون تعريف أنفسهم بالتضاد مع هويتهم كيمنيين، مُستجلِبين هويات عصبوية وانتماءات ما قبل وطنية.
وبين السامعي، أن الحرب بطبيعتها هي ممارسة غريزية هوجاء مدمِّرة، تدمِّر الروابط الإنسانية وتفكّك النسيج الاجتماعي وتخلق الأشرار باستمرار، وتنفخ الحرب في كِير العنف والثارات والتناحرات وتزيدها اضطراماً وأُجِيجَاً، فالحرب بجملة: "هي استبعاد لمعنى الإنسان فينا، لصالح حضور التوحش والافتراس!".
وأكد أن هذا الوضع الفادح لا يتحمل وزره غير أطراف الصراع، وفي مقدمتها مليشيات الحوثي التي تسببت في إشعال فتيل الحرب، وعملت على تطييف الصراع، بل وتطييف المجتمع والحياة من خلال شعاراتها وإجراءاتها الطائفية.
وتتمثل الإجراءات الحوثية في الادعاء بـ"الحق الإلهي في الحكم"، وإقرار ما يسمى "الخُمُس"، وتفخيخ المناهج التعليمية بالأفكار الطائفية، وتقسيم المجتمع إلى مراتب ودرجات ضداً على مبدأ المواطنة والانتماء الوطني.
ولفت إلى أن كل ذلك قد أدى إلى خلق ردود أفعال في الاتجاه المضاد ولكنه يؤدي نفس الدور في الإضرار بالنسيج الاجتماعي، ونقصد بذلك لجوء الجماعات المناوئة للحوثية إلى تصدير خطاب طائفي مضاد (...).
الحرب نتاج المشاريع العنصرية
من جانبه يرى الكاتب الصحفي اليمني، همدان العلي أن أي مشاريع عنصرية تتسبب بحروب طاحنة، فمعظم الحروب في أنحاء العالم هي نتيجة دعوات ونزعات عنصرية سواء كانت مناطقية أو دينية أو عرقية أو متعلقة باللون وغيرها، إضافة إلى الحروب يكون هناك نتائج متعلقة بتفتيت النسيج المجتمعي وهذا للأسف ما هو حاصل اليوم.
وقال العلي لـ"يمن شباب نت"، إن "عقلاء اليمن كانوا يحاولون التحذير والتنبيه من هذه الاشكالية وخطورة ما سيحدث فيما إذا استمرت مليشيات الحوثي بتهديد السلم الاجتماعي أثناء ما كانت في صعدة".
واستدرك: "لكن هكذا هي نتائج المشاريع الطائفية، فللأسف خرجت هذه العصابة من صعدة وتسببت بشروخ مجتمعية على كافة المستويات العرقي والمذهبي والمناطقي، وأصبح هناك تنافر عرقي ومذهبي ومناطقي".
وأكد العلي أن هذا الأمر نتيجة طبيعية لسيطرة عصابة تمثل طائفة وعرقية محددة على العاصمة صنعاء، فصنعاء لا تحكم دوما إلا بالتنوع الذي يمثل كل المناطق والمذاهب والأعراق اليمنية.
ولفت إلى أنه حين جاءت مليشيات الحوثي التي تمثل طائفة معينة وسيطرت على صنعاء تسببت بتمزيق وتفتيت النسيج الاجتماعي.
خطاب وطني لمواجهة العنصرية
ويشدد السامعي على أنه يجب على الأحزاب السياسية استعادة دورها وإنتاج خطاب وطني ديمقراطي لمواجهة الخطاب الطائفي والشحن المناطقي والتحريض الديني، خطاب يُعلي من اسم اليمن شعباً وتاريخاً وأرضاً وهوية جامعة.
وقال خلال حديثه لـ"يمن شباب نت"، إنه ويجب أيضا استعادة العملية السياسية التوافقية، وطي صفحة الحرب والانقلاب، واستكمال مهام المرحلة الانتقالية من النقطة التي توقفت عندها.
وتتمثل في إقرار مسودة الدستور الاتحادي والشروع في بناء الدولة الاتحادية وفق وثيقة مخرجات الحوار الوطني باعتبارها المخرج الملائم لكل المشاكل والتحديات الماثلة.
كما يجب –وفق السامعي- إجراء تغيير جذري في أداء مؤسسات الدولة باتجاه تخليق سلطة وطنية ديمقراطية جادة ونزيهة تعمل من أجل الشعب وتحل مشاكله".
وأكد على ضرورة إصلاح نظام التعليم، وإزالة كل الأفكار والمفاهيم التي تتضاد مع مبادئ المواطنة والديمقراطية وقيم الحداثة، واستحداث مواد عصرية تعمل على ترسيخ قيم التعايش والتسامح والقبول بالآخر في أذهان النشء والأجيال الجديدة.
من جانبه يشدد الكاتب العلي على أنه "يجب على اليمنيين أن يخوضوا معركتهم ضد المذهبية والمناطقية بشكل حاسم، والقضاء على العنصرية، وإلا ستستمر عملية تفتيت النسيج الاجتماعي".
وقال،"لا يمكن أن يحكم اليمن بدوافع عرقية ومذهبية، ولا يمكن لطائفة لا تمثل كل اليمنيين"، مضيفا أن "تحكم اليمن بهذه الطريقة، ستبقى الحروب والنزاعات، وسيستمر التمزق والتفتت الاجتماعي، وهذا الأمر نتيجة طبيعية للعنصرية".
وتابع، "أن تحكم طائفة وفق ادعاء أنها مميزة ومصطفاة من الله، فهناك الطوائف الأخرى سترفع نفس الشعارات، على سبيل المثال السكان الأصليون لمحافظة معينة سيرفعون شعار نحن أولى بحكم بلادنا، وبالتالي هذه دعوة متشددة مقابل دعوة عنصرية ومتطرفة".
ويرى العلي أن الحل الأمثل أن" يواجه اليمنيون العنصرية بكافة أشكالها لتستقر اليمن، فمعظم دول العالم عانت من العنصرية وعدم الاستقرار والحروب، ولكي تستقر اتخذت خطوة جريئة لتجريم المفاهيم والمعتقدات العنصرية، وكذلك اليمن لن يستقر إلا بتجريم العنصرية والدعوات المذهبية والنزعات المناطقية والعرقية".