غيب الموت، اليوم الاثنين، المناضل اليمني محمد عبدالله الفسيل، أحد مفكري ثورة 48 الدستورية، وقارئ بيان قيام الجمهورية والإطاحة بالحكم الإمامي لشمال اليمن، في 26 سبتمبر عام 1962م.
وتوفي الفسيل صباح اليوم في العاصمة المصرية القاهرة عن عمر تجاوز الـ 90 عاماً. وكان قد غادر اليمن عقب سيطرة مليشيات الحوثي المدعومة من إيران على العاصمة صنعاء عام 2015م.
ونعى رئيس المجلس الرئاسي الدكتور رشاد العليمي، المناضل الجسور محمد عبدالله الفسيل الذي وافاه الأجل بعد حياة حافلة بالعطاء والنضال المخلص لمبادئ النظام الجمهوري، ورفعة وطنه وشعبه.
وجاء في بيان النعي الذي نشرته الوكالة الرسمية، إن "المناضل الفسيل كان أحد أبرز المناضلين الأوائل ممن آمنوا بمبادئ الثورة والجمهورية، وتطلعات شعبه في الحرية والتغيير، والعدالة والمواطنة المتساوية التي ناضل من أجلها حتى آخر رمق من حياته".
وأضاف، "لقد خسر اليمن برحيل الفسيل، أحد أبنائه الشجعان الذين ظلوا على العهد، كقائد مرجعي حول مخاض الثورة السبتمبرية الخالدة، وسنوات الظلم والقهر ووحشة السجون التي كان الفقيد الكبير أحد ضحاياها".
وأشار إلى أنه كان بطلا من أبطال الثورة الأوفياء، ورجل دولة، وبرلماني، ودبلوماسي محنك من طراز رفيع في العهد الجمهوري الذي يخوض اليوم من جديد معركة أخرى ضد مشروع الإمامة المدعوم من النظام الإيراني.
لمحة عن حياة المناضل الفسيل:
ولد المناضل محمد بن عبدالله بن علي الفُسَيِّل، في شهر أغسطس، من العام 1925، في حي الجراف، بالعاصمة صنعاء، وتوفي والده وهو في السادسة من عمره، فنشأ يتيمًا في كنف أمه.
التحق بالكُتَّاب فقرأ القرآن الكريم، ثم انتقل مع أسرته إلى حارة الفليحي، وهناك واصل تعليمه في كُتاب المسجد، ثم انتقل إلى مدرسة الإصلاح، ومنها انتقل مع أخيه إلى مكتب الأيتام، ثم إلى المدرسة العلمية؛ فدرس فيها علوم الفقه، وعلوم الكُتّاب في دائرة المحاسبة.
كما التحق بالجمعية اليمنية الكبرى في مدينة عدن في الشطر الجنوبي لليمن آنذاك مع الأستاذين محمد محمود الزبيري وأحمد محمد نعمان، وساهم في كتابة دستور ثورة 48 مع الجزائري الفضيل الورتلاني.
بعد فشل الثورة الدستورية، سنة 1948م، والقبض على زعيمها عبدالله بن أحمد الوزير وإعدامه، كان الفسيل ضمن الذين اعتقلهم الإمام وزج بهم إلى سجن القلعة في مدينة حجة وكان أصغر سجين، قبل أن يتمكن من الهروب منه إثر حركة 1955، التي استهدفت أحمد حميد الدين.
ارتبط مبكرا بتنظيم الضباط الأحرار، وتولى كتابة وقراءة بيان ثورة 26 من سبتمبر عبر إذاعة صنعاء، واقترح التشكيلة الأولى لحكومة الثورة التي اعتمدها لاحقا الرئيس عبدالله السلال.
بعد قيام الجمهورية، وسقوط الحكم الملكي سنة 1962م، عُيِّن سفيرًا مفوضًا في روسيا، ثم مستشارًا في السفارة اليمنية في القاهرة، ثم مستشارًا لوزير الزراعة بدرجة وزير، ثم وكيلاً لوزارة الأوقاف بدرجة وزير.
كانت تربطه علاقة وثيقة بالشهيد محمد محمود الزبيري وشارك معه في تأسيس "حزب الله" المعارض لسيطرة الجانب المصري على القرار في صنعاء.
شارك في الإعداد لعقد مؤتمر عمران، وبعد خروج القوات المصرية من اليمن؛ عُيّن سفيرًا مقيمًا في الصومال، وغير مقيم في كينيا، وتنزانيا، وأوغندا، ثم عُين سفيرًا لليمن في ألمانيا الديمقراطية.
وفي عهد الرئيس إبراهيم بن محمد الحمدي عُيّن مستشارًا سياسيًّا بدرجة نائب رئيس وزراء؛ وعقب تولى علي عبدالله صالح الحكم؛ عُيّن "الفسيل"، في مجلس الشعب التأسيسي، ثم سفيرًا في العراق.
كان الفسيل أحد أبرز المشاركين في لجنة الحوار الوطني بين الشطرين الشمالي والجنوبي من أجل تحقيق الوحدة اليمنية، وعيّن عضوا في مجلس النواب عقب إعلان الوحدة اليمنية عام 90، كما شارك في صياغة مشروع دستور الجمهورية اليمنية.
ولاحقا عين في لجنة الحوار الوطني، التي عوّل عليها في فضّ النزاع بين شريكي الوحدة: المؤتمر الشعبي العام، برئاسة الرئيس علي عبدالله صالح، والحزب الاشتراكي اليمني، برئاسة علي سالم البيض، وتم الأمر بتوقيع (وثيقة العهد والاتفاق) في العاصمة الأردنية عمان.
وإلى جانب عمله السياسي والدبلوماسي، فقد عمل الفيسل محررًا في صحيفة (صوت اليمن)، وفي صحيفة (القات)، وفي صحيفة (الأيام).
من مؤلفاته:
1- الرجل الشاذ. كتيب صغير، حلل فيه شخصية الإمام (أحمد بن يحيى حميد الدين)، غير أن هذا الكتاب صودر بعد طباعته.
2- كيف نفهم القضية اليمنية؟ بالاشتراك مع صديقه (أحمد بن محمد الشامي).
3- نحو النور. عالج فيه أخطاء الحركة الوطنية. وقد طبع هذا الكتاب مع الكتاب السابق في كتاب واحد، سنة 1404هـ/1984م.
4- اليمن.. داؤها ودواؤها. في ثلاثة مجلدات ضخمة، بالاشتراك مع الأستاذ (أحمد عبدالرحمن المعلمي).
5- ديوان شعر صدر عام 1419هـ/1999م، عن (مؤسسة العفيف الثقافية) بصنعاء.