في عام 1954 خرجت حشود كبيرة في زيارة تاريخية للملكة إليزابيث الثانية إلى عدن، في ذلك الوقت كانت هذه المدينة الواقعة على الطرف الجنوبي من شبه الجزيرة العربية مستعمرة للإمبراطورية البريطانية، وكانت واحدة من أكثر الموانئ ازدحامًا وأهمها في العالم.
اليوم، دفعت وفاة الملكة بعد حكم دام 70 عامًا بعض اليمنيين إلى تذكر جزء من التاريخ لم يتم استحضاره كثيرًا، وفق تقرير لوكالة أستيوشيتد برس «AP» ترجمة "يمن شباب نت".
فقد تسبب موتها في موجات من الحزن والتعاطف من جميع أنحاء العالم، لكنه أثار أيضًا دعوات لإعادة النظر في القتل والحرمان اللذين تسبب فيهما الحكم الاستعماري البريطاني في إفريقيا وآسيا ومنطقة البحر الكاريبي.
في عدن، ثاني أكبر مدينة في اليمن الآن، يتذكر الكثيرون الحكم الاستعماري على أنه زمن قمع رسخ بعض المشاكل التي لا تزال تعاني منها المدينة والبلد الذي دمرته الحرب الأهلية منذ عام 2015.
لا يزال البعض اليوم يتذكر زيارة إليزابيث بإعجاب وتقدير للحكم البريطاني من حيث التقدم في البلاد، يعرف حسن العوادي - طالب جامعي - أن جده كان من بين أولئك الذين كانوا يلوحون من الشارع عندما مرت الملكة وزوجها الأمير فيليب. لكن العوادي يقول إن جيله يعرف الآن بشكل أفضل.
وقال: "في سياق القرن الحادي والعشرين، يُنظر إلى مثل هذه الممارسات على أنها انعكاس للقضايا العالمية المعاصرة مثل العنصرية وعدم المساواة وتفوق البيض"، ووفق حديثه، فقد قاموا بقمع الأشخاص الذين يريدون إنهاء الاحتلال الاستعماري لهذه الأرض. وأضاف بالقول "قُتل آلاف الأشخاص في الكفاح من أجل اقتلاع الاستعمار، يجب محاكمتهم وجعلهم يدفعون ثمن جرائمهم".
كانت عدن المنطقة العربية الوحيدة التي كانت مستعمرة بريطانية، كانت البؤر الاستيطانية البريطانية الأخرى في الشرق الأوسط مثل مصر وفلسطين والخليج عبارة عن مناطق انتداب أو محميات، وليست مستعمرات صريحة.
احتل البريطانيون عدن لأول مرة في عام 1839، واستمرت بريطانيا في الاستيلاء على الأجزاء المحيطة من جنوب اليمن كحاميات، واشتبكت مع المستعمرين الآخرين لشبه الجزيرة، وهم العثمانيين.
أخيرًا، أقام الاثنان حدودًا تقسم شمال اليمن وجنوبه، وهو التقسيم الذي استمر طوال تاريخ البلاد الحديث قبل أن يتم اعلان الوحدة في 1990، واشتعل مرة أخرى في الحرب الأهلية الحالية.
تم إعلان عدن رسميًا كمستعمرة للتاج البريطاني في عام 1937، وكانت المدينة الواقعة خارج البحر الأحمر مباشرةً، ميناءً حيويًا للتزود بالوقود وميناءًا تجاريًا بين أوروبا وآسيا، وخاصة مستعمرة الهند البريطانية.
توقفت إليزابيث في عدن في طريق عودتها من أستراليا، كجزء من جولتها الأولى في الكومنولث بعد عامين من صعودها إلى العرش.
وتظهر صور الزيارة على الموقع الإلكتروني للجمعية البريطانية اليمنية، وهي مؤسسة خيرية بريطانية، ضباط بريطانيين ووجهاء وقادة يمنيين وهم يحيون الملكة الشابة وزوجها.
التقى بهم عدد كبير من اليمنيين أينما ذهبوا. وأقيم حفل تسليم الملكة وسام الفروسية للزعيم المحلي السيد أبو بكر بن شيخ القحاف، ولاستلامها انحنى القحف على كرسي فيما فُسر بأنه رفض للركوع أمام الملكة بسبب إيمانه المسلم.
كما شاهد أفراد العائلة المالكة عرضًا عسكريًا يضم القوات البريطانية والمحلية اليمنية.
ولكن بعد الزيارة بوقت قصير، اندلعت انتفاضة غدتها القومية العربية ودعمها الرئيس المصري جمال عبد الناصر، العدو اللدود للقوى الاستعمارية في الخمسينيات والستينيات، بعد سنوات من القتال، أُجبر البريطانيون أخيرًا على الانسحاب.
عندما غادرت الدفعة الأخيرة من القوات البريطانية عدن في أواخر نوفمبر 1967، ولدت جمهورية جنوب اليمن الشعبية وعاصمتها عدن، وهذه ستكون الدولة الماركسية الوحيدة التي وجدت على الإطلاق في العالم العربي، وستستمر حتى الوحدة مع الشمال في عام 1990. يذكر البعض في عدن أن الحكم البريطاني كان يجلب النظام والتنمية.
وقال بلال غلام حسين، الكاتب والباحث في تاريخ عدن الحديث، إن الكثيرين "عاشوا في الماضي في أيام الحكم البريطاني، لأن كل شيء كان يسير على ما يرام، كما لو كنت تعيش في بريطانيا بالضبط".
وقال إن الكثير من بدايات البنية التحتية والخدمات الأساسية، بما في ذلك الصحة والتعليم، تعود إلى زمن الاستعمار. وقال إن "بريطانيا أرست أسس الإدارة المدنية في عدن منذ بدايات الاحتلال".
تبقى بعض التذكارات الصغيرة، حيث يقف تمثال للملكة فيكتوريا في ميدان بارز، أصيب برصاصة خلال تبادل إطلاق النار في الحرب الأهلية الحالية، كذلك يطل برج ساعة يشبه ساعة بيج بن في لندن على المدينة من قمة تل، وهناك لوحة تذكارية تخلد ذكرى وضع الملكة إليزابيث حجر الأساس لمستشفى رئيسي.
مزقت الحرب الأهلية الحالية اليمن إلى شمال يديره الحوثيون وجنوب بقيادة الحكومة المعترف بها دوليا ومجموعة من الميليشيات المتحالفة معها، وتدخلت المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى لدعم الحكومة، واعتبرت الحوثيين وكيلاً لإيران، ألقى القتال باليمن في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، مما دفعه إلى الفقر المدقع وشبه المجاعة.
وقال سالم اليماني، مدرس في محافظة أبين الجنوبية، إنه حتى في خضم الفوضى الحالية، فإن الحنين إلى الحقبة الاستعمارية التي أشعلتها وفاة إليزابيث هو في غير محله.
وقال: "فكرة وجود طرق وخدمات جيدة لا تعني أنهم (المستعمرون) كانوا جيدين، لقد كانوا محتلين يخدمون مصلحتهم في المقام الأول".
وقال: "الوضع الآن مريع لكنه لا يعني أننا نريدهم مرة أخرى"، وأضاف: "هذه مشكلتنا الخاصة، وسوف يتم حلها إذا توقفت القوى الأجنبية عن التدخل في شؤوننا".
أخبار ذات صلة
الاربعاء, 14 سبتمبر, 2022
احتلوا عدن وخاضوا حرباً سرية في الشمال.. تعرف على تاريخ الاستعمار البريطاني في اليمن