برزت ظاهرة الابتزاز الالكتروني، كواحدة من المشكلات الخطيرة التي باتت تعاني منها المجتمعات، واليمن لم تكن بعيدة عن هذه المعضلة التي تزايدت مخاطرها، وباتت أحد الأسلحة الفتاكة التي تستهدف قيم الناس، وتعمل على تفكيك الأسرة والمجتمع، وتحديدا تلك التي تكون ضحاياها من الفتيات.
وشدد قانونيون، على ضرورة مكافحة ظاهرة الابتزاز الالكتروني التي تتعرض له الفتيات في المجتمع اليمني، ووضع القوانين الرادعة للحد من هذه الآفة الخطيرة التي تهدد المجتمع، والتعاون لتحديد سبل الوقاية منها، عبر الجهات الحكومية وبالشراكة مع منظمات المجتمع المدني، والمبادرات الشبابية، ووسائل الإعلام للتصدي لمثل هذه الظواهر الدخيلة على المجتمع.
وفتحت الحادثة التي أصيبت بها الناشطة اليمنية سارة علوان في مدينة تعز الشهر الماضي، حينما اقدمت على محاولة الانتحار عبر اطلاق النار على نفسها، بسبب ما تعرضت له من ابتزاز، فتحت الباب على مصراعيه حول المآلات الكارثية التي قد تسّببه هذه الظاهرة، الأمر الذي يستوجب القيام بما يلزم لمكافحتها والتوعية بسبل الوقاية منها.
ومع تزايد هذه الظاهرة استطلع "يمن شباب نت" أراء عدد من المحاميات والقانونيات للحديث عن أسباب هذه الظاهرة، وكيف عالجها القانون اليمني، وجهة الاختصاص المعنية بحل مثل هذه القضايا، وخرج بهذه الحصيلة.
الأسباب الجذرية
وفي هذا الصدد، قالت المحامية لبنى القدسي، إن ظاهرة الابتزاز الالكتروني انتشرت في السنوات الأخيرة بشكل ملفت، مشيرة الى عدم وجود احصائيات رسمية تكشف عن ضحايا هذه الظاهرة؛ وذلك لعدم قيام أسر ضحايا الابتزاز بإبلاغ الجهات المختصة.
وعزت القدسي في تصريح لـ"يمن شباب نت"، الأسباب الجذرية لهذه الظاهرة الى عدة أسباب أهمها التفكك الأسري، وممارسة العنف الأسري ضد الفتيات، وأحيانا الوضع المادي الصعب الذي تعيشه بعض الأسر، أو ربما تعاني من حرمان عاطفي، أو حرية زائدة أو تتعامل بحسن نية وتثق بالطرف الآخر ثقة عمياء".
وأضافت المحامية القدسي، لهذه الأسباب كلها، ولسهولة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي أنجرت بعض الفتيات إلى علاقات مشبوهة، ووقعت في فخ بعض الذئاب البشرية، أو تعرضت للتهكير أيضاً من خلال استخدامها لروابط مجهولة وتطبيقات، وفي هذه الحالة وقعت ضحية للتهديد والابتزاز.
ونصحت المحامية لبنى القدسي الأسرة بالوعي، كون زمان اليوم غير زمان الأمس، وكل شي صار في متناول اليد، والعالم بات قرية صغيرة، وأصبح الانترنت في يد أبنائهم وبناتهم، ووسائل التواصل صارت كثيرة وسهلة، وفي حال حصول خطأ من البنت عليهم احتوائها أكثر من تعنيفها؛ لأنها قد ترضخ للمبتز، وتكون ضحية له، وقد تقدم على فعل اجرامي بحق نفسها.
وأضافت، كذلك، على الأسرة "تفهم الأمر، ومتابعة الجاني، والتبليغ عنه، أو التواصل معه بشكل ودي وهو الأنسب، مؤكدة أن تعامل الأسرة السلبي والذي ينتج عنه عنف مضاعف على الفتاة جسدي ولفظي ونفسي لن يجدي؛ بل قد يودي بحياة الفتاة ولا يعاقب المجرم.
