بعد أكثر من عقدين ونيف من رحيل الشاعر والروائي اليمني الكبير عبدالله البردوني؛ تحاول مليشيات الحوثي المدعومة من إيران، توظيف رمزيته الوطنية والفكرية بما يتسق مع مشروعها الطائفي من خلال إصدارات أدبية مزورة.
ومؤخرا، أصدرت الهيئة العامة للكتاب التابعة للحوثيين مجموعتين شعريتين نسبتهما للبردوني بعنواني: (رحلة ابن شاب قرناها) و (العشق في مرفئ القمر)، وأصدرتهما في كتاب واحد، فيما تسعى لإصدار كتاب أخر يحمل عنوان "علي والحسين.. انتصار لإرادة الأمة".
وللبردوني (1929- 1999) 12 ديوانًا شعريًا، وثمانية مؤلفات فكرية، أبرزها "اليمن الجمهوري" والذي تناول فيه انتصار الجمهورية على النظام الإمامي بداية من أحداث الثورة الدستورية عام 48 حتى قيام الجمهورية في السادس والعشرين من سبتمبر 1962، وما لحقها من اضطرابات.
وأثار إعلان مليشيات الحوثي طباعة المجموعتين الشعريتين التي نسبتهما للبردوني موجة جدل واستياء في أوساط المثقفين اليمنيين، والذين أجمعوا على أن ذلك محاولة من المليشيا لتوظيف مكانة البردوني والتدثّر بها لتسويق نفسها لدى المجتمع اليمني في ظل العزلة التي تواجهها.
شكوك حول مصدرها
مع المزاعم الحوثية عن وجود أعمال أدبية للشاعر البردوني لم تُنشر من قبل، قال وزير الثقافة الأسبق خالد الرويشان، إنه تواصل بالبردوني عام 1998، -أي قبل عام من وفاته- طالبا منه أن ينشر له ديواناً جديداً، ضمن مطبوعات هيئة الكتاب التي كان يرأسها آنذاك، إلا أن البردوني اعتذر عن ذلك قائلا: "ليس لدي ديوانٌ جديد للنشر".
وأضاف الرويشان -في مقال له على صفحته بالفيسبوك-: "لا أريد لليمنيين أن يختلفوا اليوم بالمزايدة على تراث البردوني"، داعيا إلى الاكتفاء بنشر ما نشره الشاعر الكبير من شعرٍ أو نثر في حياته فقط.
وتابع مخاطبا الحوثيين: "إذا كنتم تحبّون البردوني وتقدّرونهُ حق قدره فالتزموا بما نشر في حياته فحسب، وهو كثيرٌ وعظيمٌ وخالد.. هو البردوني مكتملاً.. فلا تنقصوه بترهاتكم وثرثراتكم ومزايداتكم وضغائنكم ومذهبياتكم!".
من جانبه، قال الروائي اليمني علي المقري، إن معلومات وصلته تفيد بأن مخطوط الكتاب الذي تضمن المجموعتين الشعريتين يحتوي على عدد من الخطوط، ولم يُكتب بخط محمد الشاطبي، كاتب البردوني، وحده كما تدعي الهيئة التابعة للحوثيين التي قالت إنها استلمت جميع النصوص بخط الشاطبي.
وأضاف المقري -في منشور على صفحته بالفيسبوك- أنه "اقترح تشكيل لجنة للتحقق من المخطوطات من قبل مجموعة من الشعراء والخبراء بشعر البردوني وبعض جلسائه ويسكنون في صنعاء، لكن القائمين على الهيئة التابعة للحوثيين رفضوا هذا الطلب، مما زاد الشكوك حول حقيقة هذه النصوص ومصدرها".
أزمة هوية ووجود
وعن العزلة التي يعاني منها الحوثة، قال الكاتب والأديب جمال انعم: "من الواضح أنهم يشعرون بالحاجة الى رموز ثقافية وأدبية ووطنية خاصة شهيرة جامعة ذات حضور وتأثير كبير كي يمنحوا دعاواهم وصراعهم قدرا من المعقولية والقبول والقيمة والمشروعية".
وأضاف انعم لـ"يمن شباب نت" إن الحوثة "يعدون الإصدار المثير للغط مجرد خطوة أولى على طريق إعادة نشر مالم ينشر من كتاباته كما يزعمون ومنها كتاب يعتزمون نشره بعنوان "علي والحسين رمزان لانتصار إرادة الأمة، بحسب منشوراتهم المتداولة".
وتابع: "الحوثيون نبت طارئ بلا جذور ولا أسس وسواند حقيقية راسخة، هم الوهم والخرافة والضغينة والعنف والخراب، وهم الجهل والقهر والفقر والبشاعة والخيانات والخواء المديد والحضور النكد الملتبس والملفق".
