بدا على تعابير وجه الشابة "أسماء شهبين" ملامح الرضى على نجاح مشروعها في بيع الملابس، والذي لا يخلو من الزبائن في شارع حدة بالعاصمة صنعاء، وقالت: "إنها أول سيدة أعمال تفتتح متجراً لبيع ملابس تركية ذات جودة في اليمن".
تتذكر "أسماء" التي هي في أواخر العشرينيات من عمرها، بدايتها في مجال الملبوسات قبل نحو أربع سنوات، عندما كانت وسيطا بين منصات البيع العالمية عبر الإنترنت والعملاء في اليمن، وبدأت بتقديم الخدمة لهم دون الاكتراث بالمردود المالي.
وقالت في حديث لـ"يمن شباب نت"، "انتشر نشاطي سريعا بين الفتيات، لاسيما واني كنت اعرف طريقة الطلب، وجودة السلع، ومواعيد الخصم، وكنت اريد بناء ثقة في البداية بعيداً عن الربح، هذا جعلني أكسب الكثير من الزبائن كوسيط للطلب لهم من متاجر الانترنت".
واستطاعت المشاريع الصغيرة للكثير من الشباب خلال السنوات الماضية تحقيق نجاحاً لافتا، رغم الظروف الاقتصادية المتردية نتيجة الحرب، والتي فاقهما الانقسام النقدي الجاري في البلاد، والذي تحول لعائق كبير امام كثير من المشروعات الناشئة.
وقالت أسماء "ان انخراطها في مجال التسويق الالكتروني مكنها من التعرف على تجار خارج اليمن، وعرفها بتفاصيل أكثر حول الماركات المختلفة، جعلها تفكر في انشاء متجر تركي في اليمن، لاسيما وأنها ذات جودة عالية مقارنة بالمنتجات الرديئة التي تملأ الأسواق اليمنية".
مصاعب وتحديات
"اعتمدت على نفسي، منذ انهيت دراسة الثانوية، اشتغلت في عده مجالات"، تتحدث أسماء عن حياتها وتضيف: "بعد تخرجي من كلية الاعلام بجامعة صنعاء، مكثت في البيت سنتين، كنت أفكر ان الازمة ستنتهي لكنها طالت". وقالت: "حاولت إيجاد شي خارج عن المألوف فكرت في المتجر الذي أصبح الان واجه العرائس والفتيات، وأصبحت ثماره تظهر جلية باستمرار، بحب الزبائن وطلباتهم لكل جديد. تضيف أسماء".
وفي مطلع أغسطس 2019، افتتحت "أسماء" محلها الصغير للمنتجات التركية في إحدى الأسواق التجارية الكبيرة في العاصمة صنعاء، وواجهات أكبر تحدي لم يكن في الحسبان، في انتشار فيروس كورونا (كوفيد19)، أدى إلى إغلاق متجرها الناشئ بسبب قيود التباعد الاجتماعي.
واجهة متجر الشابة "أسماء شهبين" في إحدى الأسواق التجارية في العاصمة صنعاء (يمن شباب نت)
تقول "شهبين": "شعرت حينها أن أحلام وطموحي يتهدم وكنت غارقة في الخيبة والأسى"، وتابعت: "أدت أزمة كورونا أيضاً إلى تأخر شحن البضائع لأشهر". وقالت: "لم أتوقف عن التفكير بحل فبدأت بالعمل من جديد، واقترضت مبلغا من المال، لتسديد فواتير المحل وبعض الديون، وعملت على إعادة البيع من المتجر عن بعد".
وأردفت بالقول: "كثفت من الحملات الدعائية للمشروع عبر مواقع التواصل الاجتماعي، استقطبت عملاء جدد، كان عندي استعداد لعمل أي شيء في سبيل ان يبقى مشروعي قائم، صحيح ان موسم رمضان والعيد خسرت بشكل كبير لكنني واصلت".
طموح وأحلام
بعد انتهاء أزمة كورنا وعودة الحياة، وجدت "أسماء" متنفس لاستعاده محلها واستئناف عملها من جديد، لكن الازمات لم تنتهي في اليمن حيث ظهرت ازمة الانقسام النقدي، بوجود عملتين مختلفين شمالا وجنوبا والتي أثرت بشكل كبير على حركة البيع والشراء على حركة التجارة الداخلية بين المحافظات.
وقالت: "أن هذا الانقسام النقدي إثر على نشاطها وأصبحت اغلب بضاعتها تسوق شمالا أكثر من الجنوب بسبب فارق الصرف".
تطمح "أسماء" الى تصميم أكبر موقع تسويق الكتروني في اليمن أولا، وعالميا ثانيا لبيع المنتجات التركية بشكل أوسع، كما تتمنى وجود خط انتاج خاص فيها يحمل ماركة مسجلة باسمها.
وتعبر عن ثقتها بنجاحها الحتمي بالقول "الاستلام ليس في قاموسي، انا اتعثر وانهض، لكنني أصل مهما كان الطريق صعب، اليوم محلي الصغير هو المكان الذي أجد فيه راحتي وسعادتي، المشروع الخاص يجعل الشخص أكثر ثقة لاسيما ان كانت صاحبته امرأة".
معاناة الحرب مستمرة
ورغم ان الحرب صنعت حالة من الإحباط في أوساط الشباب في اليمن، إلا آن آخرين استطاعوا تحقيق نجاح في انشاء مشاريع صغيرة خاصة، البعض لا يريد لحياته أن تتوقف بفعل الحرب، وآخرين يبحثون عن مصدر للعيش بعد انهيار مؤسسات الدولة وانقطاع الرواتب.
وخلقت الحرب المستمرة في اليمن للعام الثامن على التوالي، أزمة إنسانية هي الأسوأ في العالم حيث يحتاج نحو 21 مليون يمني لمساعدات إنسانية خلال العام 2023، وفق تقارير أممية، في ظل استمرار استخدام الاقتصاد كورقة ابتزاز سياسي أدت الى تعميق الانقسام النقدي خلال الأعوام الماضية.
وكشف تقرير صادر عن مركز الأبحاث العربي "عربية برين ترست" عن حجم خسارة اليمن بسبب الصراع والتي قدرها بين 170 و200 مليار دولار من ناتجه المحلي الإجمالي بين الأعوام 2015 إلى 2022، في حين غطت المساعدات ما بين 10 و12% من الاحتياجات. وعلى الرغم من تقديم أكثر من 20 مليار دولار من المساعدات الإنسانية إلا أن الصراع والحرمان مستمران.