تبدأ الطالبة "شاذية" يومها في بيع "القهوة الباردة" في ساحات الجامعة، وتتجول في أروقتها المختلفة من أجل تقديمها للزبائن من الطلاب في أكواب مزخرفة، وتحاول من خلال مشروعها الاستمرار في كسب المال من أجل المعيشية، ومساعدة أسرتها في ظل الحرب الجارية في البلاد للعام الثامن على التوالي.
وتدرس الشابة العشرينية "شاذية عبد المغني الشرعبي" الجرافيكس في كلية الآداب بجامعة تعز (جنوب غربي اليمن)، وتكافح بالعمل في مشروعها الخاص من أجل إكمال تعليمها الجامعي، حيث يوفر لها العمل ما تحتاجه من تكاليف المعيشة رغم الصعوبات التي تعاني منها.
ليس هذا العمل الوحيد الذي مارسته لكنه الأبرز ويعد بالنسبة لها مشروعا شخصيا تطمح من خلاله تحقيق بصمة مختلفة من خلال النوع والشكل المميزة، وقالت شادية لـ"يمن شباب نت"، إنها الفتاة الأولى التي تكسر قانون أسرتها الذي يمنع الفتيات من مواصلة التعليم الجامعي، كما أنها تتكفل بتكاليف دراستها بنفسها بالتنقل بين المشاريع البسيطة بإصرار وكفاح.
تدهور المعيشة
أدت الحرب إلى تدهور في كل مناحي الحياة، وكان التعليم الجامعي من ضمن تلك الحقوق التي لم تعد للجميع، وخاصة مواصلة التعليم الجامعي للفتيات، وبالإضافة إلى كونه من ضمن التحديات قبل الحرب بسبب عدة عوامل، لكنه الآن أصبح مستحيلاً للكثير من الفتيات.
تقول شاذية في حديث لـ"يمن شباب نت":" كان الجميع يرى أن من المحال التحاقي بالجامعة أولا تقاليد العائلة تحظر ذلك وثانيا مستوانا المادي لا يسمح أبدا".
حيث يعمل والد "شاذية" معلم وراتبه الزهيد في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعانيها البلاد، جراء الحرب لا يمكنه من تحمل أساسيات المعيشية من الأكل والشرب والسكن، فضلاً عن تكاليف تعليم ابنته في الجامعة وأشقائها السبعة الذين يدرسون في مراحل تعليمية مختلفة.
ووفق تقرير لمنظمة" اليونيسيف" فإن عشرات الآلاف من اليمنيات، اللواتي كن أصلاً ملتحقات في المدارس حرمن من حقهن في التعليم خلال العامين 2018 و2019، بسبب عجز أسرهن عن توفير أبسط احتياجاتهن المتمثلة في وجبة الإفطار، وعدم قدرتهم على توفير المستلزمات المدرسية.
تحدي وإصرار
واجهت شاذية تحديات كثيرة للوصول إلى الحرم الجامعي، وقالت، "أجريت اختبار القبول في التعليم العام محاولة التخلص من عبء الرسوم -رغم التثبيط الذي واجهته من أفراد أسرتي-، وحينما لم يحالفني الحظ لم أصاب بأي إحباط بل على العكس زاد طموحي وإصراري".
بعد ذلك اضطرت للالتحاق بقسم الجرافيكس بنظام التعليم الموازي، ولكي توفر تكاليف الدراسة من رسوم وغيرها، عملت في مجال النقش وبيع أشياء صغيرة وكذا الترويج لمنتجات تجارية. كانت تفكر بمشاريع ولكن صعوبة توفير رأس المال يعيقها دائما.
وأضافت:" أعمل بالنقش منذ سنوات وأحاول تجميع رسوم الجامعة بشتى الوسائل لكن النقش وحده لم يوفر كل احتياجاتي في ظل ارتفاع الأسعار والمواصلات، لذلك فكرت بمشروع المقهى البسيط المتنقل".
وتابعت حديثها لـ"يمن شباب نت": "استمتع جدا في إعداد القهوة وأيضا في ممارسة الخط والتصاميم لذا فكرت في استغلال كل هذا في بيع القهوة الباردة وتقديمها بأكواب مزخرفة بأسماء الزبائن أو التصاميم المطلوبة، والحمد لله الجميع هنا يحفزني بالشراء والترويج لي".
أحيانا شاذية لا تحصل على "مكعبات الثلج" في الصباح نظرا لانقطاع الكهرباء فتضطر لتوقيف عملها وهذه واحدة من الصعوبات التي تواجهها. كما أن طلاب الجامعة يواجهون صعوبة في شراء القهوة بسعر يصل إلى 2000 ريال للكوب الواحد.
تميز وطموح
وكما يقال إن النجاح يولد من رحم المعاناة؛ تحصد "شاذية" التي باتت الآن في المستوى الثالث، درجات علمية ممتازة وتعمل على تطوير أدائها العملي في مجال التصاميم والجرافيكس باستمرار، من أجل كسب المهارة لتكون جاهزة في سوق العمل بعد التخرج.
وتحظى شاذية بتشجيع وإشادة كبيرة بكفاحها وإصرارها على النجاح من قبل زملائها واستاذتها في الكلية، الأمر الذي انعكس عليها بشكل إيجابي.
تقول زميلتها عبير الصلوي لـ"يمن شباب نت": "تحارب شاذية من أجل مستقبلها وتحقيق أهدافها رغم وضعها الصعب، فهى تخطط جيدا قبل أن تبدأ أي عمل وتبني أفكارها بطريقة تجارية حاذقة، فلديها أسلوب مميز في جذب الزبائن وكذا الاقناع والترويج".
زميلتها الأخرى "ملاك عزيز" تشير إلى أن الشرعبي محبة للعمل وهذا ما يجعلها تنجح في مشارعيها الصغيرة فهي لا تفقد الأمل، لديها هدف وتكافح من أجله بكل قوة وتعتمد على نفسها منذ طفولتها.
وخلال السنوات الماضية ربما التجارب جعلت من الشابة "شاذية" أقوى وساعدها في ذلك شغفها وطموحها وحبها للتعليم والعمل، واستطاعت البدء بمشروع مختلف بفكرة جديدة.
لكنها وبرغم ذلك لا تتوقف عن طموحها، فتقول في ختام حديثها لـ"يمن شباب نت"، "أتمنى أن أصبح محترفة ومميزة في مجال الجرافيكس، وافتح مقهى يمكنني من خلاله الاعتماد الكلي على نفسي والاستقرار في عمل واحد يضمن مستقبلي فأنا أحببت هذا العمل بجدارة".
وطبقا لآخر بيانات متوفرة من العام 2011، فقد كان معدل التحاق الإناث بالتعليم العالي 6٪ فقط من إجمالي الإناث الواصلات إلى سن التعليم الجامعي، وكان فقط ثلث من الملتحقين بالتعليم العالي من الإناث، وهذه المعدلات قد انخفضت خلال الأعوام الماضية منذ بداية الحرب قبل ثمان سنوات.
أخبار ذات صلة
السبت, 24 سبتمبر, 2022
مرضى الفشل الكلوي بتعز.. مأساة مركبة لواقع فرضه حصار الحوثيين والحرب في اليمن
الإثنين, 29 أغسطس, 2022
أجيال بمستقبل مجهول.. الوضع المعيشي يجعل التعليم الجامعي مستحيلاً في صنعاء
الإثنين, 15 أغسطس, 2022
تعز.. تسرب المعلمين من المدارس إلى المعسكرات يهدد استمرارية العملية التعليمية في "الوازعية"