وأكدت أن خوف الفتاة من نظرة من حولها بأنها غير سويّة، وخشيتها من الملامة والفضيحة يؤثر سلبًا عليها، وأيضاً انعدام الثقة بالأجهزة الأمنية التي في الغالب ما تلقي اللوم على الفتاة، ولا تتعامل معها كضحية، وجهل الكثير بالقوانين التي تنال من المبتز تعد كذلك من الأسباب المساعدة لانتشار هذه الظاهرة، حسب قولها.
قواعد قانونية لمكافحة الابتزاز
من جهتها، أكدت القاضية إكرام أحمد حسين العيدروس، عضو المكتب الفني - المحكمة العليا، أن الجرائم الإلكترونية تعد أفعال خطرة تمس الفرد والمجتمع؛ لأنها تعتبر تعدي على حرمة الحياة الخاصة للشخص المعتدى عليه.
وفي الوقت الذي عبّرت عن أسفها لعدم صدور قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية في اليمن فقد أكدت أنه يمكن التصدي لمثل تلك الأفعال من خلال قانون الجرائم والعقوبات اليمني الصادر بالقرار الجمهوري رقم 12 لسنة 1994 وتعديلاته بالقانون رقم 16 لسنة 1995م.
وأشارت في حديثها لـ"يمن شباب نت"، إلى أن هناك عدد من المواد يمكن الرجوع لها، منها على سبيل المثال ينص قانون العقوبات في المادة (256): على أن أي شخص يقوم بالاعتداء على حرمة الحياة الخاصة من خلال:
أ - استراق السمع أو سجل أو نقل عن طريق جهاز من الأجهزة أيا كان نوعه محادثات جرت في مكان خاص أو عن طريق الهاتف.
ب - إلتقط أو نقل بجهاز من الاجهزة أيا كان نوعه صورة شخص في مكان خاص.
هذه الأفعال إذا تم ارتكابها من أي شخص تجرم وتكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنة أو بالغرامة كل من اعتدى على حرمة الحياة الخاصة.
وأضافت القاضي العيدروس، أيضا في المادة (257) يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين أو بالغرامة كل من أذاع أو سهل إذاعة أو استعمل ولو في غير علانية تسجيلا أو مستندا متحصلا عليه بإحدى الطرق المبينة بالمادة السابقة أو كان ذلك بغير رضاء صاحب الشأن ويعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاثة سنوات كل من هدد بإفشاء أمر من الأمور التي تم الحصول عليها بإحدى الطرق المشار إليها لحمل شخص على القيام بعمل أو الامتناع عنه إلى آخر المادة.
وتابعت، كذلك، المادة 254 الخاصة بالتهديد: تنص على أن يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بالغرامة كل من هدد غيره بأي وسيلة ارتكاب جريمة أو بعمل ضار أو بعمل يقع عليه أو على زوجه أو أحد أقاربه حتى الدرجة الرابعة إذا كان من شأن التهديد أن يحدث فزعا لدى من وقع عليه.
أيضا في المادة (313) يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز خمس سنوات أو بالغرامة كل من يبعث قصدا في نفس شخص الخوف من الأضرار به أو بأي شخص آخر يهمه أمره ويحمله بذلك وبسوء قصد على أن يسلمه أو يسلم أي شخص آخر أي مال أو سند قانوني أو أي شيء يوقع عليه بإمضاء أو ختم يمكن تحويله إلى سند قانوني.
جهات الاختصاص لجرائم الابتزاز
وبينت القاضي إكرام السقاف، أن التكييف للجرائم هو اختصاص النيابة العامة بحسب ما يتم التوصل إليه في التحقيقات، وأن الحل الذي يمكن أن تلجأ له الفتاة التي تعرضت للابتزاز، هو التبليغ بمعنى إخطار الجهة المختصة بوقوع الحادث.
