حين تلج بقدميك إلى منزل الفنان التشكيلي وليد دله الكائن في مدينة تعز القديمة؛ تستقبلك لوحات فنية زيتية ومائية وبالقلم الرصاص ومنحوتات تزين كل مكان شاغر في البيت، وتضفي على المنزل جمالا ساحرا يتحدث إليك بكل ألوان الطيف.
ليست هذه اللوحات من إبداع وليد فقط، بل هي موزعة على أربعة فنانين تشكيليين يسكنون تحت سقف هذا المنزل، وهم وليد ونجلاه إياد ولؤي وزوجة إياد الفنانة التشكيلية هبة الأمير، فتكون بحضرة عائلة فنية مميزة حفرت اسمها في قائمة التشكيليين اليمنيين.
في العام 1973 ولد وليد دله في المدينة القديمة بتعز، والتحق بمدرسة الأشرفية حيث كانت تبهره النقوش الملونة والمرسومة بأشكال هندسية متقنة، وفي هذه المرحلة كانت بداية الشغف بالرسم واللعب بالألوان، ليبدأ بمحاكاة بعض الرسومات، وهنا كانت بداياته التي تطورت لاحتراف كل أنواع الرسم سواء بالقلم الرصاص أو بالألوان المائية أو الزيتية أو الأعمال المنحوتة.
من المحاكاة إلى الخلق تتنوع إبداعات وليد دله سواء كانت لوحات فنية أو أعمال منحوتة، حيث يبرز الخيال جليا في أعمال دله السريالية فيما تبرز جماليات أعماله الفنية في جميع اعماله بما فيها الواقعية.
وفي مجال النحت كان حب دله لشاعر اليمن الكبير عبدالله البردوني سببا في احترافه النحت، حيث أنجز منحوتا نصفيا لرأس البردوني يستند على قاعدة تمثل كتابا مفتوحا كرمزية للإرث الذي خلفه البردوني شعرا ونثرا، وهذا العمل نال جائزة رئيس الجمهورية للفن التشكيلي.
بعد البردوني أنجز دله عددا من المنحوتات أبرزها أعمال نحت للشهيد أحمد الثلايا ووزير الثقافة اليمني الأسبق خالد الرويشان والناشطة توكل كرمان بالإضافة إلى منحوت الصدور العارية المعبر عن ثورة 11 فبراير الشبابية الشعبية (2011)، كما له منحوتات لقلعة القاهرة ودار الحجر.
على خطى الوالد
انشغال وليد دله بالرسم والنحت جعل أولاده يتأثرون به ويحاولون تقليده، وبتشجيع منه أصبح نجلاه إياد ولؤي فنانين تشكيليين، حيث يمارسان جميع أنواع الرسم، وقد طورا موهبتهما بالالتحاق بقسم الفنون الجميلة بكلية الآداب بجامعة تعز، حيث تخرج منها إياد وحصل على الترتيب الأول على دفعته، وهو اليوم معيد في القسم وأصبح مدرسا في القسم الذي التحق به شقيقه لؤي.
يقول لؤي لـ"يمن شباب نت" "تأثرت بالفن بصورة كبيرة من أبي في مرحلة الثانوية، وكانت أول بداية لي هي هذه المرحلة، وبدأت في أول خطوة وهي رسم الشخصيات الكرتونية، وكنت أطلب من والدي أن يعطيني رأيه الشخصي في رسوماتي، وهذا كان الرابط الأقوى والمحفز لي، وحبب لي الرسم بشكل كبير".
وأضاف، "الرسم جعلني أغرس مجموعة من القيم التي أثرت على إحساسي وأثرت على شخصيتي، لأن شخصيتي كانت شخصية الطفل الشقي، والرسم عزز العزيمة والإرادة عندي".
وتابع لؤي: "تعلقت بالفن بشكل كبير حين وثق أبي بطريقي الفني ومدى تطوري، وهو التطور الذي زاد مع الممارسة، ومن هنا زاد شغفي بالرسم والتحقت بدورة فنية عبر مواقع التواصل وبدورة أخرى خاصة بتنمية المهارات لأني أحببت هذا المجال وأصبح إلزاميا عليَّ، وشيئا من روتيني اليومي، والتحقت بالجامعة وفي أول محاضرة في الرسم حين أكملت رسمتي اندهش الدكتور بطريقة إيجابية وعرضها على الجميع وأنا الآن أسير في مسيرتي الفنية كفنان تشكيلي".
الحرب والفن
الحرب التي تشهدها البلاد للعام الثامن على التوالي أثرت على عمل وليد دله، الذي أصبح معطلا عن وظيفته الحكومية، كما أثرت كثيرا في أعماله الفنية، وباتت الحرب تمثل قيمة مهمة في أعمال دله، حيث أنجز عشرات الأعمال الفنية التي تناقش موضوع الحرب والحصار على تعز.
وينهمك وليد دله في إبراز الخصوصية الثقافية لتعز في أعماله الفنية، خاصة في الأعمال التي أنجزها في مرحلة الحرب التي تعيشها البلاد، حيث تركز معظم أعماله الأخيرة على إبراز تعز وصمودها في وجه الحرب والحصار، ويرمز إلى تعز بامرأة ترتدي الزي التقليدي الصبري وهي تقف شامخة وتأبى أن تنحني أو تموت.
وللحرب تأثيرها أيضا على المنحوتات التي ينجزها دله، والذي أنجز منحوت "استراحة محارب" وهو عمل يمثل المقاتل الذي يميزه الزي التعزي، وهو يجلس في استراحة مثقلا بالأوجاع والهموم، وهذا العمل يعبر عن المقاتلين في الجبهات والذين يواجهون ميليشيا الحوثي الانقلابية.
يرى دله أن الساحة الثقافية اليوم تفتقد للقيادة الثقافية التي تتبنى المبدعين وتقدم لهم الدعم المالي واللوجستي، ما يساعد المبدع على خلق وتفجير طاقته الابداعية التي تنعكس على ما يقدمه من إضافات إبداعية للساحة الثقافية، فمتى ما وجدت هذه القيادة نرى أن الحراك الثقافي ينتعش ويتزايد.