وأردف: "لا قضية وطنية أو إنسانية ولا مشروع قابل للبقاء.. هم في حالة فقر جذري على كل المستويات.. ومن ذلك افتقارهم إلى الرموز القادرة على منحهم الثقل والزخم الوطني والإنساني وإعطاء صراعهم الدفع المطلوب للاستمرار والصمود".
وزاد أنعم: "الأمر بدأ بمحاولة وقحة بائسة مع الشاعر الكبير عبدالعزيز المقالح ولن يتوقفوا باعتقادي عند البردوني، هو توجه معد ومدروس ومدعوم وسيتسع ويمتد اذا وجد الساحة خالية من حراس الروح والعقل والوجدان".
توظيف طائفي
في الإصدار الشعري المنسوب للبردوني الذي أصدرته مليشيات الحوثي؛ قصائد ورد فيها رموزا وتلميحات تُبشر بقدوم جماعة الحوثي، وأخرى تهجو الصحابي معاوية ابن أبي سفيان، الأمر الذي يؤكد أنها زائفة تأتي ضمن التوظيف الطائفي، وفق الصحفي فائد دحان.
وقال دحان لـ"يمن شباب نت"، إن "توظيف البردوني وتحويل أعماله إلى عنصر داعم لمشروع مليشيا الحوثي الاستعلائي يأتي في سياق المزايدة بكل ما هو يقين لدى اليمنيين".
وأضاف، "عندما طفح الناس من الحوثيين، وأصبح إيمانهم بالبردوني وأشعاره أعلى قيمة حاولوا استثمار ذلك وتطييف شاعر عظيم مثل البردوني وهم يفعلون ذلك يريدون ضرب عصفورين بحجر: "هز تاريخ البردوني وتسويق أنفسهم من خلال أشعار نسبت إليه زوراً وبهتان".
واستدرك: "هؤلاء – الحوثيون- زوروا أحاديث ونسبوها لرسول الله فليس غريبا عليهم أن يقدموا على خطوة كهذه. يفعلون كل ذلك وهم لا يعلمون أن هناك حراسا للشعر كما هناك من يعريهم في ثقافتهم الدينية فإن رجال الأدب من أبناء اليمن لهم بالمرصاد.
وتابع دحان: "الحوثيون يكشفون كذبهم ومحاولة تحريفهم وتزييف وعي الناس بأشعار البردوني وقصائده التي قالها وهو أعشى لأنه كان يرى الواقع بعينين مغمضتين كما يراهم اليوم ولن يسمح لهم المرور بين قصائده وتحريفها كما يحلوا لهم بل أنه في ثراه لهم بالمرصاد".
فيما يؤكد الكاتب أنعم، أن الحوثيين ينفذون "حملة لتوظيف الرموز الثقافية والأدبية في الصراع الراهن دون مواربة وهم لا يخفون أهدافهم فيما يتعلق بالبردوني".
بدوره يقول الصحفي بلال الطيب، لـ"يمن شباب نت"، إن مليشيات الحوثي "عصابة تلعب بخسة ودهاء".. "بالبداية استقطبوا كتاب ينفوا أن للبردوني مواد لم تطبع، وبالنهاية يطلعوا بأعمال جديدة للبردوني".
البردوني الجامع
واعتبر الناقد اليمني الدكتور عبدالواسع الحميري، أن محاولة إعادة إنتاج بردوني آخر غير البردوني الذي قرأناه وعرفناه من خلال ما كتب ونشر هو بنفسه "سلوك مستفز لكل يمني غيور، يحب وطنه ويحب البردوني".
وقال الحميري -في منشور على صفحته بالفيسبوك-، إن "البردوني عبر عن الروح الجمعي لأبناء هذا الوطن، بكافة أطيافهم وأطرافهم، وتجنب شأنه شأن كل مبدع عظيم، نبش قبور الماضي لإثارة النعرات العنصرية والمذهبية بين أبناء شعبه".
وأضاف، "مات البردوني بعد أن ذاع صيته، وعلا صوته، وعرف طريقه إلى الطباعة والنشر وهو بكامل قواه العقلية والمادية، ولو كان لديه شيء، يرضى عنه، ويرى أنه جدير بالنشر، لبادر بنفسه إلى نشره، وما احتاج إلى أن يتصدق عليه أحد".
ويقول الأديب جمال أنعم، إن "البردوني يجمع اليمنيين في متاهات السياسة والحروب والذاكرة والعصبيات وبواعث الانقسام والتشرذم يلملمهم، ويعيد اليهم، ويعود بهم إلى مساقط الحياة ومواطن الحب والجمال والندى والاخضرار، يجدون إنسانيتهم في شعره، ويعانق فضاءات كونية رحبة لا تحد".
وأختتم حديثه لـ"يمن شباب نت" قائلا: "البردوني لا يقبل التأطيرات الضيقة ولا الاستخدامات السيئة، ليبقى ملاذًا للجميع، يؤنسن الوجود ويمنح المعنى في رحلة البحث عن الكينونة والكرامة.. وتلك أساسات لن يقوى الحوثة على تزيفها مهما فعلوا".