انشغل الصحفي مجاهد حمود بتغطية أخبار الجرب وتبعاتها على حياة اليمنيين. ثمانية أعوام ومجاهد يكتب عن القتلى والجرحى والانفجارات والقصف والنزوح، ما جعله يدخل في مرحلة نفسية صعبة حيث كان فريسة سهلة لمرض الاكتئاب الذي لاحظ أعراضه مؤخرا ليتوجه للأطباء والأخصائيين النفسيين لتلقي العلاج.
ومنذ أكثر من 8 أعوام يشهد اليمن حربا مستمرة ومدمرة، جراء انقلاب مليشيات الحوثي المدعومة من إيران على الحكومة الشرعية، ومحاولتها السيطرة على البلاد بالقوة.
ويعاني 1 من 5 أشخاص في اليمن من اضطرابات نفسية نتيجة الحرب، وفق مكتب صندوق الأمم المتحدة للسكان باليمن. وبحسب الأمم المتحدة، فإن 22%، ممن يعيشون في منطقة متأثرة بالنزاع، يعانون من الاكتئاب والقلق واضطراب ما بعد الصدمة والاضطراب الثنائي القطب أو الفصام.
تبعات تغطية الحرب
أثرت الحرب المستمرة في اليمن منذ 8 سنوات، نفسيا على كل فئات المجتمع بلا استثناء، لكن الصحفيين هم الفئة الأكثر عرضة للاكتئاب في زمن الحرب نتيجة انشغالهم بأخبارها ومعايشتهم لأحداثها.
وقال الصحفي حمود لـ "يمن شباب نت"، "كان للعمل الصحفي في ظل الحرب بمدينة تعز تبعات نفسية أثرت بشكل تدريجي من خلال العمل على مدى أكثر من خمس سنوات بشكل مستمر في تغطية ورصد الأحداث خاصة ما يتعلق بالجانب الإنساني والذي أعمل عليه بشكل كبير".
وأضاف، "لم ألاحظ أعراض الاكتئاب إلا في نهاية 2021 حين بدأت نفسيتي بحب الاعتزال عن الأصدقاء والجلوس لوحدي حتى خلال العمل، ولم يعد الانتاج كما كان والعمل صار مملا للغاية".
وتابع: "أحسست بالغربة وأنا بين أصدقائي، أكره التواصل حتى مع أعز أصدقائي، رنين التلفون يزعجني، وكل من حولي حتى مواقع التواصل الاجتماعي لا أحب أن أتطلع فيها، أريد أن أبقى وحدي، كآبة لا تطاق رافقتني خلال أشهر.
وزاد مجاهد، "صرت أبحث عن نفسي وأتساءل أين مجاهد لم أكن من قبل كاليوم كنت مرحاً كان لدي أصدقاء أتواصل معهم لماذا الان، لا أحد يعرف عني شيء وما الذي أعايشه، بقيت صامتاً لا أحد يعرف عني شيئا".
وأشار إلى أنه بعد افتتاح مرصد الحريات الاعلامية التابع لمركز الإعلام الاقتصادي العيادة النفسية في اكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي، قدمت على الرابط لتلقي جلسات الدعم النفسي. أجريت حوالي 17 جلسة دعم نفسي وتم صرف علاج الاكتئاب من الدكتورة سعاد القدسي المسؤولة عن العيادة.
وقال "ما زالت لدي جلسات أخرى، والمؤسسة الإعلامية التي أعمل لديها لم أخبرها بشيء عن حالتي النفسية، ولكني الآن بدأت أحس بالحياة مجددا ولكن ليس كل الوقت فمرحلة العلاج لم تنته بعد".
أسباب الإصابة
وتزايدت حالات الاكتئاب بشكل كبير في أوساط اليمنيين نتيجة الحرب والصراعات التي تمر بها البلاد، ما زاد من عدد حالات القتل والانتحار، كما أن الحرب ضاعفت من حالات الاصابات بالأمراض المزمنة مثل ضغط الدم وأمراض القلب والسكري وكذا تزايد الذبحات الصدرية نتيجة الاكتئاب.
وبحسب الطبيب اليمني الدكتور هشام فاروق فإن "الاكتئاب هو أحد الأمراض النفسية التي قد تصيب الإنسان نتيجة عدة عوامل ودمن ضمنها الضغوط النفسية والجسدية التي قد يتعرض لها الشخص".
وقال فاروق لـ"يمن شباب نت"، "بالتأكيد كان للحرب أثر بالغ على الصحة النفسية والعقلية لجميع فئات المجتمع اليمني وضمنهم الصحفيين والذين يعتبرون من أكثر الفئات المجتمعية التي تتعرض للكثير من الضغوطات التي تتسبب في تدمير صحتهم النفسية نتيجة ما يمرون به من اعتقالات واختطافات وتهديدات والاخفاء الأسري".
ولفت إلى أن شعورهم الدائم بأنهم ليسوا بأمان وخوفهم على حياتهم وحياة عائلاتهم يضاعف من فرصة إصابتهم ببعض الأمراض النفسية ومن ضمنها الاكتئاب.
ويشدد فاروق على أن "من المهم جدا أن يتعرف الصحفي على الطرق التي من الممكن أن تجنبه الإصابة بالاكتئاب ومن أهمها ممارسة بعض التمارين الرياضية التي تساعد عقلك بشكل كبير جداً ومفاجئ في بعض الأحيان في تجنب إصابتك بالقلق أو الاكتئاب.
وأوضح أن التواصل مع الآخرين يساعد في الخروج من حالة الحزن والقلق التي قد تصيبك، أضف إلى ذلك ان التواصل مع الآخرين يكسر الأفكار السلبية التي قد تراودك، ولابد أيضا أن يحظى الشخص بالقدر الكافي من النوم للحفاظ على صحته النفسية والعقلية والابتعاد عن كل العادات الضارة التي قد تضاعف من الحالة الصحية للمريض".
أعراض الاكتئاب
تتمثل أعراض الاكتئاب في الشعور الدائم بالتعب والإرهاق، الانطواء والعزلة، فقدان الفرح والسرور، وفقدان الثقة بالنفس، عدم تقديرك لذاتك، والشعور بالذنب وأنك تستحق العقاب، مشاعر مترددة.
كما تشمل –وفق الطبيب فاروق- عدم القدرة على التركيز واضطرابات بالنوم أو الأكل وفي مرحلة من المراحل قد يصل الأمر للتفكير بالانتحار أو محاولة الانتحار.
وقال الدكتور فاروق إنه "في حال الشعور بهذه الأعراض يجب على الشخص زيارة الطبيب النفسي في المراحل الأولى من ظهور الأعراض وبناء على حالته سيقوم الطبيب بوصف العلاج الدوائي المناسب له بجانب جلسات الدعم النفسي العلاجية".
ويعاني اليمن من شحة الأطباء النفسيين، حيث لم يتجاوز عددهم 59 طبيبا في عام 2020 بحسب وزارة الصحة، ما يعني توافر طبيب نفسي واحد لكل نصف مليون شخص.
أمّا متوسط عدد العاملين الصحيين المتخصّصين في الصحة النفسية (أطباء وممرضين ومعالجين) فتُقدّر بحوالى 300 أي بمعدل متخصّص واحد لكل مائة ألف نسمة.