وأضافت، كما يمكن تقديم شكوى شفاهية أو كتابة للنيابة العامة بأن شخصًا ما معلومًا كان أو مجهولا قد ارتكب هذه الجريمة سواء كان تهديد بالصور أو الابتزاز، أو الاعتداء على الحياة الخاصة بها من خلال استخدام الهاتف أو استخدام الفلاش أو استخدام أي طريقة بغير رضاءها.
وأكدت السقاف، أن الردع للمبتزين يكون بتقديمهم للمحاكمة، وفرض عقوبات عليهم وفقا للقانون.
كيف تتعامل الفتاة مع المُبتزّ؟
واستعرضت المحامية لبنى القدسي طريقة تعامل الفتاة في حال تعرضها للابتزاز، وقالت: "على المرأة أو البنت في حالة ما تعرضت للابتزاز والتهديد أن تتوقف عن الرد على المبتز، وعدم المبالاة بالأمر، وأن تتقرب من الله تعالى أكثر، وأن لا ترضخ لطلباته أبدًا، فكل ما قدمت تنازلا زاد هو باستغلالها أكثر، لذا عليها أن ترفض طلبه مهما كان، كما أن عليها أن تحتفظ برسائل التهديد والابتزاز".
وأضافت: كذلك "عليها في هذه الحالة أن تلجا لأسرتها، وإذا لم تطمئن لذلك، وكانت تشعر بالقلق من ردة فعلهم، عليها أن تلجأ لأي شخص تثق فيه، أو أن تبحث عن المبادرات الشبابية التي فتحت أبوابها لمساعدة ضحايا الابتزاز، وهم سيقفون معها، وسيقومون بتتبع رقم المبتز، والتبليغ عنه واتخاذ الإجراء اللازم".
ودعت في هذا الصدد، الجهات المعنيّة بالعمل على إجراء تعديل قانون الجرائم والعقوبات، وذلك فيما يخص التشديد في عقوبة الابتزاز والتهديد وافشاء الاسرار.
توسع ظاهرة الابتزاز
بدورها، قالت المحامية والمديرة التنفيذية لمؤسسة عدن للحقوق والتنمية تهاني الصراري، إن قضية الابتزاز توسّعت في نطاق كافة محافظات الجمهورية، وليست محافظة عدن فقط؛ إذ أن هناك العديد من القضايا التي تأتي في هذا الإطار.
وأكدت الصراري في حديث لـ"يمن شباب نت"، "وجود نصوص تتناول هذه القضية؛ ولكنها ليست واضحة، كما أنه لا وجود لقانون خاص يتناول مثل هذه القضايا".
وأشارت المحامية تهاني الصراري إلى أن وسائل الحماية التي يجب على الفتاة القيام بها مسبقا حتى لا تتعرض لخطر الابتزاز هي "استخدام تطبيقات جوجل بلاي، أو أبل استور الرسمية، وترك التطبيقات التي تنزل عبر روابط ومواقع غير الأسواق الرسمية للهواتف لأنها غير آمنة".
وأضافت، كذلك عدم عمل مزامنة وإيقافها، وإذا تواجد تهديد بالصور أو ابتزاز يجب التوجه للأمن والبلاغ دون خوف، اضافة إلى متابعه الصفحات التي تتكلم عن الجرائم الإلكترونية وكيفية الوقوف ضدها.
وأكدت في هذا الصدد، أن أكثر القضايا المثيرة للجدل هي التي تحدث عندما تكون الفتاة خائفة من الأهل قبل المجتمع، كون الأهل هم السند والداعم للفتاة، والمقوي لثقتها، فعندما يكون الأهل غير داعمين لها تصبح الفتاة فريسة سهلة للمبتز.
وشددت على ضرورة "تكاتف الجميع لإيقاف مثل هذه الظواهر الغريبة والمخيفة، وزرع الثقة في الفتاة؛ ليبتعد حاجز الخوف عنها، وعليها أن تعرف أنه إن قام أحد بالتعرض لها لابد من الوقوف أمامه، وليس الانصياع لمتطلباته، ولابد من وقوف الأمن والقضاء بجانب الأسرة والفتاة".